أقدمت السلطة الفلسطينية على خصم رواتب موظفيها في قطاع غزة، بذريعة وجود ضائقة مالية تعاني منها بفعل نقص قيمة المساعدات المالية التي تتلقاها سنويًا، رغم تلقيها حوالي 30 مليون دولار من السعودية قبل أسبوعين و20 مليون دولار من الجزائر قبل شهر تقريبًا.
وتذرعت السلطة بأن عدم تحويل الإيرادات من غزة، أحد أسباب الأزمة، في حين أن ما تجبيه السلطة من غزة أضعاف مضاعفة مما تعطيه لموظفيها في القطاع.
وأثار قرار الخصم ضد موظفي القطاع فقط ردود فعل منددة، في ظل ما تجبيه السلطة من أموال طائلة من القطاع، بفعل أموال المقاصة التي تفرضها على البضائع الواردة.
وفي ظل زحمة الأرقام، كان لا بد من تقصي المعلومات للوصول إلى إجابات عن الأسئلة المطروحة، حول المبالغ الفعلية التي تجبيها السلطة من قطاع غزة؟ وما هي المبالغ التي تنفقها عليه في المقابل؟ وما هي حصة غزة في موازنة السلطة؟، خاصة في ظل غياب كل أشكال الرقابة على الموازنة والموارد والمصاريف سواء من المجلس التشريعي وغيره من دوائر الرقابة.
ومنذ أن طوت أحداث العام 2007 صفحة الاقتتال الداخلي ودخلت الأراضي الفلسطينية مرحلة الانقسام السياسي، استغلت السلطة الوضع القائم للتهرب من مسؤولياتها اتجاه القطاع والاستفراد بالقرار المالي، رغم أن ما تحصله من منح ومساعدات مالية مرصود للأراضي الفلسطينية ككل بما فيها قطاع غزة المحروم من هذه الأموال.
كما فرضت السلطة حصارا محكما على التفاصيل والبيانات المالية وباتت تتعامل مع الموازنة بدرجة عالية من السرية في ظل غياب الرقابة ولا تنشر أي تفاصيل حول الايرادات والمصروفات التفصيلية للمحافظات.
وبحسب تحقيق أجرته "الرسالة نت" بالتعاون مع فريق محللين ماليين، فإن السلطة تدعي أنها تنفق حوالي 47% من موازنتها على قطاع غزة إلا أن ما ينفق فعليا لا يتجاوز 22% من اجمالي الموازنة بما يعادل مبلغ 918 مليون دولار من أصل 1.7 مليار دولار "حصة غزة الافتراضية" هي مجموع ما تم إنفاقه بما في ذلك صافي الإقراض.
وتشير البيانات إلى أن صافي الإيرادات كان أكثر بمقدار 159.45 مليون دولار عن المقدر أي بزيادة نسبتها %5.8 وجاء هذا الارتفاع نتيجة زيادة إيرادات المقاصة بنحو 218.33 مليون دولار، أي بنسبة 12% عن المقدر، في حين نقصت قيمة الإيرادات المحلية بنحو 70.01 مليون دولار عن المقدر أي 7.6%.
وتشير البيانات التي حصل عليها موقع "الرسالة نت" إلى أن غزة تساهم بنسبة 50% من ايرادات المقاصة، وهي نسبة كبيرة جعلت من القطاع بمثابة "بقرة حلوب" للسلطة، وتعود أسباب ارتفاع ايرادات المقاصة إلى تحويل كامل الواردات لغزة عبر الطرف (الإسرائيلي) وذلك بعد اغلاق الأنفاق بشكل كامل ما ساهم في زيادة ايرادات المقاصة عام 2014 بنسبة 12% عن السنوات السابقة.
وبالتالي فإن اجمالي مبلغ المقاصة المُحصل من غزة هو 965 مليون دولار سنويا بواقع 80.42 مليون دولار شهريا، وفق تقدير المختصين.
المتابع لشركات المساهمة والاستثمار الكبرى في الأراضي الفلسطينية يدرك جيدا أن غزة بمثابة "بقرة حلوب" تدر عليها أموالا طائلة تفوق تلك التي تجنيها من الضفة، في حين حصلت السلطة ما لا يقل عن مبلغ 47.5 مليون دولار خلال العام 2014 عن عمل الشركات الكبرى في غزة، بما يعادل 3.96 مليون دولار شهريا، وهذه البيانات المتوفرة عن 13 شركة مساهمة فقط تعمل في كل من الضفة وغزة.
وعلى سبيل المثال فإنه يقدر حجم الضريبة المستحقة على مجموعة الاتصالات قرابة 900 مليون دولار، وبنك فلسطين 181 مليون دولار منذ العام 2007 حتى نهاية عام 2104، تشمل الضريبة المضافة الى جانب الفوائد وغرامات التأخير، بحسب وزارة المالية بغزة، وهو مبلغ ضخم يتجاوز موازنة الحكومة الفلسطينية في غزة للعام 2014 والبالغة 784 مليون دولار، بعجز إجمالي قيمته 589 مليون دولار.
وبالانتقال بالمعلومات والأرقام بين غزة والضفة أشبه بمحاولة حل لغز في الرياضيات، خاصة أن الحصة المفترضة لغزة من واقع الموازنات السابقة لما قبل الانقسام هي 40% وبالتالي تقدر حصة غزة من المنح والمساعدات الواردة للسلطة بقيمة 480 مليون دولار بواقع 40 مليون دولار شهريا.
وحيث أن القطاع بحاجة إلى نسبة أكبر من النسبة الطبيعية نظرا للظروف الاستثنائية التي يعيشها، فإن هذه الحصة يفترض أن تكون أعلى في السنوات السابقة نظرا لارتفاع حجم المساعدات الخارجية خلال تلك الأعوام مقارنة بعام 2014.
والمتابع لموازنات السلطة ونفقاتها يلاحظ أن الحصة الأكبر منها تذهب لفاتورة الرواتب والتي تبلغ (2 مليار دولار) سنويا أي ما يعادل 60% من الموازنة العامة، أو 100% من الإيرادات المحلية.
ويبلغ عدد موظفي السلطة 156 ألف موظف مدني وعسكري، منهم 62 ألفا من غزة (26 ألف مدني، 36 ألف عسكري)، وتبلغ نسبة غزة 40% من إجمالي الموظفين، (نقلا عن وزير المالية شكري بشارة في حديث لـ"وفا" 15-1-2015).
وبالتالي فإن قيمة فاتورة رواتب غزة تبلغ 53.7 مليون دولار شهرياً، تم احتسابها بمتوسط راتب 3،120 شيكل شهرياً وفقاً للبيانات الصادرة من وزارة المالية برام الله حول قيمة الرواتب الاجمالية.