لم يلبث إغلاق المسجد الأقصى وتشديد الإجراءات على أبوابه مرورا بثورة المقدسيين على الاحتلال عقب نصبه بوابات إلكترونية وكاميرات مراقبة حرارية، أسبوعين حتى نجح الفلسطينيون بإسقاط جميع تلك الإجراءات التي كانت أوهن من بيت العنكبوت.
سقوط مدو للاحتلال وانتصار كبير نجح الفلسطينيون في تسجيله ليكتب التاريخ في صفحاته أن شعبًا أعزل هزم أعتى ترسانة مدججة بالسلاح على أبواب الأقصى؛ وإن حاول كثير من العُربان سرقته-الانتصار-.
وأدّى آلاف المقدسيين، صلاة العصر يوم الخميس الماضي في المسجد الأقصى عقب دخولهم عبر "باب حطة"، وذلك لأول مرة منذ أسبوعين، بعد أن أزالت قوات الاحتلال التعديات التي وضعتها في المسجد الأقصى المبارك؛ لا سيما "باب الأسباط"، بمدينة القدس بعد 14 تموز/ يوليو الجاري.
يُشار إلى أن المسجد الأقصى أغلق ليومين كاملين ويوم آخر بشكل جزئي بعد عملية شبان أم الفحم الثلاثة والاشتباك المسلح الذي حصل عند "باب حطة"، وأدى إلى مقتل اثنين من عناصر شرطة الاحتلال.
خسائر بالجملة
وفي معرض الحديث عن جملة الخسائر السياسية التي لحقت بالاحتلال وحكومته بعد أحداث الأقصى وفتح بواباته فإن أبرزها يتمثل في حالة الاستقطاب السياسي الحاصلة في "إسرائيل" بين المستويات السياسية والأمنية.
ويعتقد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي د. عدنان أبو عامر أن تراجع الاحتلال عن كامل إجراءاته في المسجد الأقصى أثار حالة من تبادل الاتهامات فيما اعتبر أنها انتكاسة مدوية على مدى الصراع.
وكان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ألقى باللوم على جهاز الأمن العام (الشاباك) بسبب الهزيمة التي مني بها أمام صمود المقدسيين، في حين وصف قيادي بارز في حزب الليكود جهاز الشاباك بأنه "مجموعة من الجبناء".
ومن الخسائر للاحتلال هو ظهور نتنياهو بالمتراجع الضعيف أمام الضغوط الشعبية الفلسطينية وأصبح كالذي تسلق الشجرة ولم يستطع النزول منها، الأمر الذي اضطره للإلقاء بنفسه من فوقها.
وما سبق دفع الكثير من قادة الاحتلال لشن هجوم حاد على نتنياهو بعد تراجعه عن الإجراءات الأخيرة في المسجد الأقصى، حيث قال نفتالي بينيت -الذي ينافس نتنياهو على رئاسة معسكر اليمين-إن الحكومة الإسرائيلية خرجت من هذه الأزمة ضعيفة ومستضعفة، مردفا "لربما نعتقد أننا سنربح بعض الهدوء والاستقرار، لكن ثبت أنه في كل مرة تقدم فيها إسرائيل تنازلات تحصل انتفاضة، وما حصل يلحق ضررًا بالردع على المدى البعيد".
انكسار وخضوع
وهنا يؤكد الكاتب أبو عامر في حديثه لـ"الرسالة" أن "إسرائيل" تعتبر تراجعها عن الإجراءات بالأقصى هو تراجع أمام الفلسطينيين، وهذا قد يمس بقدرتها الردعية أمام الفلسطينيين بعد اعتقادها أنها استعادت قدرتها بالردع بعد حرب 2014 على غزة، على حد قوله.
ويُشير إلى أن الخسائر السياسية للاحتلال أيضًا تكمن في خضوعه للإدارة الشعبية الفلسطينية واستجابته للعوامل السياسية والدبلوماسية والميدانية التي أظهرت قوة الوحدة الفلسطينية خلف قضية مقدسة مثل الأقصى.
ويتمثل إعادة البوصلة للأقصى وحالة الإجماع العالمي ولفت أنظار الإقليم إلى قضية المسجد والمدينة المقدسة من أهم الخسائر السياسية للاحتلال بعد حالة الفتور وغياب الاهتمام بالقضية المركزية وصلب الصراع في الشرق الأوسط.
تداعيات إيجابية
ويرى الكاتب المقدسي والمختص في الشأن الإسرائيلي جمال عمرو، أن تداعيات إيجابية مستقبلية ستترتب على انتصار إرادة المقدسيين على الاحتلال الإسرائيلي، من خلال انتزاع مطالبهم كاملة بعودة الأوضاع في المسجد الأقصى على ما كانت عليه قبل تاريخ 14 تموز/ يوليو الماضي.
وقال عمرو إن "الانتصار الذي حققه المقدسيون بإلزام الاحتلال التراجع عن الإجراءات التي اتخذها في المسجد الأقصى، وسيكون له مآلات لن تتوقف فقط على العودة للصلاة داخل المسجد".
وأضاف "ما حصل من إنجاز وانتصار على أيدي أناس عزّل وبأقل الخسائر، يفوق ما حققته الجيوش، وله مآلات على القضية العربية والفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص، فالمواطن استعاد ثقته بنفسه وقدرته على المبادرة وبأقل الإمكانيات"، وفق تقديره.
وبحسب ما يراه عمرو؛ فإن "انتصار المقدسيين كسر هيبة الاحتلال حكومة وجيشا؛ بحيث سيفكر مستقبلا ألف مرة قبل الإقدام على انتهاك جديد بحق القدس ومقدساتها".
واعتبر أن ما شهدته مدينة القدس المحتلة على مدار الأسبوعين الماضيين أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العربية والدولية؛ على المستوى الشعبي والسياسي.
وشدد عمرو على ضرورة تمسك المقدسيين بما أنجزوه، بل ومواصلة طريقهم لاستعادة كل حق سلب من الأقصى؛ ليعود إلى حاضنته العربية والإسلامية من جديد.
وفي نهاية المطاف فإن الخسائر التي مُني بها الاحتلال بعد أحداث الأقصى قد تشكل خطرا على مستقبل نتنياهو من ناحية وتدفع حكومته لتصعيد انتهاكاتها بحق الفلسطينيين للتغطية على الفشل من ناحية أخرى.