قائمة الموقع

أم وأب

2010-06-29T08:34:00+03:00

بقلم: رشا فرحات

جحظت عيناي حينما رأيت تلك المرأة تلقي بتلك الصرة في سيارتي وتقول لي بعد أن وصفت لي عنوان المنزل الذي ينتظر أن أسلمها له:

نصف ساعة لا أكثر وسيعيدونها إليك أنا أرسلتها فقط لترى والدها ولا يوجد من يستطيع  أن يرافقها في هذه الزيارة فالجميع لا يريدون حتى رؤية وجهه.

أقفلت الباب بكل ما أوتيت من قوة، وانطلقت انظر إلى الطفلة الملفوفة في دثار صوفي والذاهبة لزيارة والدها، والتي لا تعي شيئا مما يدور حولها، عيناها المدورتين تطغى على الكراهية القائمة بين الاثنين، ضحكتها الجميلة لم تشفع لها أمام أبوين لم يفكرا قبل الانفصال ولو للحظة واحدة بمستقبل هذه الصغيرة، وهل وصلت بهم اللامسؤولية إلى درجة تقاذفها بينهما من خلال سائق لا يعلمان عنه شيئا، ألا يوجد في ذلك المنزل من يستطيع مرافقة هذه الرضيعة ولو من باب الخجل .

 وصلت أخيرا إلى منزل الأب وطرقت الباب وأنا أداعب ذلك الوجه الملائكي والذي لم يكف عن الضحك منذ انطلقت بالعربة، طرقت مرة أخرى وثالثة ورابعة، حتى خرجت امرأة مسنة وسألتها عن الأب فأجابت انه قد خرج للتو في قضية عاجلة ولا يوجد في البيت من يستطيع استقبالها، شارحة لي تلك الجدة أن وضعها الصحي لا يسمح لها برعايتها ولو لنصف ساعة:

- من فضلك يا بني هل تكرمت واعدتها إلى حيث أخذتها.

أجلست الطفلة بجانبي هذه المرة، وبدأت أتأمل وجهها وأداعبها، حتى وصلنا إلى منزل الأم وهي في غاية الهدوء والضحك، حتى أنني شعرت بما لم اشعر به قبلا نحو احد من البشر.

طرقت الباب فلم اسمع مجيبا، طرقت مرة أخرى ولا مجيب، فاضطررت للعودة حاملا تلك الصرة البريئة معي، وفكرت بأني لو عدت بها إلى مكتب السيارات حيث كنت اعمل فسوف أقابل من قبل المسئول بسيل من الانتقادات، فقررت أن نقضي وقتنا معا حتى تعود تلك الأم إلى بيتها.

ذهبت برفقتها إلى مدينة للألعاب كانت قريبة من منزلها، كانت سعيدة وهي تنظر للأضواء المحيطة بها باستغراب ذلك الذي يخرج من معتقله لأول مرة، لعبت وقفزت كثيرا وهي بين يدي، كما انني استعدت طفولتي القديمة، كانت في أوج سعادتها وضحكاتها تزقزق في المكان بالرغم من أنها لا تعلم من أنا، بل ولا تدرك معنى للغريب ولا للقريب، ثم جلسنا نشرب بعضا من الشوكلاته الساخنة، وهي ما زالت تضحك فرحا... وأنا انظر للوجه الذي فاجأني بالحديث على غير استعداد...الطفلة تحدثت وهي ما زالت في مهدها ..وأنا بهت للدموع التي انهمرت صارخة فجأة "لا أريد العودة إليهما".

-من هما ؟

-يقولان إنهما والداي..أمي تريد الزواج، وتعتبرني عثرة أمام سعادتها وزوجة أبي لا تقبل بوجودي معها في المنزل، وجدتي تقول أنها لا تقوى على الاعتناء بي، أرجوك ساعدني لا أريد العودة إلى أي منهم.

بدأت في مواساتها بكلمات كنت اعلم أنها لا تساوي شيئا أمام المعرفة الكاملة لتلك الدمية بأنها تعيش في كنف والدين لا يريدانها بل ويعتبرانها ذكرى تعيسة لغلطة عمرهما.

ما زلت أدور أنا وهي في مدينة الألعاب حينما أجبت على هاتفي  ليذكرني مسئولي في المكتب أن عائلة الطفلة تبحث عني وتتهمني بأني اختطفت ابنتهما.

توجهت راكضا إلى منزل تلك الأم في محاولة مني لشرح الموقف.

انتزعت تلك الأم صرتها من بين يدي وهي تشتم وتتوعد، وأنا أحاول الشرح ولا استطيع فعل شيء لذلك الصوت البريء الباكي.

 توسلات الطفلة تزداد شيئا فشيئا، وأنا وحدي من يسمعها.

 ولم يؤلمني شيء في الدنيا كما ألمتني تلك التوسلات.

أخذتها أمها.. وأقفلت الباب

وبقيت أنا خلف الباب تعذبني تلك الصرخات المؤلمة القادمة إلي من بعيد، من أحضان أم لا ترغب في العودة إليها.

اخبار ذات صلة
مقال: أُم الطناجر
2011-07-07T06:07:00+03:00