من بلدة طوباس جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، بزغ نجم الشهيد القائد مازن فقهاء، ليطوف أرجاء الوطن السليب مقاومًا ثائرًا، ثم أسيرًا إلى أن استقر به الحال مبعدًا بغزة، ولتنتهي رحلة الأجل به شهيدا على أرضها.
الشهيد الذي أبعد إلى غزة عقب صفقة وفاء الأحرار عام 2011م، تشرف راديو الرسالة بفتح صفحات حياته في لقاء تنقل بين سطورها ، يروي بلسانه بداياته وانطلاق رحلة المطاردة، وكيف تحول هذا الشاب الصغير لكابوس يؤرق جيشًا بأكمله.
ويقول فقهاء الذي نشأ في أسرة متدينة، تربى فيها على الالتزام والمبادئ، إن والده كان يصطحبه إلى المسجد المجاور لمنزلهم وهو ابن 9 سنوات، ليلتحق خلالها ببرامج تحفيظ القرآن ويتمكن من حفظه كاملًا في غضون فترة قليلة، الأمر الذي جعله يتشرب تعاليم الدين عاطفة وفكرًا.
وشكّلت مكتبة والده الذي كان يعمل مدرسًا في القرية، رافدًا للشهيد الذي أقبل يقرأ كتبها في سن مبكر من عمره وكان وقتها لم يتجاوز العاشرة، من قبيل كتب السيرة ومعالم في الطريق وغيرها من المؤلفات التي رسمت طريقه في المقاومة والفكر، كما يقول.
ويضيف الشهيد خلال المقابلة التي أجراها راديو الرسالة عقب تحريره من سجون الاحتلال، أن "مرحلة الالتزام شكلت علامة فاصلة في حياتي وتكوين شخصيتي، ودفعتني للالتحاق بصفوف الكتلة الإسلامية في طوباس التي كانت لفترة قريبة محسوبة على تيار فكري معين".
وتربى الشهيد في ظل ظروف اقتصادية متواضعة كما وصفها.
والتحق الشهيد بالكتلة الإسلامية في جامعة النجاح، ليبدأ برفقة ستة من اصدقاءه في تأسيس حركة حماس بطوباس، وجعلها في غضون فترة قليلة معقلًا للحركة، ورافدًا انتخابيًا للكتلة الإسلامية في جامعة النجاح.
ويؤكدّ الشهيد فقها أن القرية حسمت أصوات الانتخابات لصالح الحركة في انتخابات 2006م بشكل كامل، بعدما كانت لفترة قريبة محسوبة على تيار آخر.
بداية الطريق
وشقّ الشهيد طريقه المقاوم عقب اندلاع الانتفاضة الثانية، التي أرادتها السلطة هدفًا تكتيكيًا لخدمة هدف سياسي لها، واستخدامها كورقة ضغط سياسية على أمريكا للموافقة على مقترحات ترتقي لمطالبها في المفاوضات وإلا سيكون البديل هو العنف وإعادة الأمور لما قبل عملية السلام، كما يقول.
ويروي فقهاء بأن الشيخ الشهيد جمال منصور اجتمع بداية الانتفاضة بمجموعات من الشباب، وتضم كل مجموعة عشرة أشخاص تقريبا، وجرى الاتفاق بضرورة الانخراط في الانتفاضة والخروج في كل الساحات والميادين، وسحب البساط من تحت أي جهة تريد تجيير الانتفاضة لتحقيق أهداف سياسية لا ترتقي لخدمة الشعب الفلسطيني وقضيته.
ويقول " كانت هناك خشية من أن يغرر بنا بعد تحقيق السلطة لأهدافها من الانتفاضة، وأن يعاد زجنا في السجون مرة أخرى، غير أن الشيخ منصور أكدّ ضرورة البدء في العمل العسكري".
وبدأ فقهاء بتشكيل خلايا للمقاومة انطلاقًا من مدينة نابلس، بصحبة الشهداء المهندسين مهند الطاهر ونسيم أبو الروس وكريم مفارجة، وقائده العام في الضفة محمود أبو الهنود.
ووصف الشهيد بداية العمل العسكري بالمعقد؛ نظرًا لعدم توفر الإمكانيات لديهم آنذاك، ووجود عدد من أبناء الحركة داخل سجون السلطة، إلا أنهم استطاعوا تأسيس عمل عسكري منظم، رغم الظروف الأمنية المعقدة التي عملوا فيها.
تولى الشهيد التواصل بين القسام بالضفة والقائد صلاح شحادة
وأضاف أنه جرى تشكيل قيادة عسكرية موحدة تؤخذ الطابع الأفقي، ضمن عمل منظم، مشيرا
إلى أنه لم يكن هناك هرم في العمل العسكري بالضفة، كي لا يتم ضربها مرة واحدة، غير أن الشهيد أبو هنود كان بمنزلة القائد العام للكتائب بالضفة.
وتولى الشهيد مسؤولية التواصل بين قيادة الجناح العسكري بالضفة مع القائد العام لكتائب القسام صلاح شحادة، متابعًا "كنت أتواصل شخصيا مع الشيخ صلاح أو أحدا من مساعديه".
وانطلق عمل الشهيد مع المهند مهند الطاهر وسليم حجي ويوسف سوركجي في نابس، وبدؤوا التخطيط لتنفيذ عمليات استشهادية في الداخل.
العمليات الاستشهادية
ويلفت الشهيد إلى أن رفيق دربه الاستشهادي محمد هزاع الغول كشف عمله في الجهاز العسكري، وذلك أثناء مشاهدته له بالوقوف مع الاستشهادي هشام النجار قبيل تنفيذ عمليته بيوم واحد، ومع كشفه السر بدأ يلح عليه بتجنيده في عملية استشهادية، ما حذا بالشهيد توجيهه للمهندس مهند الطاهر الذي تولى مسؤولية مجموعة قسامية في نابلس.
ونفذ الشهيد الغول عملية استشهادية في القدس أدت لمقتل عشرين (إسرائيليا) تقريبًا، وأجبرت رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي ارئيل شارون للتوجه الى منطقة العملية.
لحظة أسر شاليط "طرت من الفرح"
وشكّلت حادثة استشهاد القائد العام لكتائب القسام صلاح شحادة، منعطفًا جديدا في حياة الشهيد فقها، ليشرف على عملية استشهادية في صفد المحتلة، من خلال الاستشهادي جهاد حمادة من بلدة بورقين في جنين المحتلة، والتي أدت لقتل 9 (إسرائيليين) واصابة العشرات من جنود الاحتلال.
وكانت هذه العملية كما يروي الشهيد، أولى عمليات الرد على اغتيال شحادة، مشيرا إلى أنه أعد لعدد كبير من العمليات الاستشهادية ليحول اعتقاله دون إنجازها.
عملية الاعتقال
وبعد مسيرة جهادية حافلة، تعرض شهيدنا لعملية اعتقال في بلدته طوباس، بعد عملية حصار لمنزل كان يقيم فيه بصحبة عدد من زملاءه، إذ يقول أن الكتائب شكلت لجنة أمن لمراقبة مواقع الاحتلال وإخبارهم قبل تحرك أي قوة إسرائيلية نحو القرية.
وذات ليلة استقلت قوة إسرائيلية خاصة سيارة مدنية فلسطينية، وحاصرت المنزل الذي تواجد فيه، ، ثم جرى استدعاء قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليتم تطويق المكان.
ويؤكد الشهيد أن وحدة الرصد اتصلت عليهم لإبلاغهم بتحرك قوات الجيش، الا أن القوات الخاصة داهمت المنزل، ليتسلل هو وزملاءه من المنزل ويخوضان اشتباكًا استمر طيلة ساعات الليل، في معركة اشتركت فيها الطائرات والجرافات، وجرى اعتقالهم في اليوم الثاني.
ويضيف "حاولنا تغيير هوياتنا إلا أن الاحتلال تعرف علينا بواسطة عملاء، وجرى اعتقال صاحب البيت"، مشيرا إلى أن عملية الاعتقال جاءت بعد ملاحقة طويلة اشترك فيها السلطة والاحتلال والعملاء.
عملية ملاحقتي اشتركت فيها السلطة والاحتلال والعملاء
وعند اعتقاله تعرض لتعذيب شديد ووحشي، ورغم ذلك لم يكشف عن عدد كبير من المعلومات التي أخفاها عن الاحتلال أثناء التحقيق وساعدت رفاقه في الخارج باستكمال مشروع العمليات الاستشهادية.
وأثناء وجوده داخل المعتقل، دمرت سلطات الاحتلال منزله وهجرت عائلته، وجرى اعتقال والده وشقيقه، ومنعت سكان القرية من إيواء والدته واخواته، كما روى للرسالة.
وبعد عشرة سنوات في الاعتقال، جاءت اللحظة "التي طار فيها فرحًا" كما يصف لحظات نبأ أسر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس جنديا إسرائيليا يدعى جلعاد شاليط في عملية نوعية شرق مدينة رفح عام 2006.
وأكدّ أن العملية خلقت فرحة عارمة في صفوف الأسرى، وخرج عدد منهم بموجب الصفقة وقلوبهم تكتوي حسرة لمن تركوهم من رفاقهم داخل الأسر.
وجرت هذه المقابلة قبل زواجه من فتاة فلسطينية في نابلس، وانجابه اثنين من الأبناء، في حياة قصيرة من الإبعاد حرمه الاحتلال من رؤية أهله وذويه خلالها، ليرتقي بعد هذه الرحلة شهيدًا .