كان هذا الأسبوع الأصعب على قيادة السلطة في رام الله، الذي شهد زيارة لا تحتمل الفشل للرئيس محمود عباس إلى القاهرة؛ التقى خلالها نظيره المصري عبد الفتاح السيسي. ويبرز ذلك في تصريحات سياسية أثارت الجدل في الشارع الفلسطيني، وعكست حجم الغضب من مستجدات الواقع السياسي والإداري بغزة.
فقبل اللقاء بيوم واحد بين أبو مازن والسيسي، هدد الأول، أثناء حديث مع صحيفة "الشرق الأوسط"، بفرض "عقوبات مالية فورية" ضد قيادة حركة حماس في قطاع غزة "في حال إصرارها على الخروج عن مؤسسات الدولة الفلسطينية في رام الله"، كما قال.
وفي اليوم نفسه، خرج محمد اشتيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في لقاء عبر تلفزيون "فلسطين"، ليعلن رفضه التسهيلات المصرية الأخيرة لغزة. وقال بكل جرأة: "إننا لا نريد أن يتم تنفيس إجراءاتنا"، في إشارة إلى إجراءات السلطة العقابية ضد القطاع.
وتزامن تصريح اشتيه، مع حديث مشابه لعزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لفتح قال فيه إن زيارة أبو مازن تهدف إلى "محاصرة دعاة الانقسام في غزة"، على حد تعبيره.
هذه الأقوال، انطلقت أثناء وجود وفد حكومي من غزة في القاهرة؛ للتباحث في تطبيق التفاهمات التي توصّل لها وفد حماس مع مصر أثناء زيارته الأخيرة، وهم أعضاء اللجنة الإدارية، التي تضعها السلطة ذريعة لخطواتها "غير المسبوقة" ضد القطاع، وتطالب حماس بحلّها؛ شرطاً للتراجع.
وفي واقع الأمر، فإن هذه الأحاديث تضع أمامنا خمسة استنتاجات لغضب قيادة السلطة من تفاهمات حماس والقاهرة، هي على النحو التالي:
أولا: تؤكد حدة التصريحات فشل زيارة أبو مازن إلى القاهرة، وفشل أهدافها التي كان مخطط لها، على اعتبار أنها كان تستهدف بالدرجة الأولى عرقلة تفاهمات حماس ومصر، تحت دعوى أنها تجاوز للشرعية الفلسطينية، كما تؤشر على تخبط داخل قيادات السلطة وفتح؛ لمعرفة ما ترفض القاهرة البوح به بشأن ما توصلت له مع حماس في غزة.
ويدلل على ذلك أن القاهرة تعمّدت إدخال وقود لغزة أثناء وجود عباس على أراضيها، وعمدت إلى زيادة الكميات، والتمهيد للتبادل التجاري وفتح معبر رفح بعد انتهاء أعمال الصيانة فيه، بعد مغادرته، إلى جانب ما تسرّب بأن القاهرة رفضت وضع التفاهمات مع حماس وتفاصيلها، على أجندة اللقاء مع أبو مازن، وهي رسالة جافة عقدت ألسنة المتحدثين باسم السلطة عن التصريح بنتائجها الحقيقية.
ثانيا: تكشف هوية الجهة الحقيقية التي تقف وراء حصار غزة، والتي تتفوق في ممارساتها على الاحتلال في التضييق على الفلسطينيين؛ لخدمة أهداف غير وطنية ومصلحية، كما تكشف زيف ادعاء أنها خطوات لإنهاء الانقسام، إذا سألنا مثلا عن علاقة ذلك بقطع رواتب نواب المجلس التشريعي، المحسوبين على حماس، بالضفة المحتلة؟
ثالثا: تعطي مؤشرا على حجم التأثير الكبير لتفاهمات حماس ومصر على السلطة، التي وصفها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة بأنها "نقلة مباشرة في العلاقة"، والتي أقلعت من أجلها قيادة السلطة إلى القاهرة سريعا لاستيضاح حقيقتها، قبل أن تصطدم بتمنّع مصري، عادت على إثره إلى رام الله، بخفّي حُنين.
رابعا: تعكس شعورا لدى قيادة السلطة بأن الأمور في القطاع بدأت تخرج عن المسار المخطط له، وأن غزة، بموجب هذه التفاهمات، بدأت تدريجيا في التحرر من قيود السلطة، التي تستخدمها وسيلة للضغط على حماس، واستدراجها إلى مربعها السياسي، فنرى ذلك في تحذير رام الله شركات البترول في غزة بعدم استقبال السولار المصري، وتهديدها، كما فعلت من قبل مع إدارة محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع.
خامسا: تحاول السلطة، وقيادة حركة فتح على وجه الخصوص، تدارك الانخفاض الحاد في شعبيتها؛ بسبب خطواتها ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والتي ارتدت عليها، وعلى وضع التنظيم بالقطاع، من خلال التصريحات المتناقضة حول حرص الرئيس، وأن السلطة ليست لا يمكن أن تكون مع عقوبات جماعية على غزة، وغيرها من التصريحات البعيدة عن الحقيقة.