للعام الحادي عشر على التوالي يقبل شهر رمضان المبارك على قطاع غزة بظروف إنسانية متردية سببها الحصار الإسرائيلي الخانق، والذي فتح وابلًا من الأزمات أثقلت على الغزيين في مناحي الحياة كافة ودهورت واقعهم الاقتصادي.
وقبل مجيء شهر رمضان لهذا العام بأشهر قليلة اشتدت وطأة الحصار على غزة، بعد أن اشتركت سلطة رام الله فيه مع الاحتلال وأعلنت للملأ عن جملة إجراءات وصفها رئيسها عباس بالعقابية كون القطاع يخرج من إدارته التطبيعية مع إسرائيل.
"الرسالة نت" رصدت أبرز ست أزمات سببها تعاون السلطة مع الاحتلال وجعلت من شهر رمضان ضيفاً ثقيلاً يحل على الغزيين.
أزمة الرواتب
ما إن أشهر رئيس السلطة محمود عباس سيفه بوجه غزة، حتى كشف عن أولى ضرباته الموجهة والتي جاءت في خاصرة موظفيه الذين أمرهم بالاستنكاف عام 2007، وأصدر أوامره بفرض خصومات على رواتبهم الشهرية زادت نسبتها عن 30% ما أدخلهم في متاهات اقتصادية مظلمة.
لا يجد المعلم يوسف سليمان سبباً مقنعاً للخطوة التي اتخذها الرئيس عباس بخصوص الخصومات المالية على مرتبه الشهري، بعد أن وافق على دعوة الأخير بالتوقف عن العمل وأجبر على الجلوس بالبيت خوفاً من قطع راتبه.
يوضح المعلم الأربعيني بأن قرار الخصم الذي جاء قبل قدوم رمضان بشهرين، يثقل عليه وبالكاد سيجد هو وأسرته المكونة من 7 أفراد ما يسد رمقهم خلاله، بعد أن بلغ مجموع راتبه الشهري 74 شيكلًا نظراً لاقتراضه من البنك عام 2015.
حال سليمان ينطبق على الآلاف من موظفي سلطة رام الله، بعد أن اكتظت الشوارع الغزية ومواقع التواصل الاجتماعي باحتجاجاتهم على قرار الخصومات الذي اجتز الجزء الأكبر من قوت أطفالهم.
الكهرباء
مع انتهاء المنحة القطرية والتركية على وقود محطة توليد الكهرباء قبل شهرين ونصف من دخول شهر رمضان، أعلنت سلطة رام الله وضمن إجراءاتها العقابية على القطاع، عن وقف توريد الوقود إلى غزة، وإعادة ضريبة بلو التي ترفع من سعر سولار المحطة إلى ما يزيد عن 60%.
ويشكو "الحداد" محمد السمري "للرسالة نت"، من التبعات الاقتصادية الصعبة التي سببتها أزمة الكهرباء له ولمهنته التي تعتمد على الكهرباء بشكلٍ أساسي، ويوضح بأنه كل يومين لا يتسنى له العمل 4 ساعات متواصلة ما جعل دخله ينخفض بنسبة لا يستطيع أن يؤمن به احتياجات أسرته الأساسية، ويخشى صاحب البشرة السمراء استمرار هذه الحالة طيلة أيام رمضان ما سيجبره على البحث عن أي عمل آخر.
أزمة المياه
وطالت إجراءات سلطة رام الله العقابية قطاع المياه في غزة، ودخل مواطنو القطاع بأزمة شح مياه خانقة، بعد أن طلبت حكومة رامي الحمدلله من شركة موركوت "الإسرائيلية بوقف تزويد مدينة غزة بالمياه، كما أن انقطاع التيار الكهرباء يتسبب بتوقف مضخات المياه إلى بيوت المواطنين.
وتعبر السيدة أم محمد "للرسالة نت" عن غضبها من أزمة المياه التي تتسبب في انقطاعها من منزلها لما يزيد عن خمسة أيام متواصلة، ما يشل أعمال البيت الأساسية، وتجبر الخمسينية على التوقف عنها طيلة انقطاع المياه، وتبين بأن أبناءها أصبحوا يتنقلوا بمنازل الأقارب الذين تتوفر عندهم المياه من أجل الاستحمام.
البطالة
ويقبع في قطاع غزة ما يقارب ال 160 ألف خريج عاطلين عن العمل، بينما تزيد نسبة البطالة في صفوف الغزيين عن 45%، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق على مدينتهم.
ويوضح الخريج عبد العزيز غازي بأنه تخرج من الجامعة منذ ستة أعوام من ولم يتسن له الحصول على وظيفة بعد أن حفيت قداماه بالبحث عنها، ومع مرور هذه المدة لم يجد عملاً مناسباً يليق بشهادته التي اجتهد في الحصول عليها.
ويمر عبد العزيز بظروف اقتصادية وصفها "للرسالة" بالمتهالكة كونه يعيل طفلين، إلا أنه يأمل خلال شهر رمضان أن تتحسن قليلاً، بعد أن يتفقده أقاربه بالصدقات المالية التي تنعش من حالته لفترة قصيرة.
المساعدات الإنسانية
ولم تسلم المنظمات الدولية والمؤسسات الخيرية من كيد رئيس السلطة محمود عباس، الذي يبذل جهوداً متواصلة من أجل وقف المشاريع الإنسانية التي تعين فقراء قطاع غزة في رزقهم خصوصاً بشهر رمضان، وتوجت هذه المجهودات الخبيثة بإغلاق مكتب منظمة التعاون الإسلامي التي تقدم خدماتها المختلفة لآلاف الفقراء الغزيين.
وكشف أحد مدراء المؤسسات الدولية "للرسالة نت"، الذي فضل بعدم الكشف عن اسمه أن سلطة رام الله أجبرت مؤسسته على توقيف مشاريعها الإنسانية في قطاع غزة، وطالبتهم فقط بالقيام بالمشاريع الصغيرة والخفيفة والتي لا تحدث تغيراً مادياً ملموساً على الفقراء.
معبر رفح
كما تعتبر أزمة معبر رفح البري والسفر من أشد الأزمات التي آذت الغزيين خلال سنوات الحصار الطويلة، وترفض سلطة رام الله إيجاد أي حلول لها مع الجانب المصري الذي أكد أن فتح المعبر متعلق بموافقة الرئيس محمود عباس الذي يتعنت على حل مشكلته.
ولم يتسن للحاجة آمنة شاهين أن تشهد الأجواء الرمضانية في قطاع غزة منذ ما يزيد عن 7 أعوام بسبب الظروف السيئة للمعبر، وتعبر التي تعيش في دولة الإمارات عن شوقها إلى قضاء شهر رمضان وعيد الفطر بين أقاربها إلا أنها تخشى أن تحتجز ولا تتمكن من العودة إلى أولادها بعد انتهاء إقامتها.
ويبقى قطاع غزة يلاطم أمواج الحصار العاتية بقوة وصلابة المقاومة التي ترفض رفع رايتها البيضاء مقابل الوعود المغرية التي تقدمها دولة الاحتلال وأطراف دولية وعربية عليها.