بعدما ألحق المقدسيون هزيمة نكراء بسلطات الاحتلال الإسرائيلي عبر إجبارها على إزالة البوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة عن أبواب المسجد الأقصى المبارك، صعّد الاحتلال من حربه التهويدية ضد الوجود الفلسطيني في القدس كنوع من الانتقام ولإفراغ المدنية من الوجود العربي.
واتخذ الاحتلال العديد من الإجراءات القمعية خلال الشهر الماضي، مثل زيادة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وهدم منازل مئات من المقدسيين، إضافة إلى تكثيف حملات إلغاء إقامات الفلسطينيين في القدس التي تضاعفت خلال الشهر الأخير.
وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "إسرائيل" ألغت منذ بداية احتلالها للشطر الشرقي للقدس عام 1967 وحتى نهاية 2016، إقامة 14595 فلسطينياً من القدس على الأقل. وأضافت المنظمة، أن إلغاء إسرائيل إقامات آلاف الفلسطينيين في شرقي القدس على مر السنين يوضح النظام المزدوج الذي تنفذه في المدينة، حيث يفرض نظام الإقامة متطلبات شاقة على الفلسطينيين للحفاظ على إقاماتهم، فضلًا عن عواقب وخيمة لمن يخسرونها.
سياسيات عنصرية
وفي السياق، رصدت مؤسسات حقوقية فلسطينية ثلاث مراحل تشمل سن قوانين وتبني سياسات عنصرية؛ تمثل تطوّر سياسة الاحتلال في سحب إقامة الفلسطينيين في شرقي القدس المحتلة بهدف تقليص وجودهم.
وأكدت المنظمات في تقرير مشترك، أن إلغاء الإقامات الدائمة هو من أكثر الوسائل المباشرة التي تستخدمها "إسرائيل" لتهجير الفلسطينيين قسريا من شرقي القدس، وذلك ليتسنى لها الحفاظ على أغلبية يهودية إسرائيلية في المدينة.
وأكد كل من مركز العمل المجتمعي بجامعة القدس، ومركز القدس للمساعدة القانونية ومؤسسات: الشبكة والحق وسانت إيف وبديل، والائتلاف المدني من أجل حقوق الفلسطينيين، وجود سياسات غير شرعية في إلغاء الإقامات تستهدف الفلسطينيين في القدس.
وأضافت أنه منذ عام 1967 أنشأت "إسرائيل" المعايير لإلغاء الإقامات المقدسية، ثم وسعت استخدامها بالتدريج، مما أدى إلى إلغاء حقوق الإقامة لأكثر من 14.5 ألف فلسطيني من القدس حتى الآن. وذكرت أن سياسة إلغاء الإقامات المقدسية تطورت خلال ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: 1967-1995: قد يخسر الفلسطيني الإقامة الدائمة في القدس نتيجة إقامته "خارج إسرائيل" (وشرقي القدس) لمدة سبع سنوات، أو نتيجة حصوله على إقامة أو جنسية دولة أخرى.
المرحلة الثانية: 1995-حتى الآن: تم توسيع المعيار السابق ليشمل تغيير "مركز الحياة" خارج إسرائيل أو شرقي القدس، حتى لو أقام الفلسطيني في الخارج لمدة تقل عن السبع سنوات ولم يحصل على إقامة أو جنسية دولة أجنبية أخرى.
وإذا أقام الفلسطيني في الضفة (بما لا يشمل القدس) وقطاع غزة، تعتبر "إسرائيل" أنه "أقام في الخارج"، وقد تلغى إقامته الدائمة في القدس نتيجة لذلك، ومنذ بدء تطبيق هذه السياسة عام 1995، ألغت إسرائيل أكثر من 11.5 ألف إقامة فلسطينية في القدس.
المرحلة الثالثة: 2006-حتى الآن: إضافة إلى معيار "مركز الحياة"، أصبح بإمكان وزير الداخلية الإسرائيلي إلغاء الإقامات لفلسطينيي القدس على أسس عقابية بناء على معيار "خرق الولاء". وبتنفيذ هذا المعيار، أصبح الفلسطينيون الذين لم يتركوا القدس يوما معرضين أيضا لخطر إلغاء الإقامات.
واعتبرت المؤسسات الحقوقية أن سياسة إلغاء الإقامات -بما يشمل أيضا إلغاء الإقامات العقابي-تنتهك بشكل جسيم قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بينما يؤدي إلغاء الإقامات إلى تهجير الفلسطينيين قسريا من القدس، وهو ما يعتبر جريمة حرب بموجب اتفاقية روما الناظمة للمحكمة الجنائية الدولية، وانتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة.
إجراءات غير قانونية
المختص بشؤون القدس الدكتور جمال عمرو، قال إن سلطات الاحتلال أصيبت بالصرع بسبب انتصار المقدسيين الأخير على قراراتها المتعلقة بالبوابات الإلكترونية، مشيراً إلى أن الاحتلال بدأ يفتح ملفات قديمة تتعلق بوجود بعض العائلات المقدسية، ووقف تجديد الاقامات لفلسطينيين من الضفة يسكنون القدس.
وأوضح عمرو في حديث لـ"الرسالة"، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشرعن إجراءات غير قانونية للتخلص من السكان الفلسطينيين في القدس، وذلك بحجج أمنية دون وجود اعتراض من الدول العربية أو السلطة الفلسطينية.
وأضاف: "أن الهدف من كل هذه الإجراءات هو منح المستوطنين فرصاً أفضل للانتشار والتوسع في القدس، مع الاستمرار في اتخاذ المزيد من القرارات للتضييق على المقدسيين وإجبارهم على الرحيل وترك ديارهم للمستوطنين".
وأشار عمرو إلى أن سلطات الاحتلال تميز في التعامل بين اليهودي والفلسطيني، حيث لا تمنع الإقامة للمقدسيين إلا بعد تلبية شروط تعجيزية، من بينها إثبات أن عائلته عاشت بالقدس في الماضي لسنوات طويلة، كما يتم سحب الإقامة منه لأتفه الأسباب مثل عدم سداد الضرائب أو دفع الغرامات أو بسبب مخالفة سلوكية.
وقال "المطلوب من الجهات الفلسطينية الرسمية فضح ممارسات الاحتلال أمام المحافل الدولية، ورفع قضايا ضد قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية كونهم يتخذون إجراءات غير قانونية مخالفة للقانون الدولي".
طرد المقدسيين
بدوره، أكد زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن سلطات الاحتلال تضع عراقيل ومعيقات صعبة للغاية أمام المقدسي الذي يريد الحفاظ على إقامته، وأهم هذه الصعوبات أن يثبت أن القدس هي "مركز حياته"، أي أنها تحتوي على بيته ومقر إقامته.
وأوضح الحموري في حديث لـ "الرسالة نت " أن قانون الاحتلال أدى إلى سحب آلاف الاقامات، منوهًا إلى أن سلطات الاحتلال عاقبت آلاف ممن غادروا القدس سواء للتعليم أو العمل بسحب هوياتهم لأنهم لا يقيمون في القدس.
ونوه إلى أن سلطات الاحتلال تتعامل مع المقدسيين على أنهم مقيمون لغرض السياحة فقط، أو لغرض التجارة، وليسوا أصحاب أرض ولدوا فيها وورثوا هويتهم أباً عن جد.