رغم أن الحدود بين الضفة المحتلة وقطاع غزة، حالت دون مقابلة المصور الفوتوغرافي " أسامة سلوادي" - 44 عامًا- وجهًا لوجه في مدينة "سلواد" شمال رام الله، للحديث عن تجربته في التصوير ،لاسيما بعد إصابته من قبل الاحتلال الاسرائيلي التي جعلته يقتنص صوره عبر كرسي متحرك للأحداث السياسية والطبيعة وتوثيق التراث الفلسطيني.
لا يعيق سلوادي الذي يعمل في التصوير الصحفي منذ 25 عامًا، كرسيه المتحرك لالتقاط الصور من فلسطين المحتلة، التي تعكس الواقع المعاش في المنطقة التي يسكنها فتجده ينافس زملاءه فينشر صوره في صحف ومجلات عالمية متخصصة ويحصد الجوائز الدولية والعربية.
بداية رحلته مع التصوير كانت من المرحلة الابتدائية حينما جاء رجل يقف بجمله أمام المدرسة ويعرض على الطلبة التقاط صورة فوق ظهره وبمبلغ بسيط، حينئذ لم يتردد المصور "سلوادي" وعندما شاهد صورته فتن فيها وأحب التصوير، لكن ما لبث أن فقدت الصورة فبقيت مرسومة في ذهنه.
يروي "للرسالة" حكايته، أنه في أواخر الثمانينات جاء ابن عمه من فنزويلا بعدما أنهى دراسته ومعه كاميرا احترافية، فبقي الفتى وهو في الثانوية العامة يأخذها ويصور أقرانه ويجمع منهم المال لتحميض الفيلم، ومن ثم راح يستأجر كاميرا أحد مصوري الأفراح بعدما وجد أن التصوير يدر ربحًا جيدًا.
ويضحك عبر سماعة الهاتف، وهو يعود لذاكرته للوراء قائلاً:" بعدما تخرجت من مدرسة الصناعة تخصص الكترونيات "راديو وتلفزيون" اشتريت كاميرا بمبلغ باهظ وانطلقت للتصوير، وكانت أول صورة نشرت في صحيفة "مساء البلد" لتكون أول خطوات الاحتراف في تصوير الأحداث الأخيرة من الانتفاضة الأولى".
ومنذ دخول معترك التصوير الصحفي، عمل "سلوادي" مع وكالات أنباء عالمية مثل رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية، وجريدة الأيام، غيرها من الصحف المحلية والعالمية، كما ونشر أيضًا في ناشيونال جيوغرافيك ومجلة تايم ونيوزويك وكثير من المجلات العالمية.
فلاح يهوى الطبيعة
لم يبق حال المصور "سلوادي" كما هو في تصوير الأحداث، حتى جاءت رصاصة طائشة قبل عشر سنوات، خرجت من بارود أحد جنود الاحتلال أصابته وسببت له الشلل النصفي، مما حول طريقة عمله من التصوير الإخباري الى التصوير الوثائقي، وتخصص في توثيق التراث الفلسطيني، كما قيل "للرسالة".
ومنذ إصابته أصدر لغاية الآن عشرة كتب، منها أربعة من مشروع توثيق التراث، كما وأسس مجلة وميض المتخصصة في التصوير لمدة أربع سنوات قبل إغلاقها لأسباب مالية، وأسس حديثًا وكالة الصورة العربية لتغطية الوطن العربي لتكون أول وكالة صور في الوطن العربي.
وفي سؤال وجه للمصور سلوادي عن سبب لجوئه إلى تصوير الطبيعة وتوثيق التراث، رغم أن كثيرًا من زملائه يعملون في تصوير الأحداث لما تفرضه طبيعة احتلال البلاد عليهم، فيجيب دون تردد" الطبيعة اهتمامي الأول وبداية عملي في التصوير أساسًا جاءت من حبي للطبيعة كوني فلاحًا نشأت وعشت في الريف وعملت في الأرض في طفولتي (..) جمال الطبيعة قادني للتصوير لكن الأحداث التي تمر بها فلسطين هي من أخذتني لتغطية الأحداث الإخبارية".
وعن توثيقه للتراث الفلسطيني والمأكولات الشعبية كونه أول مصور فلسطيني يحترف ذلك، يقول:" التراث هوية الشعب وشهادة ميلاده، لذلك علينا الاهتمام بمعركتنا الحضارية ومعركة الهوية مثل الاهتمام بالمعارك الاخرى (..) مشروع توثيق الطعام ما يزال في البداية، لكن انتهيت من الحلي والمجوهرات، والأزياء والتراث المعماري والزهور البرية".
لم يكن التميز الذي حصده سلوادي، يكمن في نشر أعماله في مجالات دولية أو عمله في وكالات عالمية، بل أنتج ثلاثة أفلام تحكي قصة حياته وعمله الصحفي على كرسي متحرك، حتى حقق أخيرًا الفيلم القصير "حصاد الضوء" للمخرج بشار أبو عسكر، الذي يروي حياة "سلوادي" وتحديه لإعاقته ومواصلة حياته المهنية.
مصور يوثق التراث
وخلال مواصلة "سلوادي" حديثه عن تجربته في التصوير الصحفي وتوثيقه للتراث الذي يعتبره رسالة إنسانية لا بد أن تحفظ خشية الضياع، قاطعناه في سؤال حول كيف كانت إصابته علامة فارقه في عمله، أجاب:" الإصابة حولت حياتي من مصور إخباري إلى مصور وباحث وموثق للتراث، وهذا تحول كبير وقد أكون أول مصور في المنطقة العربية متخصص في هذا الموضوع".
وعن مواقف مر بها بعد إصابته وتركت أثرًا في نفسه، ذكر أنه لا يهمه ما يوصف به كـ " معاق أو من ذوي الإعاقة، فذلك لا يضر به، مشيرًا إلى أن ثقافة المجتمع التي لا ترى الإنسان إلا من خلال الشكل ولا تفكر في القدرات والطاقات الموجودة.
ولأن الحوار معه من غزة، التي تعيش متناقضات الحياة كافة من أحداث ساخنة وإبداع وتحدٍ، سألناه إن كان سيزورها كبقية المصورين الدوليين، يقول:" زرتها آخر مرة قبل حوالي 17 سنة ، وأتمنى زيارتها لتوثيق الحياة هناك، فغزة جزء من روحنا وقلبنا وجزء لا يتجزأ من فلسطين".
وعن حلمه، يؤكد أنه سيواصل مشروع توثيق التراث الفلسطيني كونه يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد.