كل شيء في تفاصيل تجربة الشاب عبد الله أبو شعبان (23) عاما يستحق الاحترام، فتجربته مع مرض السرطان جعلت منه مهرّجاً طبّياً يسعى لتخفيف آلام المرضى من الأطفال والكبار.
أصيب أبو شعبان قبل عشر سنوات بمرض السرطان وعندما لازم المستشفى تسلل إلى سمعه صوت موسيقى تقترب من حجرته قبل ظهور مهرّج أدخل السرور على قلبه وحوّل مسار تفكيره بعد تعافيه.
بعد رحلة طويلة من العلاج في غزة والداخل المحتل كرر أبو شعبان التجربة فبدأ يمارس التهريج الطبّي للتخفيف من آلام المرضى لكنه منذ عام لم يقم بذلك لعدم وجود مؤسسة تتبناه.
مشاعر إنسان
تبّاً لتلك التفاصيل البيروقراطية التي افتقد فيها أبو شعبان لمؤسسة تتبناه أو وزارة تسند مبادرته فقد انقطع عن مرضى السرطان والكلى منذ عام وكله أمل بالعودة لهم.
للمرة الأولى أستمع لتفاصيل عن (تشارلي تشابلن) في دير البلح، ما هي مدرسته؟ كيف كان يدخل السرور على الناس صامتاً أم متحدثاً حتى عبارته الخالدة التي يحفظها محبو التهريج التي تقول (علاج كل الأمراض هي السعادة).
يقول للرسالة: "منذ أن شفاني الله واصلت العمل منفردا وواظبت على زيارة المستشفيات خاصة مرضى السرطان والكلى أقترب من أسرّتهم وأخفف من آلامهم".
يسترجع أيام مرضه حين انتبه لوجود مهرج طبّي يقترب من سريره فتبدّلت حالته النفسية وتأكّد كم أهمية ما يفعله مع مريض يرقد حزيناً في المستشفى.
حصل عبد الله على جرعات علاج الكيماوي داخل مستشفيات الاحتلال تداوى فيها من ورم قرب عظام الجهة اليسرى من صدره الذي كان ضاغطاً على القلب والرئة ومرّ بمراحل علاج طويلة حتى زراعة النخاع.
ويتابع:"استمر علاجي من تموز 2007 أول معرفة المرض حتى زراعة النخاع إبريل 2008 تأثّرت فيها بدور المهرجين الذين يخففوا من حزن المرضى".
ويحكي أبو شعبان أن عدم التوافق في الملبس وتثبيت أنف أحمر والقيام بحركات مضحكة هو ما يثير اهتمام أي مريض يشاهد المهرّج في المستشفى والمهرّج الناجح غالباً لا يحتاج كثير من الأدوات.
متطوع ممنوع
مرّ أبو شعبان خلال عمله بمواقف كثيرة أهمها ذلك اليوم الذي أنهى مهمة الترفيه عن مرضى مستشفى بغزة فشاهد أماً تبكي لسوء حالة ابنها وعندما أخبرها أنه كان مريضاً بالسرطان وتعافى لم تصدق.
ولم تخل رحلته من مواقف محزنة يذكر منها ممارسته للتهريج الطبي في حجرة سيدة مريضة بقسم الأورام وقد رفضت وجوده في البداية حتى تمكن من التهريج وإدخال السرور عليها ولكنه لم يكد يغادر المشفى حتى أعلن نبأ وفاتها.
لكل مريض مفتاح للعمل يكتشفه عبد الله قبل ممارسة التهريج الطبّي فبعضهم يدخل حجرتهم ويبدأ بالمصافحة وآخرون يطبّل لهم على شيء أما الرافضون لوجوده فيضطر لاستخدام اكسسوارات بسيطة مثل الكرة الصغيرة أو البالون.
في ديسمبر الماضي اختتم أبو شعبان عامين في ممارسة "التهريج الطبّي" في غزة مع مؤسسة بسمة أمل وفي مستشفيات الداخل المحتل التي تدرّب مع بعض طواقمها وعمل معهم.
ويتابع:"كل مهرّج طبّي مهرّج عادي وليس كل مهرج عادي مهرج طبي، فهناك قواعد عمل مثل نظافة السرير والهدوء في المكان والحفاظ على سريّة المريض".
بعد انتهاء عمله مع مؤسسة بسمة أمل في ديسمبر 2016 حاول التردد على مستشفى الرنتيسي لكن وزارة الصحة بغزة طلبت منه مؤخّراً إثباتاً يؤكد عمله تحت إطار مؤسسة وفي وقت سابق طلبت وزارة الصحّة منه ترخيصاً من وزارة الثقافة.
ويبدو أبو شعبان حزيناً بعد توقفه عن ممارسة التهريج الطبّي الذي يدخل فيه السرور على المرضى من الأطفال والكبار، مناشداً مسؤولي وزارة الصحة والثقافة بتسهيل مهمته الإنسانية.
ويتابع:" معظم أمراضنا العضوية بحاجة إلى الدعم النفسي لما له من أهمية بالغة إذا قابلناه بالسعادة، وحينها لن نجد صعوبة حتى ترتفع نسبة الشفاء (..) كل ما أتمناه مواصلة التهريج الطبّي لمساعدة المرضى ولدي استعداد تدريس كورس عملي وتشكيل فريق متكامل".
ويتمنّى عبد الله أن تتطور ثقافة الترفيه عن المرضى في مستشفيات قطاع غزة الذي يعاني من ويلات الحصار، مشيراً إلى أن الحالة النفسية كانت ولا تزال العامل الأساسي في علاج المريض في كل زمان ومكان.
ورغم أن وسائل الإعلام نشرت العام الماضي تجربة المهرّج أبو شعبان الذي تحوّل من سرير المرض إلى صاحب مبادرة إيجابية إلا أنه اليوم لا يطالبها بعرض التجربة بقدر حاجته لها كي يوجه من خلالها نداء لمواصلة ما بدأه وآمن بأهميته وهو يرى ابتسامة الأطفال فوق أسرّتهم.