بعد أربع سنوات من الإعداد والصياغة، كشفت حركة حماس عن وثيقتها الجديدة، التي تحمل رؤيتها للمرحلة السياسية المقبلة. وقد نالت من الاهتمام والضخ الإعلامي العربي والدولي ما يرتقي بها لتكون حدثا تاريخيا، يوثق تطور حماس سياسيا.
وتضمنت الوثيقة الجديدة 42 بندا، وكان من أبرز ما جاء فيها "تعبير" الحركة عن استعدادها للقبول بدولة فلسطينية في خطوط 1967، لكن الأهم من ذلك أنها باتت مرجع ومنهج عمل لكل الأطر التنظيمية والسياسية في حماس، فخالد مشعل قال ما نصه: "إن الوثيقة ستكون مرجعا للأداء السياسي لحماس في المرحلة المقبلة".
ثم إن الظرف السياسي التي تمر به الحركة اليوم يضيف قدرا كبيرا من الأهمية على الوثيقة، وتحديدا فيما يتعلق بمحددات علاقاتها الإقليمية والدولية، خاصة أنها مرت بظروف إقليمية ضاغطة في ذروة الربيع العربي، إضافة إلى موقفها من الصراع مع الاحتلال، في ظل أنها باتت خصما قويا، بعد أن شكلت إضافة نوعية للحركة الوطنية الفلسطينية، لا يمكن تجاهله أو المرور عليه وإلقاء السلام، فأظهرت المادة المتعلقة بذلك انتماء حماس إلى ثوابتها حين أعلنت أنه "لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني؛ وإنَّ كلّ ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق باطلٌ؛ فالحقوق لا تسقط بالتقادم".
كما حملت الوثيقة رسائل سياسية مهمة، من أهمها ما يتعلق بموقفها من منظمة التحرير الفلسطينية، حين اعتبرت أنها "إطار وطني يجب المحافظة عليه". في المقابل أعلنت بجلاء أنها ضد اتفاقات أوسلو وملحقاتها، وأن هذه الاتفاقات تخالف القانون الدولي.
والأهم، كان موقفها من التسوية السياسية، والذي حاز أكثر الجدل، باعتبار أنه يتعلق، في جزء منه، بموقفها خصوصا من مقترح الدولة على حدود الـ67، فقد كُتب النص المتعلق بذلك في الوثيقة بكثير من الدهاء السياسي، حين جاء في المادة 20 أن "حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة".
والمتمعن جيدا في النص، يجد أن حماس لم تقل مباشرة إنها "تقبل بدولة على حدود 67"، مما يضيق أمامها هامش المناورة في أن تدفع عن نفسها أي لبس أو تشكيك أو اتهام أو سوء فهم وتقدير من الآخرين، إنما كان النص أنها "(تعتبر) أن إقامة دولة.. هي صيغة توافقية وطنية مشتركة"، بمعنى أنها تقبل الحل الوطني الذي يقبله الجميع، ويتوافقون عليه، ثم وردت كلمة "وطنية"، أي الصيغة التي لا تقدم تنازلات، إضافة إلى أن النص حمل صيغة دولة "على خطوط 67" وليس "على حدود 67"، وهنا اعتراف من الحركة وتمسك منها بثابت وطني، هو أن لفلسطين حدود واحدة فقط هي فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وأن عدا هذه الحدود هي مجرد "خطوط مؤقتة".
ولا شك أن هذا الموقف في الوثيقة يمكن اعتباره عرضا مقدما من حماس إلى الغرب، تحدد بموجبه آليات التعامل معها، وهذا ما أشار إليه مشعل حين دعا، في مقابلة مع الجزيرة أمس الأربعاء، "الإدارة الأمريكية إلى اعتماد مقاربة جديدة للصراع العربي الإسرائيلي بعد فشل مقاربتها السابقة"، وهذا ربما ما يعطي أهمية أيضا لوقت الإعلان عن الوثيقة، خاصة قبل يومين من زيارة الرئيس محمود عباس إلى واشنطن، والترجيح بعدم إمكانية إحداث اختراق في عملية التسوية، مما يضع مستقبل أبو مازن، والسلطة الفلسطينية أيضا، على المحكّ، ويُظهر حماس على أنها البديل.
كذلك أظهرت الوثيقة حضورا قويا لحماس في المكون الفلسطيني من دون الإشارة إلى تنظيم الإخوان المسلمين، فأعلنت أنها حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينيَّة إسلامية؛ وذلك لسبب يتعلق بتفويت الفرصة على المتربصين بها، والعازفين على جوقة الإرهاب، لكنها في المقابل كانت وفيّة للإخوان حين أعلن مشعل أن "الحركة جذورها إخوانية وفكرها إخواني".