في المنطقة الوسطى من قطاع غزة ومباشرة على شاطئ مدينة دير البلح يمكنك أن ترى بسهولة تلًا مرتفعًا يمتد بهامة عالية داخل البحر.
والناظر للوهلة الأولى إلى هذا التل المسمى "تل الرقيش" لا يرى سوى الكثبان الرملية المرتفعة، ولكنك إذا دققت النظر ستجد الحجارة القديمة مدفونة في منطقة قريبة من السطح، تفتقد فقط لإمكانيات التنقيب الصحيحة التي يمكنها أن تعيد هذه الحقبات التاريخية إلى الظهور مرة أخرى، في بقعة مليئة بالتاريخ والقصص القديمة التي تدفنها قلة الإمكانيات المتاحة لإخراجها، وأحد هذه المناطق هو "تل الرقيش".
وحسب معلومات وزارة السياحة الفلسطينية يقع هذا التل الأثري كما كثير من المناطق التاريخية في القطاع على الساحل الغربي من مدينة دير البلح على البحر المتوسط، والذي يخبئ أسراراً تعود إلى قرون عدة، وهذا حقيقة ما كشفته عمليات التنقيب في المنطقة التي قامت بها دائرة الآثار الفلسطينية التابعة لسلطات الانتداب البريطاني سنة 1940م حيث كشفت عن وجود مستعمرة تعود للعهد الفينيقي في هذا التل تحيطها أسوار دفاعية ضخمة ويبلغ طولها حوالي(1600م).
وفي نفس المكان الساحلي الممتد على طول النظر عثر أيضًا على مقبرة ذات طابع فينيقي استخدمت لدفن رماد الجثث المحروقة التي يعود تاريخها إلى العصر الحديدي المتأخر وللفترة الفارسية (538-332 ق.م).
ويقول المختصون في التاريخ والآثار أن الجميل في هذه المنطقة ومن الملاحظ أن هذا التل بما تركه من علامات أثرية يوحي بأنه كان في أحد الأيام ميناء بحرياً مهمًا يربط الطريق البحري التجاري القديم الواصل بين مصر وبلاد الشام، وتعود تسميته حسب علماء الآثار بالرقيش لعثورهم في تلك المنطقة على قطع أثرية فخارية مصنوعة من فخار اسمه " الرقيش" ومن هنا اكتسب هذه التسمية، إضافة إلى قطع فخارية فينيقية وقبرصية.
أحمد البرش مدير دائرة الأثار في وزارة السياحة أعطى "الرسالة" بعض التفاصيل عن التل قائلًا : يعتبر هذا التل من أهم المواقع الأثرية في غزة، التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المبكر، وهو من المراكز المصرية القديمة في قطاع غزة والذي يعتبر أحد حصونها بل ويعد مرفأ تجاريًا لها في مناطق الشام.
وتعد الحضارة المصرية هي أقدم حضارة استوطنت في تل الرقيش تليها الحضارة الكنعانية وهذا ما دلت عليه الحفريات والآثار المكتشفة في المنطقة.
ويقع التل شمال وادي غزة الذي يبعد 5 كم جنوب مدينة غزة، على تربة رملية كركارية، بارتفاع 30 مترًا عن سطح البحر، وتميز بالمناعة والحصانة بسبب التحصينات المعمارية التي أنشئت فيه على مدار التاريخ.
ويحكي البرش، أن "تل الرقيش" يؤرخ لحضارة فرعونية ومساحته تبلغ عشر دونمات ويقع على شاطئ البحر مباشرة وهناك اعتقاد بأنه يمتد الى أعماق البحر بصفته ميناء فرعوني قديم، حيث كان هناك تبادل تجاري مع الحضارة الفينيقية القديمة في الشام.
ويضيف : لقد تم العثور على قطع تاريخية مهمة ومنها تمثال ابولو الذي استخرج من شاطئ بحر تلك المنطقة وهو دليل على امتداد الميناء داخل البحر، وعلى وجود الكثير من الأسرار التاريخية التي تحتاج إلى تنقيب.
وعن تنقيبات وزارة السياحة ومحاولاتها في المحافظة على التل يروي البرش أن جميع التلال في فلسطين هي مواقع أثرية تأثرت بالعوامل الطبيعية وعوامل التعرية وبالتنقيب في داخلها ستجد كثيرًا من القطع التاريخية التي تشير إلى حضارة معينة وقد قامت وزارة السياحة بعمل مجسات للتأكد من وجود آثار بهذا الموقع بمساعدة خبراء سويديين عام 2000 وقد استخرجت فعلًا قطع أثرية تدل على حضارات مختلفة.
ويشير البرش إلى أن التنقيب الدائم في الأماكن الأثرية يحتاج إلى كوادر بشرية وخبراء وآلات معينة وامكانيات مادية وهو ما تفتقد وزارة السياحة لذلك تجد الأماكن والتلال الأثرية مهجورة ومهملة باستمرار.