تتعاظم حالة الرفض الشعبي لرئيس السلطة محمود عباس يوماً بعد يوم، لاسيما بعد إجراءاته "غير المسبوقة" ضد قطاع غزة من خصم رواتب الموظفين، ورفض إعفاء القطاع من ضريبة وقود محطة الكهرباء، وإبلاغه سلطات الاحتلال بعدم دفع مستحقات الكهرباء التي تزود بها القطاع.
الحالة الشعبية الغاضبة تحولت إلى حراك مناهض لـ(الرئيس) الذي بات -بحسب الجماهير التي خرجت للشارع-غير ممثل لهم، ومع ذلك يبقى هذا الحراك غير مؤثر بشكل كاف إذا اقتصرت حدوده الجغرافية على قطاع غزة، فلن يشعر (الرئيس) و(منظومته) حينها بأي ضغط قد تدفعه لأي نوع من التراجع عن خطواته، فكيف إذا كان الهدف حينها (إزالة) شرعيته، ففي غزة لا يملك (الرئيس):
- أي سلطة حقيقية على الأرض، وهناك فقط في كل مدينة كبرى (محافظ) يمثل السلطة شكلياً.
- لا توجد لسلطته مقرات أو أي قوات تعمل في القطاع، وهناك فقط مندوبين يعملون لصالح أجهزته الأمنية.
- غير مهتم بأمر تنظيم فتح في غزة، سوى في الجوانب المتعلقة بما يمكن عمله بمناكفة حماس أو بمحاولة قطع الطريق على تيار دحلان.
وتمثل هذه الأسباب دوافع قوية لـ(الرئيس) لأن يعتبر غزة بقعة (غير مرغوبة) فيها، وحراكها ضده قد يكون (ضارا) بالنسبة له في هذا الوقت فقط، الذي يقابل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بصفته ممثلاً للشعب الفلسطيني.
لكن على ما يبدو، فإن أي ضغط قوي على عباس يحتاج إلى عدة عوامل من بينها:
- نقل الحرك إلى ساحات أخرى، وألا يقتصر على غزة، وقد تكون الضفة الغربية أكثر أهمية إذا تفاعلت الجماهير وزال خوفها من إجراءات الاحتلال وقمع أجهزة (الرئيس) الأمنية.
- وتبقى احتمالات نقل الحراك إلى الضفة الغربية قائمة، وتزداد مع استمرار الحالة الشعبية الغاضبة في غزة، بحيث تبقى جذوتها منارة للثائرين في الضفة.
- ومن أكثر السبل التي تضغط على عباس، الولوج في طريق المواجهة مع الاحتلال في مدن الضفة الغربية ومخيماتها، وعلى (الطرق الالتفافية) التي يسلكها المستوطنون، وبذلك يمكن ضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما ضمان استمرار مقاومة الاحتلال، وثانيهما توجيه ضربة قاصمة لمن يحاول حمايته والتنسيق الأمني معه.
- وتزداد فرص الحراك الشعبي في مخيمات الضفة، خاصة تلك التي شربت من كأس عباس المّر في مخيم بلاطة بنابلس والبلدة القديمة في نفس المدينة، وفي مخيم الفارعة جنوب طوباس ومخيم جنين وغيرها من بؤر الغضب في الضفة ضد (عباس) وأجهزته الأمنية.
- ويبدو أن المطلوب لضمان استمرار أي حراك شعبي مشاركة واسعة من الفصائل الفلسطينية، التي من الممكن أن تنضم لحماس خاصة إذا استمر (الرئيس) في قطع مخصصاتها أو أدركت أنه حان الوقت للقفز من سفينته الغارقة، وفي الحراك الأخير في غزة كان ملاحظاً أن هناك عدداً من أفراد فصائل المنظمة قد شاركوا بفعالية ورفعوا لافتات تندد بإجراءات عباس.
- مدن الضفة التي شهدت في فترات مختلفة حراكاً رافضاً لإجراءات عباس، وكان آخرها الهبة التي أعقبت استشهاد باسل الأعرج في مواجهة مع جيش الاحتلال الذي حاصر المنزل الذي يتحصن فيه، بعد إطلاق سراحه من سجون السلطة في رام الله.
لكن ما لبثت أن تبخرت الهبة بسبب إجراءات السلطة القمعية والتنسيق المستمر مع مخابرات الاحتلال، خاصة أن هذا النوع من الحراك لم يكن منظماً بشكل كاف.
ومع ما يفعله الاحتلال والسلطة من كبح لجماح الجماهير الغاضبة، فإن استعدادها المستمر للتضحية سيقف حائلاً أمام تحقيق الهدف المشترك للسلطة والاحتلال لاسيما إذا تم تنظيم العمل ودعمه من فصائل المقاومة سيمنح نفساً أطول لأي حراك.
- وإذا كانت هناك ساحات الوطن المحتل مؤهلة لتصاعد الحالة الشعبية واستمرارها ضد عباس، فلا تغيب أيضاً احتمالات استثمار الفلسطينيين في خارج الوطن المحتل وفي أماكن الشتات المختلفة الذين يمكنهم تنظيم فعاليات شعبية مستمرة للتنديد بإجراءات عباس وحكومته في رام الله.
ويبقى العامل الأهم في الحصول على نتائج ملموسة من تصاعد الغضب الشعبي ضد (الرئيس) في مقاطعته حرمانه من التقاط صورة (وفاق) أو اجتماع (دافئ) مع مكونات فلسطينية معتبرة، مثل قيادات من حركة حماس.