(المتوكل طه)
....
أنا البَرّيُّ المرصوفُ
على خطواتِ الطّيرِ،
وفي الأَعْمِدةِ البلّورِ ،
لتأخذَني الأصداءُ إلى الغاباتِ ،
ومَنْ أَلْقَتْهُ الغانيةُ ، شتاءً ، في الفجرِ
إلى الطرقاتِ ،
فألْبَسَني الزلزالُ ملابسَه المجنونةَ ،
فارتبك الحَرْفان ..
أنا الألفُ المكسورةُ إنْ مَدّتْ إحداهُنَّ
ضفائرَها الأنهارَ،
الهائمُ بين سفوحِ النّهدِ الهاجعِ
مثل القَنْطرةِ النّونِ ،
أنا الميمُ الذائبةُ على قرميدِ العسلِ،
بساعاتِ غروبِ الشمسِ ،
وعند شروقِ جدائلِ أيامي في الرّاءِ .
أنا الألفُ الممدودةُ مثل مسَلّاتِ الفرعونِ
المُتَحوّلِ من طفلٍ يلعبُ في النّهرِ
إلى آلهةٍ تأكلُ أخوتَها الفقراءَ ،
أنا الضدُّ السريُّ لأبناءِ الحِكْمةِ
كي أمْلكَ حِكْمتيَ الرّعناءَ ..
جَمعتُ جذوعَ الأشجارِ
وقلتُ لها : انتفضي في وجهِ الطوفانِ ،
فجاءت عَرْشَاً للشطآنِ
وتاجاً في إيوانِ الباء.
أنا العاشقُ إن شِئْتَ تنادي : يا عاشقُ !
جَلْجَلْتُ دهاليزَ الزمنِ الغابِرِ،
وأقمتُ على منبرِ نورٍ بالصُّحْبَةِ ..
كنّا أحباباَ في اللّهِ ،
ولم نأْبَه لرجالٍ خرجوا للَّدنِّ الليليِ ،
ولم يصلوا للسُّكْرِ
وناموا دون غطاءٍ ،
فانتبذوا المَشْرَب
واغتبقوا بالعنقودِ المعصورِ من الصَّهْدِ ،
وغابوا عن دائرة الهاء.
أنا الصامتُ أتحدَّثُ بالكلماتِ المكتوبةِ ،
ونشيجي أنْشُدُهُ بالدَّمعِ ،
وأركبُ طائرةَ الحَلَقاتِ ،
وأذهبُ في الَمدْحِ ..
أنا عبدُكَ يا رَبَّ الناسِ ،
أَعِنّي كي أُغلقَ أبوابي المُشْرعَةَ
على الخَنّاسِ الَوسْواسِ ،
وأصفو بين يديْ قُدْرَتكَ الواسعةِ ،
وأسْجُدُ ،
لا شيءَ سوى الخِشْيَةِ ،
وَبُروجِ الأمواجِ الهانئةِ الموّارةِ حولَ ثمانيةٍ ..
يا ليتَ ليَ القوّةُ
كي أحملَ بعضاً من عَرْشِكَ
فيظلّلني النورُ الأبديُّ ،
وألْهَجُ بالحَمْدِ وبالعرفانِ ،
وأبقى في بَهْوِ الشَرفِ الأسمى !
يا ربَّ الكونِ ؛ أنا الضائعُ
حتى أجدَ الدّربَ المُوصِلَ ،
والتائهُ حتى تلقُفَني الرّاءُ بكفيّكَ ،
وإنّي الأشقى حتى تدركَني الدّعواتُ ..
وإنّي الخُسْرانُ الكاملُ دونَ تلافيفِ العَفْوِ،
وكنتُ ، وما زلتُ الهشَّ المكسورَ
التيّاهَ ..
فخذْ بجِماعي
واحْفَظْ لي كُلّي
واَمْطِرْني من فضْلِكَ
أو نورِكَ
واجْعَلْ لي مَخْرجَ صِدْقٍ
وتَلَطَّفْ بي .. سَلّمني يا واحدُ
يا مَنْ نجَّيْتَ المُسْتَغْفِرَ في بَطْنِ الحوتِ
وطوَّقْتَ الغارَ بخيْطِ العينِ
وعُشِّ يماماتِ البيداء..
ويوسفَ من نَزَوات الزّايِ
الشافي أنتَ
وإنّي الخَطّاءُ الخَطّاءُ..
اقبَلْني في البَرِّ وفي البَحْرِ
وحين أكونُ على حَدٍّ مشحوذٍ ..
خُذْني لفَضاءِ الجَنّةِ
لأُمَتِّعَ روحي بشموسٍ مُشْرقةٍ
من أنوارِ بهائِكَ ،
يا مَن لا أرجو إلّاهُ
فَخُذْني من تّيهِ الدارِ إلى الفردوسِ ،
لأشربَ مِن تِرْياقِ الطّاءِ رذاذَ النُقْطَةِ
فوقَ الفاء .