على الرغم من كافة التقديرات والتقارير الإسرائيلية حول الأخطار الاستراتيجية التي تحملها الحرب السورية على أمن (إسرائيل)، خصوصاً في كل ما يتعلق بتمركز قوات إيرانية وقوات موالية لإيران ونظام بشار الأسد في جنوب الجولان، فقد حرص رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ضمن تعقيبه على مجزرة خان شيخون الكيماوية، على التركيز فقط على دعوة "المجتمع الدولي إلى إتمام التزاماته من العام 2013 بنزع السلاح الكيماوي من سورية بشكل كامل ونهائي". واستدرك نتنياهو أن "الحرب القاسية تؤكد الواجب الأكبر علينا، بأن ندافع دائماً عن أنفسنا بقوانا ضد كل عدو".
ويشير هذا الحرص من نتنياهو بعدم التطرق ولو بكلمة واحدة للنظام السوري، إلى أن الاحتلال قد يحاول استعادة المكاسب الاستراتيجية التي كسبها عام 2013، بعد الهجوم الكيماوي الذي شنّه النظام السوري على غوطة دمشق، وأسفر في نهاية المطاف، بعد إنذارات من إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عن التوصل إلى تسوية عبر وساطة روسيا، يسلّم فيها النظام السوري ترسانته الكيماوية ويخرجها من الأراضي السورية، مقابل عدم شن ضربة عسكرية أميركية ضد قوات الأسد.
وفي هذا السياق، لفت المراسل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، إلى أنه منذ نشر الصور الفظيعة لضحايا المجزرة الكيماوية، عادت لتطفو ما سماها بـ"المعضلة الإسرائيلية" بشأن إعادة النظر في الخطوات والموقف الإسرائيلي بشأن سورية، مع أخذ جانب الحذر وفقاً للسؤال: هل تغيّر الوضع الاستراتيجي والتكتيكي لإسرائيل، وهل يلزم شن هجوم جوي أو بري ضد جيش الأسد؟
لكن يهوشواع أوضح أن قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في (إسرائيل) يُجمعون ويتفقون على جواب واحد، وهو أنه على الرغم من الأصوات التي تدعو إلى التدخّل في ما يدور في سورية، إلا أن المؤسسة الأمنية ترفض ذلك. فيما يدعو مدير مركز أبحاث الأمن القومي، الجنرال المتقاعد عاموس يادلين، إلى تدخّل عسكري إسرائيلي غير بري، معتبراً أن جيش الاحتلال يملك وسائل عدة يمكنها أن تؤشر لنظام الأسد أن مثل هذه العملية (المجزرة) غير مقبولة من (إسرائيل) وأن على من نفذها أن يدفع الثمن. وبحسب توجّه يادلين، فهناك تماهٍ بين المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل بإضعاف "محور الشر"، وبين الموقف الأخلاقي القائل بعدم القبول باستخدام الأسلحة الكيماوية.
ووفق القراءات الإسرائيلية في الصحف، فإن مجزرة خان شيخون، تشكّل رسالة من النظام السوري لقوى المعارضة في محيط إدلب، بعد "خرق التهدئة الأخيرة". لكن الأمر الوحيد السائد، في القراءة الإسرائيلية، يتطرق إلى ما تبقى من سلاح كيماوي بأيدي النظام وخطر هذه الكميات على الأمن الإسرائيلي، لا سيما أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن الأسد أخرج من سورية ما بين 90 و95 في المائة من ترسانته الكيماوية.
وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية التي سارعت بعد اتفاق 2013 إلى جمع الكمامات الواقية من الأسلحة الكيماوية، من مواطنيها وأوقفت تصنيعها، قد تضطر إلى إعادة النظر في قرارها المذكور، لا سيما أن مجزرة خان شيخون توضح أن العلاقة الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تمنح (إسرائيل) حصانة، وفق ما ذهب إليه عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس".
ورأى هرئيل أن الدعم الروسي للأسد، على الرغم من التواصل الإسرائيلي الروسي اليومي والتنسيق العسكري بين (إسرائيل) وروسيا، من شأنه أن يكون صاحب تداعيات سلبية على المدى البعيد، بفعل تكريس بقاء الأسد.
وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الجنرال غيورا أيلاند، للإذاعة الإسرائيلية، إن أي تحرك إسرائيلي لجهة ضرب مخازن السلاح الكيماوي السوري، قد تكون له تداعيات سلبية على التنسيق العسكري بين (إسرائيل) وروسيا.
في المقابل قد تكثّف (إسرائيل) إعلامياً، من حديثها عن تقديم المساعدات الإنسانية وقبول الجرحى والمصابين من سورية في مستشفياتها لكسب نقاط في الرأي العام العالمي، لكنها تبدي حذراً كبيراً في كل ما يتعلق بموقفها من مستقبل النظام السوري، لا سيما أنها تحاول عبر التنسيق العسكري مع روسيا، ضمان مصالحها العسكرية والأمنية.
ويتفق هذا حالياً مع الموقف المعلن أخيراً من السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بأن زوال نظام الأسد ليس مدرجاً على سلم أولويات إدارة دونالد ترامب. وتفضّل (إسرائيل) في المرحلة الحالية التأكيد على وجوب نزع السلاح الكيماوي قبل كل شيء، ودعوة المجتمع الدولي لضمان ذلك. وليس واضحاً إلى أي حد من التفاهمات يمكن لإسرائيل أن تتوصل مع روسيا بشأن سورية وبقاء النظام، وهل ستقايض روسيا على التسليم بالإبقاء على نظام الأسد، مقابل ضمان إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لطهران عن حدودها مع الجولان، وكبح نشاط حزب الله ووقف محاولات تهريب أسلحة متطورة وكاسرة للتوازن، للحزب. وهي تفاهمات سيكون عليها أولاً تدبّر أمرها مع إدارة ترامب، التي لا تبدي حالياً نوايا باتباع سياسة مخالفة للتي اتبعتها إدارة أوباما، بل ربما على العكس من ذلك، قد تتبع سياسة مهادنة لروسيا في سورية ومواقع أخرى مقابل ضمان أمن (إسرائيل).
العربي الجديد