نظرة سريعة على الموازنة العامة كفيلة بأن تفاجئك بحجم المبالغ المهدورة على قطاع الأمن في فلسطين، خاصة إذا ما قورنت بالوضع المالي للسلطة والعجز الذي تعاني منه، وفي ظل سلطة تقبع تحت الاحتلال ولا يوجد لديها جيش كما باقي الدول.
على مدار شهرين من المتابعة توصلت معدة التحقيق الى العديد من الأرقام والمعلومات المتعلقة بقطاع الأمن والتي تستحوذ على نصيب الأسد من الموازنة العامة، ويعادل الإنفاق عليه مجموع ما ينفق على وزارتي التربية والتعليم والصحة مجتمعتين.
ووضعت الأرقام الكبيرة التي كشفت استنزاف الأمن لمبالغ طائلة بلغت خلال العام الماضي 1.078 مليار دولار، من أصل 3.860 مليار دولار علامات استفهام حول الملف، الذي تبين أنه يعاني من تضخم في كل من أعداد المنتمين للأجهزة الأمنية، والرتب الممنوحة لهم.
الأعلى عالميا
"الرسالة" بدأت خيوط البحث بالاطلاع على الأرقام المعلنة في الميزانية العامة والتي تظهر صرف أكثر من ثلثها على قطاع الأمن، فيما يستهلك بند الرواتب والأجور الحصة الأكبر من نفقاتها، فيما يبقى ما خفي من الأرقام أسوأ.
نوفل: الأمن يتصدر الانفاق منذ تأسيس السلطة لأن هدف انشائها وظيفيا
ويبلغ عدد العاملين بالأجهزة الأمنية في الأراضي الفلسطينية ممن يتقاضون رواتبهم من السلطة الفلسطينية (حكومة رام الله) أكثر من 60 ألفًا، موزعين على ستة أجهزة أمنية هي؛ الشرطة المدنية، والأمن الوقائي، والمخابرات العامة، والاستخبارات العسكرية، وقوات الأمن الوطني وأمن الرئاسة.
وتشير دراسة حديثة صادرة عن شبكة السياسات الفلسطينية وتعتمد في إحصاءاتها على تقرير غير منشور من إعداد مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة (ديكاف) والتي حصلت "الرسالة" على نسخة منه إلى أن 83,276 شخصاً يعملون في القطاع الأمني للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة (يضم الرقم العناصر الموجودة في غزة بعد الانقسام).
وأكدت الدراسة وبناء على الرقم السابق فإن كل 48 فلسطينياً يقابلهم رجل أمن واحد، وهي نسبة عالية جداً مقارنة بغيرها من الدول، فعلى سبيل المثال ثمة 406 شرطيين لكل مئة ألف أفغاني وحوالي ستة جنود فاعلين لكل ألف أفغاني، وفي الولايات المتحدة الأميركية يوجد 260 شرطياً لكل مئة ألف أميركي وحوالي خمسة جنود فاعلين لكل ألف أميركي.
مصروفات مبهمة
وفي ظل قلة المعلومات الرسمية المنشورة في هذا الجانب، وحساسية القضية التي أدت لرفض تعاون القائمين على الموازنة مع "الرسالة" انتقل التحقيق للحديث مع مدير عام الدراسات والأبحاث في وزارة الاقتصاد أسامة نوفل والذي قال إن قطاع الامن يحتل النصيب الأكبر في الانفاق العام منذ تأسيس السلطة الفلسطينية لأن الهدف من انشائها كان وظيفيا يقوم على حماية الأمن الإسرائيلي لذا زاد التعيين، وارتفعت فاتورة رواتب العاملين في ذلك القطاع.
وبين أن متوسط راتب رجل الأمن أعلى من متوسط راتب الموظف المدني رغم عدم وجود جيش كالدول العربية وهو ما يجعل الأمر مستهجن وغير مقبول.
وتبدو المفاضلة في أن الزيادة الكبيرة في عدد رجالات الأمن ارهقت الموازنة بنسب مرتفعة للرواتب والأجور على حساب القطاعات الحيوية الأخرى.
وفي أرقام حصلت عليها الرسالة فإن نسبة الإنفاق على القطاع الاقتصادي تتراوح ما بين 3-5% من النفقات الجارية، فيما ينفق على الزراعة 1%، لكن في المقابل فإن قطاع الأمن يستحوذ على 45%، بينما تبلغ نسبة الانفاق على القطاع الاجتماعي 46%.
بناء على ما سبق فإن النفقات التشغيلية على الأمن هي مبالغ طائلة ارتفعت من 133 مليون دولار في عام 2011 إلى 169 مليون دولار في عام 2015، إلا أن الأخطر في تلك الأرقام هو عدم وضوح أوجه الصرف فيها، فيما يترك ارتفاع الرقم في ظل تخلي السلطة عن مسؤولياتها في القطاع وعدم إرسال أي مصاريف تشغيلية لوزارة الداخلية منذ الانقسام علامة استفهام حول السبب في ارتفاع الرقم بدلا من انخفاضه.
حبيب: الأجهزة الأمنية في غزة والضفة تعاني من تضخم في الرتب
ويرى نوفل أن الفساد مستشر فلا يوجد توثيق لأوجه الصرف والتي في غالبيتها نثريات وسفريات.
الخلل ذاته رصده ائتلاف من أجل النزاهة والشفافية "أمان" مؤكدا على ضرورة ان تتضمن الموازنة العامة تفصيلات عن نفقات وزارة الداخلية والأمن الوطني، وخاصة في بند النفقات التشغيلية.
وذكر الائتلاف أن هناك مشكلة في تطبيق مبادئ الشفافية المتعلقة بالإفصاح عن الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية في ظل تفاقم الدّين العام.
وتذكر أمان في تقاريرها أن نسبة الإنفاق على الداخلية والأمن الوطني بلغت نسبتها 27% من اجمالي النفقات العامة في موازنة العام 2016م، وخصص لها مبلغ (3.950.740.000) شيكل، منها (308.980.000) نفقات تشغيلية، ولكن لا توجد تفصيلات في الموازنة العامة عن طبيعة الموازنة او طبيعة النفقات التشغيلية وتوزيعها.
نوفل اعتبر أيضا أن المشكلة تكمن في أن قطاع الأمن يستهلك الموازنة رغم أنه غير منتج وهدفة حفظ الامن الداخلي وليس الخارجي وليس لديه جيش ولا تسليح، مشيرا إلى أن متوسط راتب العسكري يبلغ 4,556 شيكل، بينما متوسط راتب الموظف المدني 3200 شيكل رغم كم العمل الأكبر المطلوب من الثاني.
أمن يخدم الاحتلال
حاولت معدة التحقيق الوصول الى أي تفاصيل إضافية حول قضية التحقيق وتواصلت مع علاء الترتير مدير البرامج في شبكة السياسات الفلسطينية، والمحاضر الجامعي في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف ومعد دراسة حديثة عن الأمن صدرت نهاية العام الماضي 2016م.
والذي أكد بدوره أن السلطة تصرف ثلث الموازنات السنوية وثلث المساعدات الدولية على قطاع أمني لا يحمي الفلسطينيين، ويفرز نصف العاملين في القطاع العام/الحكومي على قطاع أمني مضخم.
ولفت إلى أن هذا القطاع الأمني، أسوة بغيره من قطاعات السلطات في الضفة وغزة، يعاني من فساد بنيوي متجذر، مبينا أن الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2005 وعبر مكتب المنسق الأمني لـ(إسرائيل) والسلطة الفلسطينية تقوم "بإصلاح" القطاع الأمني للسلطة الفلسطينية عبر "مهننة" أجهزتها الأمنية وزيادة فعاليتها ضمن مشروع بناء الدولة تحت الاحتلال.
وبحسب الترتير فإن ركيزة هذا "الإصلاح" ونقطته المرجعية تتمثل بتعزيز وتجذير "التعاون والتنسيق" الأمني بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية كعقيدة أمنية راسخة بل ومقدّسة، وبالتالي، هذا يعني فيما يعنيه، أن قسماً كبيراً من المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية (والمحسوبة على الشعب الفلسطيني بالطبع) هي في حقيقة الأمر الواقع مساعدات لـ(إسرائيل) ولاحتلالها.
فالجنرال الأميركي كيث دايتون والذي عمل مسبقاً كرئيس لمكتب المنسق الأمني الأميركي يعتبر أن السلطة تحولت بفضل هذه المساعدات لمجرد وكيل أمني لـ(إسرائيل) واحتلالها.
وكان دايتون قد أكد في محاضرة ألقاها في معهد دراسات الشرق الأدنى بتاريخ 7/5/2009 أنه لا يقدم للفلسطينيين شيئا إلا بعد التنسيق مع الإسرائيليين والحصول على موافقتهم. وأشار إلى أن الإسرائيليين قادوا فرقة من الشباب الفلسطيني للقيام بعملية عسكرية في الخليل (وهي التي استشهد فيها عبد المجيد دودين قائد كتائب القسام).
العديد من الدراسات والأبحاث أشارت إلى أن هذه المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية قد زادت من "سلطوية وقمعية" السلطة ووضعتها على مسار "الدولة البوليسية" القابعة تحت الاحتلال.
ويرى الترتير أن ما يحتاج إليه الفلسطينيون هو استثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية وبناء القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني بدلاً من صرف ملايين الدولارات على أمن المحتل والمستعمر.
واستناداً إلى تقرير ديكاف فإن 65,463 شخصاً من أصل 83,276 يعملون في القطاع الأمني للسلطة الفلسطينية ويتلقون رواتبهم من السلطة الفلسطينية، والباقون والبالغ عددهم 17,813 يتلقون رواتبهم من حركة حماس في قطاع غزة. إذ تدفع السلطة الفلسطينية الرواتب لحوالي 31,913 عنصراً أمنياً في الضفة الغربية وحوالي 33,550 عنصراً أمنياً في قطاع غزة، ولكن تبلغ تكلفة هذه الفاتورة لوحدها حوالي 40 مليون دولار شهرياً من موارد السلطة الفلسطينية. بكلمات أخرى، هذه الجزئية فقط كلّفت فاتورة الرواتب للسلطة الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة حوالي 4.8 مليار دولار.
وبالتالي، ففي عام 2015 مثلاً أنفقت السلطة الفلسطينية ثلث موازنتها على القطاع الأمني وحوالي 78% من ثلث الموازنة هذه صرفت على الرواتب والأجور والامتيازات. وفي قطاع غزة لم يختلف الأمر كثيراً إذ قامت حركة حماس بتوزيع 78% من موازنتها البالغة 261 مليون دولار للقطاع الأمني كرواتب وأجور وامتيازات أيضاً.
مبالغ طائلة
البحث في تفاصيل مصروفات الأمن يدخلك في دائرة محظورة يمنع الكشف عنها من قبل الجهات الرسمية، لكن "الرسالة" استطاعت الوصول لأعداد أفراد الأمن الذين ينتمون لكل رتبة عسكرية في كل من غزة والضفة في إحصائيات تعود للعام 2014م فتظهر الورقة أن 121 رجل أمن يحمل رتبة لواء في أجهزة السلطة في غزة والضفة، بينما 6 يحملون تلك الرتبة في الحكومة التي تديرها حماس في غزة، فيما يحمل رتبة عميد 651 فردا في صفوف الأمن في السلطة، ويقابله 11 تحت إدارة حماس في غزة. بينما يبلغ عدد الحاصلين على رتبة مقدم في السلطة 3158 عنصر، يقابلها 234 في الأجهزة الأمنية في غزة.
الترتير: السلطة تصرف ثلث موازنتها ومساعداتها الدولية على قطاع أمني لا يحمي الفلسطينيين
وبحسبة تكلفة أحد الفئات والمتمثلة برتبة مقدم والتي تبلغ بحد أدنى خمسة آلاف شيكل شهريا فإن مجموع ما يتقاضاه حاملو الرتبة المنتمون لصفوف السلطة الفلسطينية شهريا يبلغ 15 مليون و790 ألف شيكل شهريا وهو مبلغ كبير مقارنة بوضع السلطة وبسلم الرواتب في الشق المدني.
ومن الجدير بالذكر أن "الرسالة" علمت من مصادر مطلعة أن سلم الرواتب للرتب يختلف من جهاز لآخر في السلطة الفلسطينية ولا تعتمد في غالبيتها للقانون.
ونوه تقرير مركز جنيف (ديكاف) غير المعلن الذي تعرضنا له إلى أن لدى السلطة الفلسطينية 232 عميداً/بريجيدر جنرال ولدى حماس 80. في المقابل تملك الولايات المتحدة الأميركية 410 عمداء/بريجيدر جنرال موزعين على جيشها وأسطولها البحري والجوي.
المختص بالشأن الأمني الدكتور إبراهيم حبيب قال إن ما يحكم عدد أفراد الأجهزة الأمنية في الدول طبيعة النظام ومدى ديموقراطيته، وكذلك طبيعة مهام الأجهزة الأمنية وهي تختلف من دولة لأخرى، وكذلك واقع التكنولوجيا واستخدامها في الأجهزة الأمنية، ومستوى التدريب.
ولفت إلى أن الحالة الفلسطينية بحكم اتفاقيات أوسلو تعتبر الأجهزة الأمنية شرطة مدنية، وتحظر الاتفاقية إنشاء جيش عسكري.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي في معياره يحدد رجل أمن لكل 320 مواطنا، فيما يبلغ المتوسط العام لباقي الدول شرطي لكل 200 مواطن، موضحا أن العدد يقل في الدول الأوربية نتيجة تسليم الكثير من المهام الأمنية لشركات خاصة فيما تنحصر كل المهام في قوى الأمن في فلسطين.
واعتبر حبيب أن الأعداد عالية في فلسطين وتحتاج لتقليص بشرط تخفيض الرتب في كل من غزة والضفة الغربية كونهما يعانيان من تضخم.
غزة ليست أفضل
انتقلنا بدفة التحقيق للحديث عن واقع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، ورغم أن المصروفات في القطاع لا تعتمد على ميزانيات لعدم الاعتراف حتى اللحظة بالأجهزة الأمنية والتي شكلت بعد الانقسام إلا أن "الرسالة" وجدت أن البناء اعتمد على ما كان سابقا وهو ما تسبب بتكرار ذات الأخطاء.
مدير عام الدراسات والأبحاث في وزارة الاقتصاد نوفل ذكر أن 50% من المصروفات في قطاع غزة تذهب للأمن وغالبيتها تنفق على الرواتب، مشيرا إلى أن غزة وقعت في ذات المشاكل واهتمت بالأمن على حساب القطاعات الأخرى.
وفي دراسة أجريت على مصروفات قطاع غزة منذ العام 2008 وحتى 2014 أثبتت أن قطاع الامن والنظام العام يحتل النسبة الأكبر، وتوضح الدراسة أن نسبة الانفاق على الامن في العام 2012م بلغت 49% من معدل الإنفاق العام، فيما احتلت باقي القطاعات مجتمعة ما نسبته 38%، في حين لم يتجاوز معدل الإنفاق على التنمية الاقتصادية ال2%.
وتكمن المشكلة بحسب نوفل في أن التعيين أوقف في كل القطاعات في قطاع غزة، بينما استمر في قطاع الأمن خاصة وأن الرواتب تشكل 84% من حجم المصروفات.
وفي ذات السياق أكد المختص الأمني حبيب أن غزة تعاني من تضخم في الرتب العسكرية، مشيرا إلى أن المعايير الدولية تحدد ضابطا لكل 8 أفراد من الأمن لكن في غزة يوجب ضابطان لكل 3 أفراد، معتبرا أن هذا الرقم كبير جدا.
ولفت إلى أن الترقية كانت تجري اوتوماتيكيا دون النظر لكفاءة ووجود شاغر واستحقاق أفراد الأمن، منوها إلى أن الأجهزة الأمنية في غزة منحت 6 آلاف رتبة على مدار خمس سنوات، لذا تضم 320 عنصرا يحملون رتبة عقيد فما فوق وهو عدد كبير مقارنة بعدد أفراد الأجهزة الأمنية.
وبحسب حبيب فإن الحل يحتاج لقرار جرئ يقضي بإحالة 60% من الضباط للتقاعد ليفسحوا المجال لإعادة الهيكلة بشكل صحيح، وبقاء من يحمل قدرا كافيا من التدريب على رأس عمله وتوظيف ضباط صف بدلا عنهم.
ويعتبر حبيب أن هناك أخطاء متراكمة في غزة والضفة الغربية تتمثل في طبيعة الدوام والذي يستنزف أعدادا وموارد، مبينا أن الدوام 24 ساعة مقابل 48 ساعة راحة يستنزف موارد عدة للحاجة لميزانية طعام ومبيت بينما الضابط لا يستطيع أن يعمل أكثر من 12 ساعة بينما يقضي باقي الدوام في النوم.
ويبين أن الملتحق بالأجهزة الأمنية لا يداوم شهريا سوى 90 ساعة، بينما يطلب من الموظف المدني 135 ساعة عمل شهريا، مشيرا إلى أن الواقع يؤكد أن المدني يتقدم على العسكري في العمل.
محاولات معدة التحقيق لم تنجح في التواصل مع نواب المجلس التشريعي في مدينة غزة للحديث عن مصروفات غزة على قطاع الأمن، معتبرين أن غزة لا تملك موازنة وما يتم التعامل به هو مجرد خطة مالية وقتية تماشيا مع واقع موجود وهي لا تعرض على المجلس التشريعي، موضحا أن التشريعي طالب بتقديم هذه الخطة مؤخرا ويجري الحديث عن عرضها خلال الفترة المقبلة.
الرتبة على الولاء
واستكمالا لمسار البحث وفي محاولة للوصول لمعلومات إضافية اتجهت "الرسالة" للخبير في الشأن الاقتصادي عمر شعبان الذي قال بدوره إن ما ينفق على الأمن يعد نسبة عالية جدا إذا ما قورنت بالزراعة والتعليم والصحة، موضحا أنها أحد مظاهر الخلل البنيوي في اعداد الموازنة وهي صفة سائدة في دول العالم الثالث دون وجود أمن بالنهاية.
دراسة: كل 48 فلسطينياً يقابلهم رجل أمن بينما في أمريكا يوجد 260 شرطياً لكل مئة ألف مواطن
واعتبر أن دولة تحت الاحتلال وتعيش على المساعدات لا يستوجب بالمطلق أن تصرف ثلث موازنتها على الأمن في ظل احتياجات حادة في القطاعات الأخرى، مبينا أن ذلك ضد التنمية وتضييع للموارد وتشويه للاحتياجات والاولويات.
ومن المفارقة بحسب شعبان أن يكون راتب رجل الامن أكثر بكثير من المدرس الجامعي ومن الموظف في كل المجالات، لافتا إلى أن عدد العسكريين وارتفاع رواتبهم أحد أهم المعيقات الأساسية أمام دمج الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
النائب المستقل في المجلس التشريعي الدكتور حسن خريشة وافق من سبقه الرأي مشيرا إلى أن موازنة الأمن منذ تشكيل السلطة كانت الأعلى وتحصد حصة الأسد بكل متعلقاتها، رغم أن الأسلحة والتجهيزات موفرة من الدول الأخرى.
وفي ظل عدم وجود تصنيع لطائرات أو اسطول بحري أو تجهيز لقيادة حروب يرى خريشة أنه لا يعقل أن تصرف كل تلك المبالغ على الأمن، مبينا أنها يجب ان توجه للقطاعات الأخرى المنهارة.
ويعتبر أن الأخطر في قضية الأمن أن فلسفتها وعقيدتها الأمنية غير واضحة ولا يعرف عدوها من صديقها، فيما ترى أجندات المانحين حاضرة في تلك العقيدة، فيما تمنح الرتب والعلاوات على الولاء وليس الخبرة والتسلسل العسكري.
حلول غير مفعلة
حاولت "الرسالة" البحث عن حلول لتغيير الواقع الموجود وفي السياق يذكر نوفل أنه من الضروري إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية وإعادة دمجهم في الوزرات كل بحسب تخصصه لتخفيف العدد، فيما يمكن استخدامهم للعمل في قطاعات انتاجية كما يجري في الكثير من الدول.
فيما ترى مؤسسة أمان ضرورة تدوير عدد كبير من أفراد الأجهزة الأمنية بعد تأهيلهم، مع تفعيل الرقابة الداخلية والخارجية.
وتوصي بإعادة دراسة قانون الخدمة العسكرية والذي يعطي امتيازات ومنافع كبرى وخصوصا للضباط ذوي الرتب العالية، بالإضافة لإعداد موازنات تفصيلية للأجهزة الأمنية كل على حدة، ومن ثم إدراجها في موازنة وزارة الداخلية.
وترى أمان أنه من الضروري تقييد مسؤولية الإنفاق في الأجهزة الأمنية بأحكام قانون المشتريات والعطاءات واللوازم العامة فيما يخص التوريدات من الأغذية والسلع الرئيسية مع الرقابة والتدقيق على ذلك.
وامام الواقع السابق تبقى قضية استنزاف الأمن للموازنة عالقة وتحتاج لقرارات جريئة لحلها تتمثل بفرض التقاعد المبكر في غزة والضفة، ومنح الرتب بشكل مدروس بناء على الكفاءة وإلا سيبقى الأمن سببا في تراجع بقية القطاعات أبرزها التعليم والصحة.