قائد الطوفان قائد الطوفان

​عباس يعاقب الأسرى المحررين إرضاء لترامب

​غزة- أحمد الكومي

فعل رئيس السلطة محمود عباس ما هو محظور وغير متوقع، بقطعه رواتب 277 أسيرًا فلسطينيًا محررًا من الضفة الغربية وقطاع غزة والخارج، من بينهم خمسة أسرى يقبعون داخل سجون الاحتلال.

وأجمعت مستويات فصائلية وشعبية على أن قطع رواتب الأسرى المحررين "جريمة أخلاقية ووطنية" يمارسها أبو مازن ضد أشخاص أمضى غالبيتهم أكثر من 20 عامًا داخل السجون.

ويأتي هذا الإجراء بعد لقاء عباس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن الشهر الماضي، الذي صرّح بأنه "يبدي مخاوفه بشأن المدفوعات إلى السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية"، وطالب عباس بـ "ضرورة حلّ هذه المسألة".

كما مارس الاحتلال الإسرائيلي دورًا رئيسًا في دفع هذا الطلب، حين أدرج وزير الحرب أفيغدور ليبرمان "الصندوق القومي الفلسطيني" على قائمة "المنظمات الإرهابية".

واتهم ليبرمان الصندوق بتقديم الدعم لجهات مسؤولة عن نشاطات تتعلق بالمقاومة ضد (إسرائيل)، ويستخدم كقناة لنقل الأموال للأسرى وعائلاتهم، وفق زعمه.

إضافة إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو رهن إثبات السلطة التزامها بالسلام بوقف المخصصات المالية للأسرى والشهداء، وقال في إحدى جلسات الحكومة: "السلطة لا يمكن لها أن تكون شريكًا في عملية السلام في نفس الوقت الذي تدعم فيه الإرهاب".

يُستنتج من ذلك أن وقف مخصصات الأسرى المحررين جاء استجابة من أبو مازن لضغوط أمريكية إسرائيلية قايضت السلام بهذه المخصصات. كما هي مؤشر على حجم الابتزاز الذي تتعرض له قيادة السلطة، وتهرب منه بتنازلات خطيرة وغير مسبوقة.

وبالتزامن، فإن قبول السلطة بهذا المطلب يجعلها تشترك مع نظرة الاحتلال إلى هذه المخصصات بأنها "تغذية للإرهاب"، الذي أعلنت السلطة التزامها في اتفاقات التسوية بنبذه، والعمل على محاربته، وبالتالي فإن هذا الملف لن يكون على أجندة وفد السلطة المقرر سفره إلى واشنطن لبحث إعلان مشروع تسوية جديد، ولن يتم التراجع عنه، باعتبار أنه أمر تم تجاوزه، والانتهاء منه.

كذلك، فإن قطع هذه المخصصات يزيل الغطاء الوطني عن السلطة، ويحوّلها إلى أداة إسرائيلية لتنفيذ ما يخدم مصالح الاحتلال، وهذا ما أعطى نتنياهو أريحية في طرح شروط جديدة للتفاوض، يعلم أن السلطة لا تملك غير الرضوخ لها.

ولابد من الإشارة هنا إلى تصريحات أسامة القواسمي المتحدث باسم حركة فتح حين قال "إن المساس برواتب الأسرى والشهداء خط أحمر ومرفوض بالمطلق"، وأن محاولات نتنياهو المتكررة لابتزاز القيادة الفلسطينية لن تنجح بالمطلق من خلال المس بملف الأسرى!

ثم إن عباس بقراره قطع رواتب الأسرى المحررين اختار المواجهة مع عوائل هؤلاء الأسرى والضغط الشعبي، على محاولة البحث عن خطوات يمكن أن تخدمه في الالتفاف على آليات الرقابة الأمريكية، والتهرّب من الضغوط الخارجية عليه في هذا الملف.

لكن يتضح أن أبو مازن يحاول أن يُحيّد ملف الأسرى عن أن يكون معرقلًا لأي تسوية، فنجد أنه كان قد قرر عام 2014 إغلاق وزارة شؤون الأسرى، ونقل الأجهزة المختصة فيها بمتابعة التقديمات المالية لهم، إلى لجنة شؤون الأسرى في منظمة التحرير، قبل أن يُقدم على قطع مخصصاتهم.

وليس بعيدًا عنا مؤامرة السلطة على إضراب الأسرى الذي خاضه 1800 أسير فلسطيني بقيادة الأسير مروان البرغوثي، أحد أبرز قادة فتح، والالتفاف على مطالبهم، وصولاً إلى إنهائه؛ "خدمة مجانية" لإدارة سجون الاحتلال.

إن الخطورة تكمن في أن تمرير هذا الإجراء دون رد فعل شعبي ضاغط وحاسم، في الضفة الغربية على وجه التحديد، سيفتح الباب أمام استمرار أبو مازن في إجراءاته وعقابه للشعب الفلسطيني استجابة للضغوط الخارجية، بأن يتجه إلى قطع رواتب عوائل الشهداء والجرحى.

ومن غير المستبعد أن يتجه أبو مازن أيضًا إلى إعلان بدء التعاون الأمني "العلني" المشترك مع جيش الاحتلال، باعتباره مطلبًا رئيسًا من ترامب؛ ضمن مدعاة محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي لن يكون مفاجئًا على المستوى الفلسطيني، ليحوز أبو مازن باقتدار وصف ترامب له بأنه "يعمل بشجاعة من أجل السلام".

البث المباشر