في إشارة على تصاعد التوتّر، هاجمت حركة حماس رئيس السلطة محمود عباس، قائلة إنه يشن بالوكالة عدوانا رابعا على قطاع غزة.
التوصيف، على حدّته، له ما يبرره، إذا ما دققنا في شروط أبو مازن لحماس منعا لتهديدات "غير مسبوقة" صرّح مرتين باتخاذها، والتي هي بحد ذاتها أهداف تتقاطع مع نفس الأهداف التي فشل الاحتلال في تحقيقها في ثلاثة حروب سابقة شنها على قطاع غزة.
فبعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، وتحديدا في شهر سبتمبر من العام 2007 انتهى اجتماع طارئ للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر (الكابينيت)، بإعلان قطاع غزة "كيانا معاديا"؛ لأسباب عديدة، من أهمها أنه كيان سياسي يعطّل مسيرة التسوية.
وهو السبب نفسه الذي جعل السلطة تهدد بإعلان قطاع غزة "إقليما متمردا"، أو كما شبّهه عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بأنه "كطائرة مخطوفة يجب استعادتها، ولو تم القضاء على جميع الركاب الأبرياء فيها"؛ بصيغة مشابهة للتصريح الأخير لقاضي القضاة محمود الهباش الذي شبّه قطاع غزة بـ "مسجد الضرار الذي أمر الرسول بإحراقه وتدميره"؛ نتيجة رفض حماس حكومة وحدة تلتزم ببرنامج منظمة التحرير، القائم على التسوية ونبذ "العنف"، ونجد أن هذا المطلب على رأس الشروط الأخيرة لعباس، فإما أن تقبل حماس أو يمضي على غزة الوصف.
ثم إن ثلاثة حروب إسرائيلية قاسية على القطاع كانت تطبيقا لاستراتيجية القوة في محاولة إسقاط حكم حماس بغزة، وهو ما يسعى إليه أبو مازن حين يشترط على الحركة تسليم السلطة في غزة وترك الحكم، مستعينا في ذلك بإجراءات مالية وإدارية، تهدف لمعاقبة الحاضنة الشعبية، من خلال قطع الرواتب، ومنع إدخال الوقود، وإجراءات أخرى يترقبها الشارع على خشية، وهي سياسة مشابهة لسياسة الاحتلال في التعامل مع غزة، متمثلة بالحصار الخانق، وصولا إلى استنزاف الناس، وتحريضهم للانقلاب على المقاومة.
كذلك، فإن من أخطر ما كان يهدف إليه الاحتلال في حروبه، نزع سلاح المقاومة في غزة، وهذا ما تطرّق إليه الجيش في أكثر من بيان له في أوقات الاشتباك، وهو من المحرّمات التي لم يتورّع أبو مازن عن مطالبة حماس بها، حين لمّح إلى ذلك في أكثر من مناسبة بقوله "إن شرطي للشراكة مع حماس أن يكون السلاح تحت يد الدولة الفلسطينية". بعبارة أكثر وضوحا: تسليم سلاح كتائب القسام.
إن الآثار القاسية لهذه الحرب القائمة على الإكراه والتحريض، تبدو للعيان في شلل الحركة بقطاع غزة اليوم، والتي يمكن أن تتفاقم في قادم الأيام، مع إعلان توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة، والتحذير من كارثة صحية وشيكة، ومع ترقب إجراءات أخرى ضمن ردود عباس "غير المسبوقة".
قد تختلف أدوات الاحتلال عن ما لدى أبو مازن، لكنها لا تختلف في كونها "عصا غليظة" يسعى الطرفان إلى أن يقودا بها الشارع الفلسطيني في غزة إلى المجهول، الذي يرغمهم على تفضيل عباس عن حماس.
الخطورة تكمن في مشروع مكشوف لتحويل ثقافة شعب من البطولة والمقاومة إلى استجداء لقمة العيش، والأخطر أن يطلبها من الفلسطيني نفسه، بدلا من أن يرغم (إسرائيل) على دفع استحقاق احتلالها للأراضي الفلسطينية، وهذا ما يجعل الخطاب الفلسطيني الموجه ضده ضعيفا، ويصعب معه مخاطبة الخارج، وتحشيد الرأي العام العربي والدولي ضده، بل يصرفنا إلى التحذير من الفصيل الآخر، فيعلن الاحتلال براءته، تاركا "المهمة القذرة" للسلطة الفلسطينية.