يستحق محمود عبّاس رئيس السلطة الفلسطينية وسام الشجاعة ونوط الواجب إن فاجأ المراقبين للمشهد الفلسطيني-الإسرائيلي كافة بشيء من الصمود على ثوابت القضية الفلسطينية أمام إملاءات ملك الدولارات وصديق (إسرائيل) الحميم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".
لكن، هل يتكرر سيناريو ما وقع مع الرئيس الراحل ياسر عرفات حين عاد من "كامب ديفيد" عام (2000) رافضاً الخضوع للإملاءات الأمريكية فانتهى به المقام محاصراً حتى اغتيل مسموماً؟ .
والتقى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" رئيس السلطة الفلسطينية "عباس" في واشنطن، أمس، وبحثا الجهود المبذولة لاستئناف التسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وقال نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" أمس إن "ترامب" ملتزم شخصيًا بإيجاد حل للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي فيما قال عباس إنه متمسك بالثوابت التي أقرها المجلس الوطني المنعقد في الجزائر عام 1988 وأهمها قبول الفلسطينيين بقرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية.
إملاءات أمريكية
لقاء (ترامب-عباس) يرفع درجة الخطر على القضية الفلسطينية إلى اللون البرتقالي لأن "ترامب" على معظم التوقعات يسعى إلى فرض إملاءات على عبّاس تجسّد روح المطامع الإسرائيلية في هذا الوقت من تراجع الموقف العربي المنشغّل بفزّاعة إيران التي تسوّق لها أمريكا و(إسرائيل).
ويؤكد المحلل السياسي د. أسعد العويوي أن الرئيس الأمريكي "ترامب" يتعامل مع الموقف الفلسطيني بشكل استعلائي استعماري ويمثل المصلحة الإسرائيلية وهو يقدم مزيدًا من الضغوط على الشعب ورئيس السلطة للقبول بالشروط الإسرائيلية قبل استئناف عملية التسوية.
وترنو (إسرائيل) قبل الولوج إلى مرحلة تسوية جديدة إلى تعزيز واقع الاستيطان وتهويد القدس والضفة وفرض القدس المحتلة كعاصمة موحدة للاحتلال مع إمكانية طرح مشروع دويلة منزوعة السلاح والسيادة فوق أقل من 22% وهو ما يشكل انتكاسة للفلسطينيين.
ويضيف: "عباس يريد حق إقامة دولة فوق حدود 1967 لكن أمريكا مرتبطة بعلاقات إستراتيجية مع (إسرائيل) لذا ستفرض إملاءات وسيكون موقف عباس صعبًا لأن قبوله يعني التنازل لكنه يحاول طرق الأبواب أملاً في استجابة أمريكا لكن الواقع العربي والانقسام الفلسطيني يضعفه وينعكس سلباً عليه".
ويحتاج عباس الذي انتهت ولايته وطال موقفه المتشدّد من المصالحة بتعزيز مزيد من الأزمات حول غزة المحاصرة إلى "ترياق" الشجاعة والحزم كي يصمد أمام إمبراطور الصفقات "ترامب".
ويرى مصطفى الصوّاف المحلل السياسي أن اجتماع "ترامب-عباس" لقاء المذعن للإملاءات الأمريكية، وأن الصحف الأمريكية سرّبت معلومات عن ترتيبات بين "ترامب ونتنياهو" أفصحت عن مطالبة بالقضاء على "الإرهاب" والمقصود المقاومة الفلسطينية.
ويتابع: "قبل ذلك تحدثوا عن شروط تسعة وبدأ عباس بتطبيقها فبدأ بقطع الرواتب وتعزيز أزمات الكهرباء وتشديد حصار غزة ولقاء واشنطن لن يحمل إلا مزيداً من التنازلات من عباس".
وكانت الإدارة الامريكية قد فرضت ما سمي بـالشروط التسعة التي قدمها "غرينبلانت" مبعوث "ترمب" لرئيس السلطة عباس، وأهمها وقف تحويل أموال إلى قطاع غزة بذريعة أن ذلك يساهم في تمويل حماس تلاها تخفيض وقطع رواتب موظفين وأسر آلاف الشهداء والأسرى.
استجابة حتمية
رائحة الكارثة تفوح من تبعات لقاء "ترامب-عباس" فكفّة ميزان القوّة واضحة وفرض الإملاءات الأمريكية وسط الحالة العربية المتردّية ستدفع لا محالة برئيس السلطة للموافقة على كل ما يقال دون شروط أو وعود تلامس الحد الأدنى من الطموح الفلسطيني.
ويرى العويوي أن موقف عبّاس سيكون مختلفاً لو ذهب لأمريكا في ظل حالة من الوحدة لأن القضية الفلسطينية تخصّ أضعف شعب من جهة الإمكانيات لكنها أكثر قضايا العصر عدالة.
وكان عبّاس قد صرّح يوم الثلاثاء الماضي قبيل لقاء "ترامب" أنه ملتزم ما أقرّه المؤتمر الوطني في الجزائر سنة (1988) والذي طالب بدولة ذات سيادة على أرض (1967) لكن واقع عبّاس لا يؤهله الآن لذلك في ظل قبول مبدئي لفكرة تبادل الأراضي بالقبول على أقل من (22%) من الأرض الفلسطينية.
ويقول الصوّاف إن عبّاس حين يذكّر بما أعلن عام (1988) يحاول مخادعة الفلسطينيين لخطب ودّهم وكسب تأييدهم بينما المطروح اليوم دويلة لا تملك سيادة ولا سلاح مع بقاء المستوطنات والسيطرة على غور الأردن.
"ترامب" الذي بدا متحفزاً للبدء في عهده السياسي بأكثر قضاياً الشرق الأوسط حساسية (القضية الفلسطينية) يطمح في عقد صفقة القرن الواحد والعشرين والوصول لحل قضية عجز رؤساء أمريكا منذ عام (1967) عن حلها.
الراجح أن عبّاس سيقفل عائداً إلى رام الله أو عاصمة عربية ما حاملاً الإملاءات الأمريكية كعربون محبة حسب وصف المحلل الصوّاف ولن يقاوم ما يطرح عليه مهما كان.
فزّاعة إيران
بالنسبة للدول العربية المؤثّرة في المشهد وأهمها "مصر والسعودية" فإن الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) نقشت في وعيها أن الخطر الإيراني يهدد الأمن العربي ولابد من تعزيز الحلف للحد من تمددها.
ويشير العويوي أن الموقف العربي لن يساند القضية الفلسطينية الآن بالإيجاب لأن العرب متخوّفون من إيران فيما يستغل "ترامب" ذلك لتوظيف مال السعودية في مشاريع اقتصادية وبنية تحتية داخل أمريكا.
ويتابع: "العرب يهربون من فزّاعة صنعتها إسرائيل لأنهم لا يملكون إرادة سياسية مستقلة وعلى كل العرب وأولهم الفلسطينيون توطيد علاقتهم مع إيران وكل من يدعم القضية".
أما المحلل الصوّاف فيؤكد على أن أمريكا تحاول تخويف العرب بإيران حتى يظل العرب في الحضن الأمريكي وأقرب لـ(إسرائيل) مشككاً فيما طرحته أمريكا نفسها مؤخراً عن إعادة النظر في الاتفاق النووي المبرم في عهد " أوباما".