أعراض إجراءات عباس ضد غزة بدأت تظهر على جسد "فتح"

غزة-أحمد الكومي

لم يكن مفاجئًا إعلان أقاليم حركة فتح في قطاع غزة الأيام الماضية، تعليق أنشطتها بشكل رسمي، والتهديد باللجوء إلى خطوات أكثر تأثيراً؛ ضد سياسات رئيس التنظيم والسلطة محمود عباس وإجراءاته بقطع الرواتب، وإحالة الموظفين إلى التقاعد القسري.

جاءت هذه الخطوة بعد أيام قليلة من إصدار أبو مازن قرارًا بمعاقبة أمناء سر أقاليم وقيادات فتحاوية بارزة في غزة، وتحويلهم إلى التقاعد، بعد اعتراضهم على تشكيل الهيئة القيادية العليا للحركة في المحافظات الجنوبية، التي فتحت الباب واسعًا أمام حالة تذمر وغضب كبيرة في أوساط القاعدة التنظيمية، على تشكيلها، وطريقة التعيين.

وقد كشف قيادي بارز في فتح بغزة لـ "الرسالة" عن أن قيادات أقاليم التنظيم في القطاع قررت إعلان التمرد على أبو مازن؛ رفضًا لخطواته التصعيدية ضد غزة، قائلا إن "هذه الحالة لن تدوم، وستتحول خلال فترة قليلة إلى مسيرات احتجاج كبيرة ضد عباس".

هذه الحالة التنظيمية، والخلاف الداخلي الذي بدأ يتصاعد ويطفو إلى السطح، تعكس عدة مؤشرات:

أولا: تؤكد أن إجراءات أبو مازن "العقابية" ضد قطاع غزة لم تستهدف حركة حماس فحسب، إنما طالت فتح وقواعدها التنظيمية، وهذا ثمن كان يجب أن تجنيه فتح؛ نظير دعمها عباس منذ البداية في خطواته ضد القطاع.

ومما يدلل على ذلك، أن أبا مازن حاول، خلال اجتماع مع مسؤولين في حركة فتح برام الله اليومين الماضيين، تبرير أن إجراءاته لم تكن ضد غزة، إنما كانت تستهدف قيادة حماس لتتراجع عن سيطرتها على القطاع، وعلى وجه الخصوص حل اللجنة الإدارية في غزة، بحسب القناة العبرية السابعة.

ثانيًا: أن أبا مازن يقود حركة فتح بمزاجية وبما يتوافق مع أهوائه، وليس بما تقتضيه مصلحة التنظيم، وبدا ذلك واضحًا في تشكيل هيئة عليا لها في غزة، وقرارات الفصل وتهم التجنّح الجاهزة لأي معارض.

ثالثًا: تعكس وجود شرخ داخلي كبير، وترهل تنظيمي تتسع رقعته، ومؤشر على فشل الهيئة الجديدة في تحسين ظروف التنظيم، أو استقطاب قواعده، إضافة إلى أنه مؤشر على ضعف قواعد التنظيم في غزة، وعدم قدرتها على مواجهة تفرّد أبي مازن، فهي لا تملك أو لا تجرؤ على تغيير واقع قبلت به منذ نشأة الحركة، أن يكون "تنظيم الفرد الواحد".

وليس بعيدًا عنا تصريح توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لفتح، الذي هاجم فيه آلية تعيين اللجنة القيادية العليا لفتح في قطاع غزة. وحاول فيه أيضًا إعادة شيء من الاعتبار المفقود للتنظيم في غزة حين قال: "غزة وشعبنا وأبناؤنا يستحقون منا الاهتمام والعناية والدعم الكامل من كل أعضاء اللجنة المركزية وأن تكون قراراتنا قرارات إجماع".

رابعًا: تؤكد المؤكد بأن أبا مازن أخرج تنظيم فتح في غزة من حساباته من بعد عام 2007، لأنه يرى أنه كان سببًا في بروز مشكلة حماس التي تقف عائقًا أمام تمرير مشاريعه، ولا يبدو أنه سيكون يومًا ضمن أجندة اهتمامه.

خامسًا: اعتراف متأخر بأن سلوك أبي مازن وإجراءاته، السبب الرئيس في انقسام التنظيم، وبروز تيار يقوده النائب محمد دحلان، وأنه المسؤول عن اتساع قاعدة هذا التيار، الذي كان ضحية قرارات الفصل والإقصاء، والتقاعد القسري، مما يدعو إلى توقع تسرّب مزيد من الكادر الفتحاوي نحو تيار دحلان.

إن سلوك أبي مازن يؤكد أن حركة فتح وقيادتها وقواعدها في قطاع غزة، على ضوء إعلان أقاليمها التمرد وتعليق أنشطتها، ستكون في الأيام المقبلة، على موعد مع تهم جاهزة بالتجنح، وقرارات فصل بالجُملة.

البث المباشر