قائمة الموقع

أغضب للأقصى.. تذكرة الصعود إلى السماء

2017-07-24T16:17:32+03:00
صورة أرشيفية
الرسالة نت-رشا فرحات

حينما تنزلق كل الصور مرة واحدة ثم تسقط إلى فوق، خارقة كل القوانين الفيزيائية، متوحدة، متفقة على كلمة حق، كلمة لا تخفى على أحد، فالشمس لا تغطى بالغربال، تلك هي أيادي أبناء القدس، سحبتنا جميعا، وسحبت البساط من أسفل الأرجل، على مدار أسبوع كامل تأجج يوم الجمعة بنفير غاضب وجموع زاحفة نحو الأقصى رافضة قرار فرض البوابات الالكترونية على مداخل المسجد الأقصى المبارك.

برغبتنا أو بدونها، بأوجاعنا أو بدونها سحبتنا القدس كعادتها، حيث انصهرت الاوجاع مرة واحدة أمام تلك الايدي المرتفعة للسماء.

فربما لم يرَ اهل غزة كلهم بسبب انقطاع الكهرباء الذي يتبعه انقطاع في الانترنت تلك الصور المتتالية لأيدي تصفق على ناصية باب الأسباط: بكتب اسمك يا بلادي...

والسؤال الذي يخطر ببالك فورا، هذه الحشود الواقفة والتي تكر وتفر تبعا لعدد الرصاصات التي يطلقها ذلك الجندي ثم يفر، فيتقدمون هم، بصدورهم العارية لا يحملون سوى حب الوطن، حب فطري لا تستطيع توجيهه أو نزعه او حتى زرعه، مزروع في قلوبهم منذ المولد، منحوت على جدار القلب والصدر واليدين العاريتين والقدمين الثائرتين وفي صوت الله أكبر.

صور كثيرة نشرت في اليومين الفائتين وقفنا أمامها عاجزين عن التعبير.

فحينما لاح نهار يوم الجمعة الحار بدأت الحشود المحتشدة أصلا بالازدحام أمام باب الأسباط، هندم شباب القدس المهندمين ملابسهم، وارتدوا سراويلهم الجينز وصففوا شعرهم بطريقتهم الحديثة ليضل ثابتا وأنيقا حتى نهاية النهار، ونثروا على الجسد الثائر عطرهم الفواح، ووضع بعضهم على عينيه نظارة شمسية اتقاء حرارة الشمس، وتماشيا مع خطوط الموضة الحديثة، بينما نسي البعض الآخر ذلك.

واقفين بكل ما جمعوه من عناد رافضين الدخول عبر بوابة الكترونية نصبها المحتل أمام المسجد الأقصى رافضين سياسة التفتيش التي ينوي المحتل نهجها مع المصلين، رافضين تحويل المسجد المبارك الى معبر، أو مطار، او حاجز اخر، فهو كل ما بقي لهم من المدينة العتيقة، قرروا الاجتماع على أبواب الأقصى، واصطفوا مصلين على باب حطة، وباب الساهرة، وباب الأسباط، وهكذا بقي الأقصى مهجورا من آذانه ومصليه ملفوفا بهم من كل ناحية راكعين ساجدين على بواباته بدموع الأعين.

وما هي الا ساعات حتى ازدادت ثورات المصلين المعتصمين في الشوارع وازدادت غضبات جنود المحتل الذي يطلق رصاصة مع كل تكبيرة، ويرفع سلاحه مع كل سجدة، بين أيديهم وبجانب عنق بندقية المحتل كانت الرؤوس تنحني ساجدة في صلاة الجمعة، بكل ما أوتيت من تركيز، بدون وجل، في صلاة لقوم مسلمين، لا عجب أن تلمح أكثر من شاب مسيحي يقف إلى جانبهم صفًا واحدًا، يصلي بطريقته، تضرعًا وحبًا ووطنية وتوحدًا لأجل القدس، في رسالة موحدة يرفض العالم تصديقها بأن هذه المدينة للعرب جميعهم، وهذا ما فعله الشاب نضال جوزيف عبود الذي وقف حاملا إنجيله بين جموع المصلين من أجل الأقصى لأن الأقصى لم يكن يوما مجرد مسجد وإنما وطن للجميع وان دنسته يد صهيونية ستطال أيضا المقدسات المسيحية الأخرى وتفرض قيودها تدريجيا على عروبة المدينة وتاريخها بأكمله.

وما أن تدور بك العين دورة واحدة حتى يرتقي شهيد الجمعة الأول، محمد شرف، الذي لم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاما، وكأنها محض صدفة تلك التي جعلت اسمه مقرونا بالشرف، رصاصة واحدة حيث كان معتصما مع رفاقه في باب العامود، ارتقى معها محمد، راسماً بدمائه طريق الشرف لهذه الأمة!

ولم يتوقف يوم الجمعة هنا، فما ان دارت العين حتى ارتقى محمد الثاني، وهو ليس اسما في عائلة ملكية، ولكنه مدون في سلسلة محمدية، انطلقت ذلك اليوم ليكون محمد أبو غنام، الشهيد الثاني في قائمة شهداءها.

ولمحمد أبو غنام قصة أخرى، لأنه دخل الى ترابه مسرعا، بدون أن يدفئ جبينه بدموع أمه أو قبلاتها، فرفقاؤه تجاهلوا بكاءهم عليه كما ينبغي أن يكون البكاء، وتجاهلوا أيضا قبلات الوداع التي يمكن لأمه أن تطبعها على جبينه، وما أن وصل جثمانه إلى مستشفى المقاصد بالقدس، وما أن اخبرهم الطبيب باستشهاده حتى ركضوا الى جثمانه، انتزعوه انتزاعا، ركضوا به الى الأرض قبل أن يصادر المحتل جثمان رفيقهم فيحتجزه في ثلاجة باردة، ركضوا يكبرون بصوت واحد، قفزوا من فوق الجدار، محتضنين الجثمان المكفن بدمائه، وقبل ان يغيروا غطاءه! مسرعين إلى المقبرة، دفنوه بدون أي مراسم، بعيون ترقب الطريق، ثم أكملوا عائدين الى اعتصامهم، ماسحين دموعهم المنسكبة مع كل خطوة، وهناك في بيت غنام أخذوا لأمه قميصه المخضب، كفرصة أخيرة للوداع، وكانت راضية! هل رأيت موتا أسرع من هذا؟!.

وعلى بعد خطوتين، وعلى باب الأسباط، يتخبط جنود الاحتلال كثور هائج فيسقط أكثر من 42 جريحا وفي زمن أقصر من الخيال بينما يعتقل العشرات من النشطاء بدون سبب أو ذريعة وكأن الاعتقال المفرغ من معناه هو وسيلة الاحتلال الأخيرة والفاشلة لقمع من لا يقمع.

وعلى بعد خطوتين، في بيت لحم يرتقي محمد ثالث، محمد تنوح من بلدة تقوع، وذلك بزعم جاهز مبتذل وهو نيته القيام بعملية طعن، ولكن النوايا قد تكون أو لا تكون، فلم يمض النهار حتى أعلنها عمر العبد، الذي شحن قلبه بحب الأقصى وخط وصية تناقلها الكتاب من بعده كأسطورة، وذهب بسكينه الى مغتصبة حلميش وأعلن عن قيامه بعملية طعن أثلج بها صدورنا بعد الإعلان عن مقتل ثلاثة مستوطنين، لينتهي يوم الجمعة المبارك، أوله صلاة وأوسطه شهادة وآخره بردا وسلاما على قلوب قوم مؤمنين.

اخبار ذات صلة