لا تترك السلطة الفلسطينية بأذرعها المختلفة بابًا يخفف الحصار (الإسرائيلي) عن غزة إلا وتسارع إلى التحريض حتى إغلاقه؛ لزيادة الضغط السياسي على حركة حماس، بينما هي بذلك تعاقب مليوني فلسطيني يقطنون القطاع الذي ترتفع فيه نسب البطالة والفقر المدقع مع مرور الأيام.
ومنذ سنوات تخوض السلطة حربا حقيقة ضد المؤسسات الخيرية بغزة وفق القائمين على العمل الخيري في القطاع، من خلال إغلاق حسابات في البنوك، وعدم فتح أي حسابات للمؤسسات الجديدة، كان آخرها إغلاق مكتب الشؤون الإنسانية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بغزة بضغط من السلطة على الأمين العام للمنظمة في السعودية.
ضغوط سياسية
ويعود أساس نشأة المكتب إلى ما بعد عدوان 2008/2009 بقرار من الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية والذي طالب الأمين العام في حينه البروفيسور أكمل الدين احسان أوغلي بالتوجه لغزة وتسيير القوافل وإنشاء وحدات تنسيق ميداني في كل من القاهرة وغزة لتسهيل تسيير المساعدات.
ويطال تأثير هذه السياسة التي تعامل به السلطة المؤسسات الخيرية بغزة آلاف العائلات التي تعتمد في حياتها اليومية على الدعم والكفالات المقدمة عبر المؤسسات العاملة بالقطاع.
وفي تفاصيل القضية، قال مدير منظمة التعاون الاسلامي في غزة محمد حسنة إن ضغط السلطة الفلسطينية ممثلة بوزارة خارجيتها ومندوب فلسطين لدى المنظمة في جدة وإدارة شؤون فلسطين والقدس ليست حديثة، مضيفا أن السلطة دأبت على ارسال رسائل احتجاج وطلب اغلاق المكتب منذ سنوات.
وأوضح حسنة في تصريح لـ"الرسالة نت" أن السلطة كثفت من ضغوطها على المنظمة مؤخراً لاعتبارات تتعلق بادعاءات انتماء لفصيل فلسطيني، وبأن المكتب يُعزز الانقسام وبأن المال المسير عبر المكتب يذهب دون رقابة السلطة".
ولفت حسنة إلى أن مكتب المنظمة بغزة التزم مبدأ الشفافية وعدم التمييز بين المواطنين وكانت خدماته تُقدم للجميع دون استثناء وفق الأموال المتوفرة بل إن المكتب قدم مساعدات مباشرة عبر شخصيات ومؤسسات تم تسميتها من قبل ديوان الرئاسة الفلسطيني في المحافظات الجنوبية وشاركوا في العديد من الفعاليات.
وأردف "قامت السلطة وبتدخل من رياض المالكي بعرقلة مشروع إغاثي بقيمة مليون دولار تبرعت به حملة خادم الحرمين الشرفين لإغاثة الشعب الفلسطيني وفق اتفاق مع مكتب المنظمة بغزة حيث اشترطت أن يتم تحويل المبلغ إلى رام الله ومن ثم يتولى مكتب رام الله التنفيذ، وهو ما تسبب بعرقلة المشروع حتى اللحظة".
وأضاف مدير مكتب المنظمة أن السلطة وعبر إدارة شؤون فلسطين والقدس ممثلة بشخص السفير سمير بكر والموظف المختص عادل سلامة بالإضافة لمندوب فلسطين بالمنظمة عرقلوا تحويل أموال متواجدة لصالح قطاع غزة في صندوق الأمانة العامة في جدة منذ العام 2013.
ولاقى قرار المنظمة استهجانا فلسطينيا واسعا، خصوصا في شريحة الأسر التي تعتمد على دعم مكتب المنظمة في تحسين أوضاعهم المعيشية، وفي ظل تصاعد الحصار الإسرائيلي والسلطة على غزة.
تجفيف منابع العمل الخيري
لم يقتصر عمل السلطة في تجفيف منابع العمل الخيري على الحادثة بل لجأت سابقا ومن خلال بنك فلسطين إلى تجميد حسابات 32 مؤسسة خيرية عاملة في قطاع غزة العام الماضي، فيما عمد البنك إلى إرجاع مئات ملايين الدولارات إلى المتبرعين في الخارج ورفض استقبالها أو تسليمها للجمعيات التي كانت تعتزم صرفها على المشاريع الخيرية المعدة لها سلفا.
من جانبها، استنكرت حركة حماس إغلاق منظمة التعاون الإسلامي مكتبها في غزة، وحرمان آلاف الأسر الفقيرة والمدمرة بيوتهم بسبب الحروب على غزة من الخدمات والمساعدات الإنسانية التي كان يشرف على تنفيذها.
وقال الناطق باسم الحركة فوزي برهوم في بيان صحفي "كان المأمول أن توسع هذه المنظمة من نطاق عملها وتزيد من خدماتها لا أن تضيف أزمة جديدة إلى أزمات القطاع".
وأهاب بمنظمة التعاون ممثلة بأمينها العام يوسف بن أحمد العثيمين بالنظر مجددًا في هذا القرار، وعدم الاستجابة للضغوط من أي جهة تهدف إلى تشديد حصار غزة لتفاقم معاناة أهلها، وضرورة الاستمرار في القيام بواجبها الأخلاقي والقيمي والإنساني تجاه غزة المحاصرة.
وبحسب مصادر في وزارة الخارجية في رام الله تحدثت لـ"الرسالة" فإن الوزير المالكي أرسل عددا من الخطابات والرسائل للأمين العام للمنظمة خلال السنوات الماضية طالبه فيها بضرورة إغلاق مكتب المنظمة بغزة.
من جهته، قال منسق تجمع المؤسسات الخيرية في قطاع غزة أحمد الكرد إن إغلاق مكتب الشؤون الإنسانية التابع لمنظمة التعاون الإنساني يمثل استمرارا لسياسة الحصار على غزة التي يقودها رئيس السلطة محمود عباس.
وأكد الكرد في تصريح لـ"الرسالة نت" أن سلطة رام الله تشن حربا حقيقية ضد المؤسسات الخيرية، من خلال تجميد حسابات المؤسسات العاملة والتي تقدر بخمسين مؤسسة خيرية، ورفض فتح حسابات في البنوك للمؤسسات الجديدة، رغم أنها حاصلة على التراخيص اللازمة من الوزارات المعنية في غزة.
وأوضح أن توقيت إغلاق المكتب يتساوق مع الحملة التي يقودها عباس ضمن الإجراءات "غير المسبوقة والمؤلمة" التي وعد بها غزة، مستغربا استخدام معاناة آلاف الأسر الفقيرة والأيتام كوسيلة لانتزاع مواقف سياسية.
وأبدى استهجانه إلى استجابة منظمة التعاون الإسلامي لطلبات السلطة في إغلاق مكتبها بغزة؛ رغم علمها أن عمل المكتب يقتصر على الجانب الإنساني وقد حقق إنجازات كبيرة لصالح المحتاجين في غزة على مدار 9 سنوات من العمل المتواصل.
ووجه الكرد نداءً عاجلا للمنظمة بألا تزج نفسها في أتون الخلافات الفلسطينية الداخلية، وأن تضع مصير آلاف الأسر المحتاجة في خطر؛ تلبية لطلب السلطة بإيقاف عمل مكتبها بغزة.