قائد الطوفان قائد الطوفان

كنا نلعب يا أمي.. !!

بقلم/ رشا فرحات

اقتحموا غزة بدباباتهم ليدمروا أحلام الطفولة : 2-1-2009

على غير عادتها كانت السماء صافية ظهر ذلك اليوم من أواخر كانون أول, فقررت وأختي مرح الذهاب للعب مع أبناء الجيران بعد عودتنا من المدرسة، وتشاجرت معها كعادتي كل يوم، لئلا تبدأ في اللعب بالتراب والقاذورات وذكرتها بتحذيرات أمي..

لكن مرح أخذت جانبا على الأرض معلنة عن نيتها البدء في الحفر وممارسة لعبتها اليومية التي تعلمتها من صديقتها في الصف  سوسو، والتي أتت من منزلها مبكرة للعب معنا، فالجو جميل ومغر للعب بالتراب، وجميع أطفال الجيران مجتمعون معنا على نفس اللعبة، مما دفعني أنا الأخرى إلى الإسراع في الانضمام إليهم دون أي تفكير أو اكتراث لنصائح أمي المتواصلة..هكذا كان يحدث معنا كل يوم، وينتهي يومنا بتوبيخ عنيف، ثم علقة ساخنة من أبي ..

 أصوات ضحكاتنا كانت تعلو في المكان ونحن نمثل دور أولئك الحفارين الذين داوموا على حفر مثل هذه الأنفاق على الحدود المصرية كسبيل وحيد لحياة أهل غزة، فنقلدهم بأيدينا الصغيرة ومعدات الحفر البلاستيكية التي جمعناها معا لأداء المهمة، مرح أرادت أن ندخل لها عبر الأنفاق تلك الشيكولاتة التي تحبها، فمنذ فترة وهي غير متوفرة في الأسواق أو المحال التجارية المجاورة، وسوسو حاولت عبثاً أن تفهمها أن المواد الغذائية الأساسية هي الأهم في هذه الأوضاع بسبب الحصار المفروض على غزة ...

ذهبت سوسو فجأة لتتشاجر مع صديقنا محمود الذي يتظاهر بأنه يطير طائرته الورقية بالقرب منا فتدوس قدماه مكان لعبنا مخربنا مشروعنا الذي نقوم به، فتعلو أصواتنا بالضحك واللهو،  ولكن سوسو كانت لا تزال غاضبة من محمود الذي يتآمر يوميا علينا لإفساد لحظات السعادة التي نسرقها من قلب أحزاننا المتراصة فوق بعضها البعض والتي تلتهب ازديادا يوما بعد يوم  .. فضحكنا ونحن نتفرج عليها راكضة ورائه متوعدة مهددة

- اذهب وطير طائرتك هذه بعيدا عنا...صرخت به سوسو

واقترح علينا احد أطفال الجيران أن نكمل الحفر وان نعتبر قدما محمود التي داست على أنفاقنا هي  القصف الإسرائيلي الجوي على الأنفاق ولنحاول انتشال الضحايا والذهاب بهم إلى مستشفى الشفاء ..

ما أجملها من لعبة يا سوسو، رائحة التراب الجميلة تدخل إلى أنوفنا فنشتم من خلال ذراته روائح تلك الأرض المسلوبة منذ القدم، والشمس المحرقة التي طالما حذرتنا منها أمي بدت في ذلك اليوم باردة على غير عادتها، تماما كما هي قلوبنا الباردة الخالية من أي ضغينة ...وملابسنا الملونة الزاهية بدأت شيئا فشيئا بالتلطخ بفعل الرمال التي ملأت أيدينا الطرية، ولكننا لم نهتم ...حتى لو أخذنا "علقة" ساخنة على يد أمي، المهم أننا استمتعنا في لعبنا هذا أكثر من أي يوم مضى... غمزت أختي مرح لتذكيرها بتحذيرات أمي التي تجاهلتها كعادتها ...وبما ينتظرنا من عقاب في البيت ..

لم يكن ذلك اليوم حلما، ولم يكن مغيب شمس ذلك اليوم مغيبا عاديا، فكل شيء اشتعل فجأة في الجوار..دون أي مقدمات، أصوات القذائف بدأت تنهمر كالمطر ملتهبة في كل مكان..

طائرة محمود تمزقت  فجأة وبهتت ألوانها، وجمرات من نار بدأت تهطل علينا من السماء، لماذا ؟؟؟!!!.... لا يمكن أن يكون هذا مطرا، فرحمة الله بقلوبنا وبأيدينا التي تحفر في الرمل لا تمطر على أحلامنا البريئة نار تحرقها، انه صوت طائرة، طائرتان، ثلاثة... أزيزها أخذ يعلو شيئا فشيئا، وأنا جاحظ النظرات إلى ذلك المكان حيث كانت الأنفاق الصغيرة المحفورة بأيدينا والتي حل محلها حفرة كبيرة من نار  ابتلعت كل من حولها، بدأت اصرخ مناديا على أختي مرح ، وسوسو ومحمود وجميع أولاد الجيران.. لم يجبن أحد ، لماذا أكلت النيران أحلام الأطفال في غزة، لماذا دمرت لعبتنا دون سابق إنذار.. لماذا ؟؟؟!!!!

أصوات من بعيد حذرتني من الاقتراب

وأخذت أسأل نفسي!!! ماذا سأقول لأمي عن ملابسي الملطخة بالدماء؟!!!

وماذا سأقول لها إذا سألتني عن مرح ؟!!!

يا ترى أين ذهبت مرح؟!!وهل ستستطيع العودة إلى البيت وحدها ؟!!

أترى ستعاقبنا أمي بعد العودة لأننا لم نستمع لكلماتها وتحذيراتها المتواصلة؟!!

أترانا كنا نحن السبب في اشتعال النيران في غزة؟!!

وأخيرا قررت أن أقسم لأمي أنني ومرح لسنا المسئولين عن ذلك ولا محمود ولا سوسو... وسأخبرها أننا كنا نلعب فقط!!!        

البث المباشر