استبدل الاحتلال" الإسرائيلي" مطرقته القاسية القوية بتلك الناعمة الهادئة، وبطريقة أشبه بعمليات الاغتيال التي يقودها الموساد لتصفيه خصومه في خارج الأراضي الفلسطينية، اخترق رصاص كاتم الصوت رأس الأسير المحرر المبعد مازن فقهاء ليلة أمس الجمعة.
الفاجعة التي هزت قطاع غزة تحمل مؤشرات خطيرة خاصة أن الاحتلال استخدم أسلوبا جديدا في تنفيذ عمليات الاغتيال في القطاع والتي غالباً ما كانت تتم عبر قصف من الطيران الحربي، بينما الأسلوب الجديد الذي استخدمه الاحتلال في الاغتيال بما يسمى "العمليات النظيفة" التي لا تخلف أثراً أو اتهاماً لإسرائيل أو رداً واضحاً.
وربما أراد الاحتلال من خلال هذه العملية تحقيق عدة اهداف أهمها:
أولاً: الاختراق الأمني للمقاومة وذلك من خلال الاختراق الاستخباري والأمني في تنفيذ العملية بطريقة جديدة وجريئة، خاصة أنها تجري في ميدان قطاع غزة وعلى الأرض وليس من الجو كما جرت العادة سابقاً.
ويحاول الاحتلال أن يغير المعادلة القائمة على الأرض بينه وبين المقاومة من خلال الاغتيال بطريقة غير تقليدية، والتي تظهر فيها معركة الاستخبارات والمعلومات الأمنية.
- في السابق كان هناك تحذير للعدو من تنفيذ أي عمليات اغتيال أو اختطاف لقيادات في المقاومة من قطاع غزة، اليوم العدو كسر المعادلة والكرة في ملعب المقاومة.
ثانياً: محاولة الاحتلال افراغ صفقة وفاء الأحرار من محتواها وانجازها الكبير وذلك من خلال رسالة لكل الأسرى المحررين بأن يد الاحتلال قادرة ان تطالهم في أي مكان حتى لو كانوا خارج السجون، وقد عمد الاحتلال الى إعادة اعتقال عدد كبير من محرري الصفقة في الضفة وملاحقة اخرين من المبعدين في الخارج.
ثالثاً: استهداف إدارة عمليات المقاومة في الضفة من خلال قطع خطوط الدعم والامداد والتمويل للمقاومة، خاصة أن الشهيد فقهاء اتهمه الاحتلال بأنه يقف خلف تنفيذ عدة عمليات وتمويل ودعم انتفاضة القدس.
رابعاً: يحاول الاحتلال توجيه ضربة للقيادة الجديدة لحركة حماس، من خلال اختبارها في هذه العملية وما قد تتخذه من إجراءات في الرد، رغم ما تحمله هذه العملية من مخاطرة كبيرة.
ولا يمكن لعملية بهذا الحجم ان تتم دون مصادقة المستوى السياسي في حكومة الاحتلال وتنفيذ الجيش، خاصة أنها تحمل أبعادا سياسية وعسكرية خطيرة، لكن من الواضح ان الأيادي التي نفذت هي شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" جهاز الامن الداخلي في دولة الاحتلال "الشاباك"، فطبيعة العملية تحتاج إلى جهد أمنى واستخباري من حيث الرصد وجمع المعلومات وتجنيد العملاء.
وليس سراً أن حرب المعلومات الدائرة بين الاحتلال والمقاومة لا تتوقف، خاصة أن عمليات الاختراق التي يتعرض لها القطاع كبيرة وخطيرة والتي ترجمت بعملية اغتيال فقهاء.
في المقابل فإن الجهد الاستخباري من المقاومة في هذه الحرب الخفية لا يقل عن الاحتلال، حيث نجحت المقاومة في اختراق الاحتلال عدة مرات سابقة وضرب منظومة العملاء والتجنيد التي يعتمد عليها بدرجة كبيرة في عمله الاستخباري في القطاع.
وفي ذروة الفاجعة يدور الحديث عن رد المقاومة أن الاغتيال غير التقليدي قد يستوجب ردا غير تقليدي من المقاومة، كما يشير حديث القسام عن كسر المعادلة التي يحاول الاحتلال فرضها ودفع الثمن أن حماس قبلت بالنزال واللعب بذات الطريقة، لذا فإن أي رد قادم سيخضع لعدة معايير:
أولها: التوقيت: قد تتروى المقاومة قبل أن تتخذ قرار بالرد تحت وقع الفاجعة والانفعال، لأن طبيعة المرحلة تتطلب رداً مدروساً بعناية.
والثانية: الأسلوب أو طريقة الرد: قد يحمل رد المقاومة هذه المرة مفاجأة كما كانت طريقة الاغتيال، حيث ان أسلوب الرد قد لا يكون بالشكل التقليدي الذي اعتادت عليه المقاومة من خلال إطلاق الصواريخ وقصف بلدات الاحتلال، خاصة ان الحديث يدور عن حرب من نوع أخرى السلاح الأول فيها هو المعلومات.
الثالث: الهدف: تحديد طبيعة الهدف للرد على الجريمة قد يستوجب الوقوف كثيراً عنده خاصة ان المقاومة مجبرة أن ترد بالمثل من حيث الهدف والطريقة.
الرابع: ساحة الرد: قد تكون الساحة التي تختارها المقاومة للرد العامل الأقوى، خاصة إذا جاء الرد في مكان غير متوقع بالنسبة للاحتلال، وهذا ما يفتح باب للتساؤل هل سيكون الرد من غزة أو الضفة أو ربما يكون في الخارج أو حتى أراضي المحتلة عام 1948، لكن في كل الأحوال سيعيش الاحتلال خلال الفترة القادمة فترة استنفار أمني في انتظار رد المقاومة.
والخلاصة أن الحالة الأمنية القائمة في قطاع غزة بعد عمليات التصعيد التي جرت في الشهرين الأخيرين، وما أعقبها من اغتيال الشهيد فقهاء تعني أن الوضع أقرب إلى انهيار التهدئة من ترميمها، خاصة أن الاغتيال والرد عليه قد يكون مقدمات لخلق بيئة امنية صعبة ومعقدة ربما تتدحرج إلى مواجهة حتى وان لم يكن هناك رغبة من الجانبين لدخولها.