فجع قطاع غزة بعدد من جرائم القتل خلال الأسبوع المنصرم، في حوادث هزت الرأي العام وأثارت شجون الغزيين تجاه ظاهرة غريبة على المجتمع الفلسطيني في غزة.
ورغم تعدد الدوافع والأسباب، كانت المفارقة البارزة والأكبر، أن جميع هذه الجرائم خلت دوافعها وأسبابها من أي ظرف اقتصادي صعب، رغم تزامنها مع الأزمات المتفاقمة التي تدفع بها سلطة رام الله لتعكير صفو الأمن الاجتماعي والسياسي في غزة.
عوامل نفسية وأخلاقية
حوادث قتل خلت من العوامل الاقتصادية، وبرزت فيها الدوافع الأخلاقية والنفسية لأشخاص نزعوا معاني الرحمة من نفوسهم.
ومن بين قضايا الجرائم التي هزت الرأي العام، قتل المسنة أم بسام البدري، حيث ظهر لاحقًا ان القتلة من فئة مقتدرة ماليًا، لكن الدافع وفق مصادر من النيابة العامة، كان مرتبطًا بأمور إدمان القاتل.
وهنا تشابهت فصول جريمة قتل المواطنة نسرين أبو حسنين في مدينة النصيرات وسط قطاع غزة، والتي برز فيها عامل الإدمان كسبب في الجريمة، حيث يعيش القاتل في ظل ظروف اقتصادية جيدة أيضًا، ولكن وفق مصادر مقربة منه كان مدمنًا.
وجريمة قتل "م.د" لزوجته في محافظة رفح، كان ناجمًا عن سبب وخلل نفسي يقف خلف الجريمة، فالرجل موظف في السلطة الفلسطينية، كما أفاد المتحدث باسم الشرطة أيمن البطنيجي.
ومثل هذه الحادثة تكررت في جريمة قتل أب لثلاثة من أبنائه في رفح، كان الآخر يعاني من اضطرابات نفسية وعرض على العيادة أكثر من مرة، وفق مصادر مقربة منه للرسالة.
البطنيجي أكدّ لـ"الرسالة" أن 88% من مثل هذا النوع من جرائم القتل يكون مرتكبها متعاطياً للمخدرات وحبوب الترامادول وغيرها.
وفي السياق قال: "أنواع المخدرات في هذه الأيام تختلف عما قبل، حيث إن الأنواع المنتشرة اليوم تدخل فيها ما يؤدي إلى الهلوسة"، وفق قوله.
وعلمت الرسالة من مصادر أمنية ونيابية أنه ثبت في تحقيقات قتل المواطنة البدري، ارتباط الاترمال بجريمة القتل، وثبت ذلك بمذكرة رفعت إلى النيابة وتضمنتها أوراق القضية.
وأصدر المجلس التشريعي عام 2013م، قانونًا جديدًا خاصًا لمكافحة المخدرات، خوّل بموجبه القضاة بإصدار أحكام مشددة، تصل عقوبتها للإعدام والمؤبدات، وبدأ تنفيذه عمليًا منذ عامين تقريبًا، وصدرت عقوبات وصلت حتى 15 عامًا بحق أحد الجناة.
وأكدّ إياد البزم المتحدث باسم الداخلية، وجود جهد حثيث تبذله الوزارة من أجل تأمين المجتمع من المخدرات، لا سيما وأن هناك من يسعى لإغراق غزة بها، "وهذا ما تبيّن من خلال الضبط الأخير الذي قامت بها مكافحة شرطة المباحث سواء نهاية العام الماضي أو بداية العام الجاري".
وقال البزم في حديث سابق لـ"الرسالة": "هناك جهات تسعى لإدخال المخدرات الى غزة، ونعمل بكل جهد وقوة من أجل محاربة ذلك، رغم نقص الإمكانات المتاحة لمحاربة هذه الآفة التي تشكل تهديدًا على المجتمع".
وتتفق الجهات المختصة على غياب استراتيجية شاملة تعتمد على الحلول كافة لمواجهة ازمة المخدرات.
فمدير جهاز المكافحة أحمد القدرة، يؤكد ضعف منظومة المراكز الصحية المعالجة لمدمني ومتعاطي المواد المخدرة، والذين يحتاجون لمرحلة من الاستشفاء والفطام، رغم الجهد الذي تبذله الجهات المختصة والمجتمع المدني.
من جهته، يؤكد بكر التركماني مدير وحدة الشكاوي في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، "غياب استراتيجية العلاج الجذري لهذه الظاهرة، فمع ضرورة تشديد العقوبات خاصة بحق التجار والمروجين الكبار، هناك حاجة لعمل متكامل لحل الازمة".
وأشار التركماني إلى أن القانون ليس الفيصل الوحيد بل هو إحدى الأدوات التي ينبغي أن تواجه بها الازمة، إلى جانب توعية دقيقة بمخاطر هذه الافة.
بدوره، أكدّ الدكتور نمر أبو زرقة مدير عيادة خانيونس للصحة النفسية، أن الأزمة الكبيرة تتمثل في محاولة المدمنين السرقة والقتل من أجل الحصول على المال.
وقال أبو زرقة لـ"الرسالة" إن "شعار المدمن "أنا والطوفان من خلفي" أي أنه لا يأبه بمصير الاخرين حتى لو قتلوا أو ارتكبوا أي جريمة".