قائمة الموقع

تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية يهدد الأمن الغذائي بغزة

2017-03-16T11:30:16+02:00
غزة-تحقيق محمود فودة

بحجة ازدياد عدد السكان ضغطت عدة أطراف -بعضها مجهول-في سبيل تحويل بيارة مشجرة مساحتها 270 دونما في منطقة النصيرات وسط قطاع غزة إلى منطقة سكنية، إلا أن جزءاً واسعاً منها بقي دون أي مبان للسكان المفترض أنهم بحاجة للأرض، مما يضع علامات استفهام حول مدى صوابية القرار الذي نتج عن معطيات غير دقيقة.

استنزاف واضح للأراضي الزراعية نتيجة مخالفات المواطنين الذين يجدون غطاءً من البلديات وفق ما أكدت الجهات المعنية بقطاع غزة والتي قابلتها "الرسالة"، الأمر الذي ينذر بتواصل تآكل مساحات الأراضي الزراعية خلال الفترة المقبلة، ما يستدعي البحث في تفاصيل القضية.

الحكم المحلي: البلديات تعطي رخص خدمات بدلاً من بناء لتجاوز القانون

ووفق ما توصلت إليه "الرسالة" فإن البلديات تتحمل المسؤولية الأولى في تحول الأراضي الزراعية الى سكنية تليها وزارة الحكم المحلي واللجنة المركزية للأبنية وتنظيم المدن، ثم المزارعون وتجار الأراضي الذين يقدمون المصلحة الخاصة على العامة بتحويل أراضيهم الزراعية لسكنية.

 الزراعة تؤكد

نزار الوحيدي مدير عام الإرشاد والبيئة بوزارة الزراعة استهل حديثه لـ"الرسالة" بالقول: "إن المشكلة الأبرز في غزة من ناحية الإنتاج الزراعي تتمثل في عنصر الأرض المتناقص باستمرار مع الزحف العمراني المتزايد".

تناقص الأراضي الزراعية تمدد ليمس بالأمن المائي في غزة، فوفق الوحيدي فإن المياه الجوفية تتعرض لأزمات كبيرة أقلها دخول مياه البحر المالحة بدل التي تم سحبها، وتذبذب كميات الأمطار، إضافة للنقطة الأهم المتمثلة بتوسع المسطح العمراني على حساب الأرض، والذي يمنع بدوره وصول مياه الأمطار للخزان الجوفي.

وفي تأكيدٍ لخطورة استنزاف الأراضي بحجة الكثافة السكانية، قال الوحيدي إن التزايد في الأعداد يحتاج لزرع أراض إضافية، فكل طفل يولد يوميا يحتاج لمساحة جديدة من الأرض تنتج له سلته الغذائية، وليس العكس الذي يحصل حاليا.

وفي دليل على التناقص الشديد في مساحات الأراضي الزراعية، كشف الوحيدي أن الأرض الزراعية بغزة تستخدم مرة ونصف في العام، وهذا يعتبر معدلا عاليا جدا، مع استخدام المياه المالحة التي تتسبب بتدني معدلات الإنتاج، عدا عن عشوائية نظام الزراعة القائم بغزة.

 تراجع المساحات

وفي قطاع غزة تتكفل اللجنة المركزية للأبنية وتنظيم المدن بمسؤولية تنفيذ المخططات الاقليمية والهيكلية في محافظات غزة، فيما تتكون اللجنة من 13 وزارة وسلطة وهيئة تشمل وزارة الحكم المحلي التي ترأس اللجنة إضافة لوزارات الزراعة والتخطيط والصحة والنقل والمواصلات والدفاع المدني وسلطتي البيئة والمياه وغيرها.

اللجنة المركزية للتنظيم: كلنا شركاء في استنزاف الأراضي لكن بنسب متفاوتة

"الرسالة" التقت القائم بأعمال رئيس اللجنة غسان الوحيدي فلم ينكر التراجع الحقيقي في مساحات الأراضي الزراعية، رغم إعداد مخططات هيكلية لجميع بلديات غزة، والتي من خلالها تم تحديد استعمالات الأراضي لصناعية وسكنية وزراعية وشبكات طرق وسياحية.

وينص القانون المعمول به في الأراضي الفلسطينية على أن يسمح للمواطن ببناء وحدة سكنية واحدة مكونة من طابقين بمساحة 180 متراً، كمرفق زراعي في كل 5 دونمات أرض، وفي كل دونمين ونصف في الأراضي الزراعية المساعدة، إلا أن ذلك غير مطبق في قطاع غزة.

ويقر الوحيدي بوجود تجاوزات قانونية لدى بعض البلديات من خلال منحها المواطنين لتراخيص خدمات لمنشآت تقع ضمن الأراضي الزراعية؛ مبرراً ذلك بعوامل متعددة أبرزها الزحف السكني العشوائي، ومشيرا في الوقت نفسه إلى أن المخالفات المحررة بحق المواطنين "غير رادعة".

ويتصدر الوضع المادي للبلديات أسباب إعطائها تراخيص في مناطق زراعية، وكذلك تفتت الملكيات في غزة، أي تقسيم الأرض بين ورثة المالك الأصلي، عدا عن الظروف السياسية والاقتصادية ووجود الاحتلال أيضاً.

ولم تكتفِ الجهات المعنية بتحويل الأراضي الزراعية لسكنية فحسب، بل حولت مناطق زراعية لصناعية؛ بحجة أن المناطق المصنفة صناعياً قريبة من الحدود الشرقية لغزة حيث يتواجد الاحتلال (الإسرائيلي) ما يهدد بقاءها والتأثير على الاستثمار.

سلطة البيئة: لا نملك "فيتو" في اللجنة المركزية التي تتخذ آراءها بالإجماع

وفي ذلك، قال القائم بأعمال رئيس اللجنة المركزية: "إن المخطط الإقليمي حدد مناطق صناعية والتي لا تقل أهمية عن الزراعية، إلا أن البلديات والوزارة اضطرت لإيجاد بدائل للمشاريع الصناعية بدلا من الحدود أو المناطق السكنية بعد شكاوى المواطنين من وجود المصانع قرب منازلهم، مما دفعنا لتحويل أراض زراعية لصناعية"، مشيرا إلى أن ذلك تم بالتوافق مع وزارة الزراعة.

تقصير حكومي

وإلى هذه اللحظة، ما زالت وزارة الحكم المحلي واللجنة المركزية تطالب وزارة الزراعة بإعداد ملف يوزع الأراضي الزراعية حسب درجة الخصوبة، إلا أن مخاطبات الأطراف سابقة الذكر اصطدمت بتجاهل وزارة الزراعة وفق ما تحدث به المهندس غسان الوحيدي.

والخطير هنا، أن اللجنة المركزية تصبح تائهة في مخططاتها الإقليمية والهيكلية خلال تحويلها للأراضي أو في حال نيتها إعادة تغيير هذه المخططات، وتصبح في كل مرة بحاجة إلى بحث جديد عن الأراضي، في ظل عدم وجود دراسة شاملة للأراضي.

وفي تبرير لمنح التراخيص في نموذج النصيرات، قال الوحيدي إن تحويل أرض المفتي جاء نتيجة ملوحة المياه والجفاف، مشيرا إلى أن قطاع الزراعة بحاجة إلى اهتمام وعناية لنشجع المزارع على التمسك بأرضه؛ بعد أن وصل مرحلة اليأس من العمل في المجال الزراعي.

وأوضح أن البلدية تقع بين أمرين إما أن ترفض ويفرض عليها واقع من خلال العشوائيات، في ظل أن أبناء المخيمات يريدون التوسع، وبذلك تضطر لفتح طرق من المشتري الجديد من ماله وليس من صاحب الأرض.

مركز زراعي: مقبلون على أزمة في الأمن الغذائي خلال السنوات المقبلة

في وزارة الحكم المحلي التقى معد التحقيق بالمهندسة إيناس الرنتيسي نائب المدير العام لإدارة المساحة والدراسات التطويرية التي أكدت في حديثها لـ"الرسالة" أن كل الرخص التي تعطيها البلديات للمواطنين للبناء في الأراضي الزراعية تمثل تجاوزا قانونيا.

وقالت الرنتيسي التي كانت تحضر اللجنة المركزية نيابةً عن وزارة التخطيط قبل دمجها في الوزارات الأخرى، إن الفترة الواقعة بين عامي 1999 - 2011 شهدت نقص 30 ألف دونم من الأراضي الزراعية من أصل 170 ألف دونم، مشيرةً إلى أن الأراضي الزراعية تنقص 500 دونم كل عام.

وأقرت الرنتيسي بوجود تقصير في ملف منح التراخيص للبناء في الأراضي الزراعية، مؤكدةً أن البلديات تخرج من الحرج من خلال إعطاء رخص خدمات وليس بناء؛ إلا أن هذه الرخص تمكن المالك من البناء في أرضه، وهذا ما أكدته اللجنة المركزية لـ"الرسالة".

الأراضي الحكومية

وللتوضيح فإن المخطط الإقليمي لقطاع غزة يشمل المناطق الخارجة عن نفوذ البلديات والتي تتضمن الأراضي الحكومية، أما المخططات الهيكلية فهي التي تقع داخل المدن وتوكل مهمة تنفيذها على البلديات.

وفي ذلك، قالت المهندسة الرنتيسي إن نسبة الأراضي الحكومية قليلة جدا إذ تبلغ 15 % فقط، وفي حينها وجه معد التحقيق سؤالا للمهندسة الرنتيسي عن سبب توزيع الأراضي الحكومية على مشروعات إسكانية وأخرى للموظفين في حال ندرة الأراضي الحكومية التي تمثل مخزونا استراتيجيا في ظل تخلي المزارع عن أرضه لصالح البناء.

وفي الرد على ذلك، قالت الرنتيسي إن غياب السياسة الاستراتيجية في التعامل مع ملف الأراضي أوجد حالة من العشوائية في استعمال الأراضي الحكومية.

اتحاد العمل الزراعي: الأزمة تتطلب خطة استراتيجية تتغلب على استنزاف الأراضي

أما المهندس بهاء الأغا مدير عام حماية البيئة فله رأي آخر، فكشف لـ"الرسالة" أن مقالع الرمال أدت لكشط الكثبان الرملية التي تمثل عامل أساسي في ترشيح مياه الأمطار للخزان الجوفي، حيث تقوم سلطة الأراضي ببيع الرمال لصالح مشاريع البناء.

ونبّه إلى وجود خطورة واضحة على الأمن الغذائي، "إذ شهدنا ارتفاع أسعار الخضار خلال السنوات الماضية"، مبيناً أنها مرشحة أن تكون أغلى من السابق في غضون أقل من 10 أعوام، إلى أن تصل لحد استيراد الخضار من الخارج.

وأوضح أنه سابقا كان ما نسبته 30 % من مياه الأمطار تترشح إلى الخزان الجوفي، أما اليوم فقد انخفضت إلى أقل من الربع؛ بسبب استنزاف الأراضي الزراعية والكثبان الرملية في المحررات.

وكشف الأغا الذي يمثل سلطة جودة البيئة في اللجنة المركزية عن عدم وجود التزام بالمخططات الهيكلية والإقليمية من قبل كل الأطراف؛ وبسبب الحاجة الشديدة يطلب باستمرار من اللجنة المركزية تغيير هدف استعمال الأراضي من زراعية لسكنية بمعدل كل جلسة أو جلستين.

وأشار إلى أنه في بعض الأحيان يشمل طلب التحويل مساحات واسعة، مؤكدا أنه غالبا توافق اللجنة؛ لأن الأرض تكون مجاورة لأخرى سكنية، ويطرح السؤال أين نذهب بأعداد السكان الجديدة.

وعن دور سلطة جودة البيئة في اللجنة، قال الأغا إن السلطة ترفض باستمرار تحويل الأراضي من زراعية إلى سكنية، إلا أننا لا نملك "فيتو" في اللجنة المكونة من 13 عضوا، منبها إلى نقطة مهمة أنه حتى لو رفضت السلطة وكذلك وزارة الزراعة لا يتم الالتفات للرفض في ظل التصويت بنظام الأغلبية.

وأضاف الآغا: "اللجنة المركزية لا تعمل وفق المخطط الإقليمي، وتعتمد المخطط الهيكلي لاستعمالات الأراضي، وهذا المخطط أصبح قديما والأحوال والظروف أعقد من كل المخططات التي باتت غير مواكبة للتطور الحاصل".

الزراعة: الأرض المستودعة كاحتياط "1000" دونم فقط!

وأوضح أن المنشآت الصناعية كمعامل الباطون والحجر باتت تبنى في المناطق الزراعية بشكل نظامي بموافقة اللجنة المركزية منذ عدة سنوات.

المخطط الاقليمي

ولغزة مخطط إقليمي وضع لها بالتنسيق مع الاحتلال (الإسرائيلي) بعد اتفاقية أوسلو التي وقعت في 1993، فيما ظلمت الكثير من الأراضي الزراعية بتحويلها الى سكنية أو من زراعية لسياحية، في ظل عدم معرفة نسب خصوبة الأرض.

وأقر المهندس بوزارة الزراعة نزار الوحيدي خلال حديثه لـ"الرسالة" أن التجريف والجفاف وضعف إنتاجية التربة يدفع لتحويل الأرض من زراعة لسكن، ويجري ذلك وفق ما وصفها بـ"لعبة سماسرة الأراضي بالتواطؤ مع مزارعين أو موظفين في المؤسسة الحكومية، وذلك في الفترة الواقعة بين 2000 / 2010"، وفق قوله.

وأوضح أنه بعد دخول وزارة الزراعة إلى اللجنة المركزية عام 2008، وقفت سدا منيعا ضد أي تحول من زراعي لسكني، مؤكدا ضرورة تغيير المخطط الإقليمي الذي يحتاج إلى وقفة من المجلس التشريعي.

وأشار إلى أن الأراضي المستخدمة في المدن الإسكانية الجديدة بالمحررات لا تمثل فيها الأراضي الزراعية إلا ما نسبته 10%، فيما لم يقتطع شجرة واحدة من أجل السكن بالمحررات، ويجيء حديث الوحيدي رغم عدم مناقشة ملف توزيع الأراضي في أروقة اللجنة المركزية!.

وفي تناقض مع ما سبق، أكد تنازل وزارته عن 200 دونم زراعي لأنشطة بنية تحتية في منطقة البريج وسط قطاع غزة؛ لإنشاء مشروع محطات للصرف الصحي، عدا عن تحويل مزارع العنب إلى شاليهات في منطقة جنوب غرب غزة، أو تحويل مناطق زراعية إلى مكبات نفايات أو كسارات حجارة.

وكشف عن وجود ما أسماه بـ"تآمر البلدية" والتي اتهمها بتجاهل الوزارة وعدم إبلاغها بإعطاء الرخص للبناء في الأراضي الزراعية، مؤكدا أن مهندس البلدية متهم حتى تثبت براءته، فهو في يده الحل والربط، إما بالوقوف إلى جوار المصلحة العامة أو المواطن.

والخطير هنا، في ظل حديث وزارة الزراعة عن وقوفهم كسد منيع أمام تحويل الأراضي الزراعية لسكنية، أن قسم حماية الأراضي لا يحتوي إلا على شخصين هما مدير عام ومساعد له، لا يقومان بأي جولة تفقدية دورية على مناطق قطاع غزة.

وتستكفي الوزارة بمتابعة أي بلاغ يصلها حول تحويل أراض، إلا أنه في ظل المشهد السابق لا يمكن لأي طرف تقديم بلاغ في ظل استفادة المواطن صاحب الأرض والقائم بالبناء على حد سواء، وكذلك البلدية من خلال جباية أموال الترخيص، وبذلك يبقى تحويل الأرض نشطا حتى إشعار آخر.

وفي تناقض واضح، قال مدير الإرشاد البيئي بوزارة الزراعة إن أراضي قطاع غزة لم تنقص خلال السنوات الماضية، بينما يشير خلال حديثه إلى أننا في حال لم نحسن تخطيط الأرض خلال السنوات المقبلة، سنضطر لدفن البحر!.

وفي سؤال "الرسالة" عن الأراضي المستودعة كاحتياطي استراتيجي، كشف الوحيدي أنه لم يتبقّ إلا 1000 دونم كموارد متاحة زراعية يمكن استثمارها زراعيا لم تدخل الإنتاج، ولا يمكن التوسع إلا بها، وفي حال استخدامها لا يوجد حل لاحقا.

قرار سياسي !

وخلال جولات البحث والتحري التي أجراها معد التحقيق، وجد أن الحكومة بغزة وزعت آلاف الدونمات بين مشاريع إسكانية ممولة من عدة دول، وجزء آخر لمشاريع سياحية، فيما قسمت مساحات واسعة على الموظفين بدلاً من مستحقاتهم المالية على الحكومة، رغم أن جزءا كبيرا من هذه الأراضي مصنفا كزراعي، وهو ضمن المخزون الاستراتيجي الذي تتحدث به الجهات المعنية بغزة.

"الرسالة" كشفت خلال بحثها في ملف الأراضي الزراعية أن تحويل الأراضي إلى سكنية في مشاريع الحي السعودي 1 و 2 و 3 ومدينة حمد وتوزيع الأراضي على الموظفين تم دون الرجوع للجنة المركزية للأبنية وتنظيم المدن.

وهذا ما أجمع عليه المهندس غسان الوحيدي والمهندسة إيناس الرنتيسي والمهندس بهاء الأغا خلال لقاء "الرسالة" بهم، إلا أن الوحيدي كان واضحا بأن هذه الأراضي جاءت وفق قرار سياسي أعلى من اللجنة.

وبرر ذلك بأن كسب تمويل المشروع يتقدم على بقية المسائل في ظل الحاجة الملحة للمشاريع الإسكانية بغزة، فيما أوضح أن توزيع الأراضي على الموظفين لم يناقش أيضا مع اللجنة.

واللافت هنا، أن القائم بأعمال رئيس اللجنة المركزية يؤكد أن المخطط الإقليمي لا يمكن تطبيقه خاصة في المناطق الصناعية، مشيرا إلى أن المصلحة العامة مغيبة، وأنهم ضد تجاوز البلديات للقانون.

وفي رده على سؤال حول استقلالية قرارات اللجنة المركزية، أجاب الوحيدي أنه إلى حد ما توجد استقلالية في قرارات اللجنة، مؤكدا أن جميع الأطراف مشتركة في أزمة استنزاف الأراضي بقوله: "كلنا شركاء ولكن بنسب".

التشريعي: تقصير واضح يتحمل مسؤوليته عدة أطراف

وأوضح أن المخططات التي وضعت مع بداية السلطة خاطئة في تحديد الأراضي الزراعية لعدم وجود صور جوية أو معرفة أنواع الأراضي، مؤكدا أن شرط تحويل الأرض أن تكون هناك أرض بديلة للأرض المحولة، إلا أن تطبيق هذا الشرط تم في نماذج قليلة، قائلا إن غالبية الطلبات يتم رفضها رغم نفي سلطة البيئة لذلك!

التشريعي يعترف بالتقصير

وبالرجوع للمجلس التشريعي بغزة، أقر أمينه العام نافذ المدهون بوجود تقصير من الأطراف كافة في ملف الأراضي الزراعية، مشيرا إلى أنه تم مناقشة الملف في أروقة المجلس التشريعي دون وصول إلى أي قرار أو قانون يوقف استنزاف الأراضي.

وفي معرض رده على سؤال حول قدم المخططات، وضرورة سعي المجلس لتحديثها لمواكبة التطورات السكانية، قال المدهون إن هذا الكلام صحيح ودقيق ويحتاج الأمر إلى خطة استراتيجية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والخاص والزراعي من أجل وضع أسس عملية لتنظيم الأراضي الزراعية ومعضلة الزحف السكاني.

وحين توجيه اللوم المقدم من بقية الوزارات للتشريعي بعدم سعيه لإقرار مخططات جديدة، قال المدهون إن المسؤولية تقع على عاتق وزارة الزراعة وسلطة الأراضي ووزارة الأشغال، مستهجنا في الوقت نفسه إلغاء وزارة التخطيط رغم أنها الأصل في تنظيم الأراضي الزراعية والسكنية وإعداد المخططات قائلاً: "لا يوجد بلد بدون وزارة تخطيط".

بلدية رفح: اللجنة المركزية توافق في الغالب على طلبات تحويل الأراضي

وأوضح أن قلة البدائل وعدم وجود مراكز دراسات متخصصة، وتهميش حكومة الحمد الله لقطاع غزة وعدم تطور التنسيق بين الوزارة المعنية ساعد في حالة التقصير القائمة.

وكشف في حديثه لـ"الرسالة" أن المجلس أمام مرحلة سيلمس فيها سكان غزة تغييرات أفضل مما كان في الماضي في ظل استمرار عدم اعتراف الحمد الله بالقطاع، وإضافة صلاحيات لرعاية مصالح الناس بما يحقق المصلحة العامة، وسنطرح خلاله ملف الأراضي الزراعية.

البلديات ترد

وفي الرد على اتهامات التجاوز القانوني الذي تقوم به البلديات، قال رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان إن اللجنة المركزية توافق على غالبية المقترحات التي تقدمها لتحويل أراض زراعية لسكنية وإنْ كانت بمساحات صغيرة.

وأوضح أبو رضوان في حديث لـ"الرسالة" إن بلديته تحاول عدم الموافقة على التحويل قدر المستطاع وفقا لتعليمات وزارة الحكم المحلي إلا حسب الشروط، مشيرا إلى أنها تلجأ لإعطاء رخص ضمن مناطق زراعية مساعدة للتخفيف عن المواطنين.

ونفى تجاهل بلديته للمخططات الهيكلية مشيرا إلى أن العمل يسير وفق نظام "مسك العصا من النصف"، وفق تعبيره، موضحا أنه لا يمكن رفض طلب بناء في أرض زراعية وسط حي سكني.

وفي النصيرات، قال رئيس بلديتها محمد أبو شكيان في حديث مع "الرسالة" أن أرض المفتي البالغة 273 دونما تم تحويلها من زراعي لسكني؛ نظرا للكثافة السكنية، وبموافقة اللجنة المركزية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن جزءًا واسعا من الأرض ما زال دون بناء؛ بحجة عدم توافر المواد اللازمة له في ظل الحصار (الإسرائيلي) المستمر على غزة.

وأوضح أن البلدية تدرس أي طلب مقدم من المواطنين لبناء وحدة سكنية في أرض زراعية عبر لجنة التنظيم التابعة للبلدية من ثم للمجلس البلدي، وقد يحول للجنة المركزية في حال كانت مساحات واسعة.

مطالبات

وفي الرد على ما سبق، قال مدير المركز العربي للتطوير الزراعي بغزة محسن أبو رمضان إن قرارا صدر إبان حكومة أحمد قريع عام 2005 لتنظيم الأراضي لزراعية وسكنية وصناعية، إلا أنه لم ينفذ على الأرض.

وأوضح أن استنزاف الأراضي الزراعية مستمر؛ بسبب الكثافة السكنية المتزايدة، وعدم جدوى الإنتاج الزراعي والاستثمار فيه؛ بسبب الحصار وآلية التصدير، مما دفع المزارعين لاستخدامها كمناطق سكنية، الأمر الذي من شأنه أن يرفع ثمنها، وتصبح ذات مردود اقتصادي أعلى.

وشدد على أن الأزمة ستتعمق خلال السنوات المقبلة بصورة ملحوظة، مما يتطلب من القائمين على غزة ضرورة إعادة تنظيم توزيع الأراضي؛ لأن استنزاف الأرض لصالح السكان سيقلص البقعة الزراعية، وهذا ضار على مستوى الإنسان والبيئة والتنمية الاقتصادية، خصوصا أن القطاع الزراعي الأكثر استيعابا للأيدي العاملة.

وفي مقارنة تشير لتراجع الإنتاج الزراعي بغزة، قال أبو رمضان إن غزة تشهد حالياً أزمة في الأمن الغذائي، حيث كانت في 2005 تصدر ثلثي طاقته الاستهلاكية من بعض المنتجات كالفاكهة والخضار، إلا أنها اليوم لديها عجز منذ انتهاء عدوان صيف 2014.

ونبّه إلى ضرورة إيجاد برامج لحماية الأمن الغذائي من خلال حماية الأرض وتوفير أسباب الحياة لها كالمياه ومحطات معالجتها، وفتح قنوات للتصدير؛ لتجاوز الحصار وتحديد مساحات محددة وعدم المساس بها.

وأشار إلى أن معضلة الكثافة السكانية تزيد من الحاجة لمشاريع سكنية، وفي ذات الوقت الحاجة إلى أمن غذائي، وهذا يحتاج لتوزان لتحقيق الهدفين، بحيث ألا تكون المشاريع السكنية على حساب الزراعية وأراضي المحررات يفضل أن تستخدم للزراعة بدلا من السكن.

وبحسب أبو رمضان فإن ما يتوفر حاليا من أراض زراعية تبلغ 70 ألف دونم من أصل 170 ألف دونم زراعي، مشيرا إلى عدم وجود دراسة دقيقة شاملة تحصر الموارد والسكان وتحدد المناطق.

وبالنظر إلى الخطر الذي سيلحق بالمواطن الغزّي خلال السنوات المقبلة، توصي "الرسالة" بضرورة تكاتف الجهود بين الأطراف الحكومية والأهلية وأطراف الإنتاج الزراعي لإيجاد خطة استراتيجية لتنظيم توزيع الأراضي وفق الاحتياجات السكانية والزراعية.

اخبار ذات صلة