تتسلل فرحة العيد خلسة بين شوارع وحواري مدينة القدس القديمة، التي يحيط بها جنود الاحتلال ويطبقون الحصار على بواباتها، ويدخل الهلال متشحًا الكوفية الفلسطينية المعبقة بدم الشهداء، ويطرق أبواب عوائلهم بصمت مطبق ليفتح لهم بوابات الـفرح.
وفي كل عام تبكي القدس أحد أعمدة فرحتها في كل عيد، وتكتسي الأحزان لفراق فارس جديد رحل غيلة برصاصة جندي غريب، كان منهم "مسحراتي" القدس الشهيد بهاء عليان.
ومع فراق بهاء، فقدت شوارع المدينة القديمة بريقها الذي اضفاه عليها الشهيد لسنوات طويلة، كان يعكف فيها واصحابه على تزيين اعمدتها ومنازلها، والعمل على نصب الاراجيح والالعاب لاطفالها، وفق ما يرويه والده.
المحامي محمد عليان والد الشهيد والذي تم اعتقاله عند الاحتلال عدة ايام قبل حلول العيد، فتح دفتر احزانه الذي يحتفظ فيه بسجل من الذكريات الجميلة التي تحولت إلى أخرى مريرة ومؤلمة بعد فراق نجله.
"لا طعم للعيد، ولا للحياة بدون ابني"، بهذه الكلمات رددّ والد الشهيد عن ابنها الذي لم يمض عيد عليهم إلا ويقبل يديه وجبينه في صباحه الباكر، حسبما يقول.
كان العيد مناسبة جميلة تجمع عوائل البلدة القديمة بعد تأدية الصلاة في المسجد الأقصى، حيث يكون بهاء منهكًا مع زملاءه بعد عشرة ايام من الاعتكاف المغلق، يشرف فيها الشهيد على تلبية حاجات المعتكفين والعمل على تنظيم افطارهم وسحورهم.
عليان أنموذج واحد يحاكي في معاناته ومرارته مئات العوائل التي فقدت ابناءها خلال مسيرة انتفاضة القدس التي اندلعت في شهر اكتوبر الماضي.
ومن بين الشهداء كانت عائلة الشهيد المثقف باسل الاعرج، الذي عجن ثقافته بالدم وجبلها بالتضحيات، وجعل منها شعاره الخالد، "إن لم تكن مثقفا مشتبكًا فلا فائدة منك ولا من ثقافتك".
الشهيد الاعرج الذي عاش كالنيص وقاتل كالبرغوث، كما كان يحلو له دائما ان يردد، حتى أصبحت جزءًا اصيلا من ابجديات ومبادئ ثقافته التي ينظر لها بين المثقفين.
تقول والدة الشهيد والدموع في عينيها، إن العيد فقد بهجته برحيل الشخص المحبوب الذي كان يضفي جمالا غير عادي في العائلة، ويجعل لأجواءه طعمًا مختلفًا.
وتشير في حديثها لمراسلنا، أن نجلها كان يضع بصمته في كعك العيد كل عام دون هذا العام إذ لم يزر بيتها وقررت مقاطعته بعد رحيل نجلها.
كانت دموعها هي اجابتها عن الشوق تجاه حبيبها الذي رحل ولم يشاركها عيدها كما وعدها، وتركها دونما أن يطبع قبلة الوداع الأخيرة على جبينها.
وبين غزة والقدس تقف الضفة لتحكي هي الأخرى مشاهد من الوجع والألم على فقدان أحبة العزاء في رحيلهم أن وصاياهم لا تزال حاضرة ومشاهد الخير لا تخطئ طريق الوصول الى بصماتهم.