لا يحجب ضوء الشمس عنها سوى ذاك الجدار الذي يحيط بها وينتزع حقولها الخصبة.. ولا يعكر صفو سكانها شيء بقدر تلك الألغام الذي زرعها الاحتلال الإسرائيلي بدلاً من اللوز والزيتون في معظم الحقول التي تحيط بالمدينة الخضراء.
ما بين بيسان وأريحا تقف "مدينة الضياء" طوباس على الجهة الشمالية الشرقية من الضفة الغربية وبمحاذاة نهر الأردن، الذي منحها إلى جانب مناخها أرضًا خصبة لا تنضب، ولا تتمنع، فيقول مزارعوها: ألقِ أي بذرة في حقول طوباس تنبت لك"، ولذا تشكل هذه المدينة وحدها سلة الغذاء للوطن بكامله، ما جعل حقولها هدفاً للاحتلال الإسرائيلي الطامع في أراضيها الخصبة ومياهها الجوفية.
وتختزن حقول طوباس كثيرًا من مخلفات الاحتلال من ألغام وبقايا ذخائر، والتي تسببت في مقتل عدد من الرعاة والمزارعين وحولت أجسادهم إلى أشلاء.
أيقونة النضال
طوباس التي يطلق عليها عاصمة الشمس وذلك لكثرة الخلايا الشمسية الموجودة فيها، هي صاحبة أكبر مساحة في مدن فلسطين التاريخية التي تشكل 5% من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة تقف شامخة على سفح جبل ما بين نابلس وجنين، ما جعلها ملتقى للمقاومين وأيقونة للنضال خلال انتفاضة الحجارة.
كانت طوباس جزءًا أصيلًا من نسيج الانتفاضة الشعبية وقدمت أوائل الشهداء في المحافظات، وناضلت بالأسرى والجرحى، ولا تزال مشاهد تلك المواجهات في المدينة محفوظة في ذاكرة أبنائها، فقد عرفت بالتكاتف والعمل الجماعي لمواجهة الاحتلال ومقارعته.
طوباس المناضلة خرج، من بين أزقتها الشهيد مازن فقهاء الذي اغتاله الاحتلال مساء الجمعة في مدينة غزة، التي أبعد إليها بعدما خرج في صفقة وفاء الأحرار 2011، ورغم ذلك بقي الشهيد حنينه دائم لمدينته ومسقط رأسه التي عاش فيها طفولته، حيث كان يلعب في أزقتها الضيقة بالكرة البلاستيكية، ويلاحق بائع البليلة المتجول، على دراجته ثلاثية العجلات.
وقد ترعرع الشهيد على مشاهد التدمير التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال للينابيع الموجودة في المدينة وحمامات المالح ومياهها المعدنية التي اختفت مع الوقت بعدما نهبها الاحتلال ما جعلت معاناة سكان المدينة تتضاعف خاصة وأن الاعتداءات على المزارعين والرعاة كانت لا تتوقف.
تلك المشاهد خلقت في الشهيد فقهاء، روح التحدي للمحتل فكان حلمه رؤية تلك الحقول زاهرة خالية من وجود الاحتلال ومنغصاته، خاصة بعدما قتل الاحتلال جمال طوباس وغورها، فسلب الأرض ونهب سر الحياة وزرع المستوطنات ومعسكرات التدريب والمناطق المغلقة، التي أغرقت الأراضي الشاسعة والجبال بالرعب، وصادرت مساحات لهو الأطفال.
المدينة التي أنجبت فقهاء، عاش وجاهد وأسر لأجلها وأبعد عنها قسراً فكان حلمه أن يعود يوماً يلامس ثراها ويركض في حقولها الخصبة كما كان طفلاً.
كما ودمر جزءًا كبيرًا من ينابيع المياه التي اشتهرت بها المدينة صاحبة البقاع الأثرية والخرب التي يعود بعضها للعهد الروماني والكنعاني مثل، خربة يرزا التي تقع شرقها قرب وادي المالح وتحمل آثار مدينة قديمة تعود إلى العهد الكنعاني وكهوف بها قبور بداخلها نحتت بالصخر، إلى جانب تل الردغة التي وجدت على أنقاض وآثار جدران مبنية بالحجارة وبقايا معاصر من البازلت وإلى الغرب مقبرة رومانية وبوابة مبنية بالحجارة، وأساسات حجارة بناء بقرب العين.