بينما تغيب عين الرقابة، تعمل العشرات من الورش في إعادة تجميع وتدوير بطاريات السيارات دون مراعاة لمعايير السلامة، الأمر الذي يؤدي لإصابة العاملين والمحيطين بهم بأمراض خطيرة قد تصل إلى الفشل الكلوي وحتى مفارقة الحياة.
وازدهر العمل في تدوير وتصنيع البطاريات منذ بداية فرض الحصار على قطاع غزة، حيث باتت مصدراً بديلاً للطاقة لدى الغالبية العظمى من منازل المواطنين بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، فيما تدفع الحاجة العشرات لخوض غمار المهنة رغم خطورتها.
ويستغل أرباب العمل ضعف الرقابة وحاجة العاملين لذا لا يسعون لتوفير أدنى متطلبات السلامة داخل الورش لحماية العمال.
ورغم أن معدة التحقيق رصدت إصابات امتدت لتطال أبناء العاملين والمحيطين بالورش خاصة وأنها موجودة بين السكان وأسفل المنازل، إلا أن أيا من الجهات المسؤولة لم تتفقد الكثير من الورش منذ نشأتها بحسب العاملين، بحجة الأولويات والعمل في الخفاء وكذلك عدم الترخيص.
أمراض بالجملة
ويصاب العاملون في تدوير البطاريات بمرض تسمم الرصاص المادة الرئيسة المكونة للبطارية والذي عُرف بأنه من أنواع التسمم المعدني الناجم عن تراكم الرصاص في الجسم عن طريق التنفس أو الابتلاع، ويعتبر الدماغ هو أكثر الأعضاء حساسية وتضرراً منه.
وتشمل أعراض التسمم آلاما في البطن، والإمساك، والصداع، والتهيج، ومشاكل الذاكرة، وقد تصل للتشنجات والتخلف العقلي والعقم.
الأخطر في التحقيق هو فقدان القطاع لجهاز تحليل الدم للكشف عن نسب وجود الرصاص، وهو ما يدفع الأطباء للابتعاد عن تشخيص التسمم لصعوبة إثبات الإصابة رغم سهولة العلاج.
وينقسم العمل في البطاريات إلى بطاريات جديدة يتم تجميعها من مواد خام مستوردة، وأخرى قديمة يجري تجديدها وتباع بأسعار أقل.
التحري كشف "للرسالة" أن الأخطر في القضية هو فقدان القطاع لجهاز تحليل الدم للكشف عن نسب وجود الرصاص، وهو الأمر الذي يدفع الأطباء للابتعاد عن تشخيص التسمم لصعوبة إثبات الإصابة رغم سهولة العلاج.
الكثير من القصور في معالجة الملف رغم المخاطر الناجمة عنه، دفع "الرسالة" لتبدأ رحلة التحقيق من إحدى الورش الواقعة جنوب مدينة غزة ويعمل مالكها في تجديد البطاريات المستعملة وإعادة بيعها بأسعار تصل لنصف ثمن البطارية الجديدة ما يزيد رواجها بين المواطنين.
ويحرص أبو العبد عطوان صاحب الورشة على حماية جسده -المنهك أصلاً- من الإصابة بالمزيد من سم الرصاص من خلال تجديد البطاريات في ورشته الخاصة بدلا من العمل في تجميع قطع البطاريات الجديدة التي تعد الأخطر بحسب تجربته.
ورغم أن مهمة أبو العبد في حماية نفسه تبدو صعبة بل شبه مستحيلة بعد أن وصلت نسبة الرصاص في جسده 78% بحسب آخر تحليل أرسله لجمهورية مصر العام الماضي، إلا أنه لا يستطيع تلقي العلاج في القطاع بسبب غياب وسيلة تشخيص للمرض، وعدم استعداد وزارة الصحة لعلاجه دون تشخيص دقيق وجديد لحالته الصحية.
ويعاني أبو العبد من خدر عام في جسده نتيجة التشبع بالرصاص بالإضافة إلى غضروف أسفل ظهره، كما تظهر له بين الحين والآخر كتلة متحركة تحت الجلد لا يقوى على الحركة عند ظهورها من شدة الألم.
ويعي أبو العبد مخاطر العمل في تدوير الرصاص إلا أنه لا يجد بديلا لإطعام أبنائه الثمانية بسبب قلة فرص العمل والوضع الاقتصادي السيء في القطاع.
ويقول أبو العبد الذي يعمل في مهنة تصنيع وتدوير البطاريات منذ أكثر من عشرين عاماً أن مخاطر العمل في ورش تجميع قطع البطاريات المستوردة هي أكثر خطورة بسبب صهر الرصاص خلال تجميع القطع واستنشاقه.
ويؤكد أن أيا من أرباب العمل لا يسعى لتوفير سبل الأمان داخل معمله من باب تقليل تكاليف التصنيع، موضحا أن لحم قطع الرصاص يحتاج لسخونة عالية لذلك يلجأ صاحب الورشة لإغلاق النوافذ للحفاظ على حرارة المكان وبالتالي فإن التلوث واستنشاق الرصاص يزداد داخل المعمل.
قضية مهملة
وفي ذات المضمار سلكت "الرسالة" طريقاً آخر للبحث عن الأعراض التي يسببها الرصاص، فالتقت الدكتور محمد أبو ندى رئيس قسم الأعصاب بمستشفى عبد العزيز الرنتيسي وأحد أعضاء لجنة كانت قد شكلت منذ أكثر من 4 أعوام لمتابعة حالات تسمم الرصاص.
الطبيب أبو ندى أكد أن مرض التسمم بالرصاص مهمل بسبب الإمكانيات المحدودة، موضحا أن دراسة أجريت قبل خمس سنوات حول الموضوع وكشفت عن عدد كبير من الأطفال المصابين بتسمم الرصاص وتم علاجهم في حينه.
وذكر أن الدراسة وفرت جهازا لقياس كميات الرصاص وقتها، وبالتالي حصل العلاج للحالات التي شملتها عينة الدراسة، وبناء عليه شكلت لجنة وطنية لحماية الأطفال من الرصاص ضمت البلديات ووزارة الاقتصاد إلا أنها لم تكمل طريقها في حينه.
طبيب الأعصاب جزم أن كل العاملين في تدوير البطاريات مصابون بنسب من تلوث بالرصاص في أجسادهم
وحول أسباب توقف العلاج، قال أبو ندى:" كيف أُعالج بأدوية خطيرة دون توفر جهاز للفحص ومعرفة نسب وجود الرصاص داخل الجسم، من سيتحمل مسؤولية أي مضاعفات؟".
وجزم طبيب الأعصاب أن كل العاملين في تدوير البطاريات مصابون بنسب من تلوث بالرصاص في أجسادهم، مشيرا إلى أن وزارته لا تملك إحصائيات لعدد المصابين بالمرض رغم توقعه بأن يكون عددهم كبير خاصة في المناطق التي تضم ورش لتجميع وتدوير البطاريات.
ويذكر أن الدراسة شملت عينة محدودة لكن من الطبيعي أن يكون عدد المصابين أكثر خاصة في البيئة المحيطة بالشخص المصاب، لكن لم تتمكن الدراسة من معالجة كافة الحالات وقتها ومن المؤكد أن الأعراض تزداد خطورة لديهم مع مرور الوقت.
وأقر أبو ندى أن المسؤولية الأولى في معالجة القضية تقع على عاتق وزارة الصحة ومن ثم على سلطة البيئة المطالبة بالرقابة على شروط السلامة وقياس نسبة الرصاص الموجودة في البيئة.
وبحسب الطبيب فإن وجود الرصاص داخل الجسم يسبب مشاكل عديدة منها "انيميا فقر دم"، وقصر القامة، والتشنجات في الدماغ، وتلون الأسنان والعظم، بالإضافة لحالات التخلف العقلي، كما يتسبب بالفشل الكلوي مع مرور السنوات دون علاج.
الصحة: لا يقتصر خطر البطاريات على العاملين بل يطال مياه الصرف الصحي والجوفية
وعن سبب عدم توفير جهاز الفحص، قال إنه أرسل سابقاً عدة كتب بهذا الخصوص لمكتب وزير الصحة لكنه لا يعلم ما هي أولوياتهم في ظل قلة الموارد والإمكانيات لدى الوزارة.
ويرى أبو ندى أن مشكلة التسمم بالرصاص تحتاج لاهتمام لأنها تعالج في حال التشخيص، داعياً إلى تطبيق شروط السلامة ولو بالحد الأدنى على الورش خاصة وأنها جميعا في مناطق مأهولة بالسكان ويرتادها الأطفال.
حاجة مستمرة
البحث وحديث الدكتور أبو ندى عن دراسة وحيدة أجريت في القطاع قادنا للقاء أحد القائمين عليها وهو الدكتور ياسر النحال أستاذ علم السموم البيئية في الجامعة الإسلامية، وبعد نقاش مطول أكد أن الوضع منذ الدراسة التي جرت منذ ستة أعوام "لم يتغير".
واتخذت الدراسة الوحيدة التي أجريت في القطاع عن قضية التسمم عينة شملت 1705 أطفال تتراوح أعمارهم ما بين عامين و6 أعوام، جرى فحص كمية الرصاص الموجودة في أجسادهم فبلغت تكلفتها 300 ألف دولار.
وقسم القائمون على الدراسة التي استمرت لأربع سنوات الأطفال بواقع 326 طفلا تم اختيارهم من مناطق ساخنة تحوي مسببات المرض من بينها ورش تدوير البطاريات، و1376 تم اختيارهم من أماكن عامة.
مختصون: المسؤولية الأولى في معالجة القضية تقع على عاتق وزارة الصحة ومن ثم على سلطة البيئة
وأظهرت النتائج بحسب النحال إصابة 440 طفلا بالتسمم أي ما يعادل 25.8% من العينة، فيما كانت إصابة 35 منهم إصابة شديدة الخطورة لارتفاع معدل وجود الرصاص بالدم.
وأكد النحال أن أبناء العاملين في صهر الرصاص جميعهم كانوا مصابين بالمرض وتم تحويلهم للعلاج لدى الدكتور أبو الندى بالتعاون مع وزارة الصحة.
ويبين أخصائي البيئة أن الآباء مازالوا حتى اللحظة يعملون في ذات المهنة، مشيرا إلى ضرورة اتباع وسائل السلامة بالابتعاد عن المنازل، والاستحمام في مكان العمل حتى لا يصطحب الأب التسمم إلى منزله.
ومن المؤكد أن أزمات الكهرباء المتلاحقة وساعات الوصل الأربعة جعلت حاجة الناس للبطاريات مضاعفة. وبما أن البطارية سلعة قابلة للتلف، حيث يبلغ عمرها الافتراضي من 6-18 شهراً، فإن الحاجة المتجددة لها يتطلب رقابة مضاعفة.
وقد أظهرت أرقام دائرة التجارة والمعابر بوزارة الاقتصاد، التي حصلت عليها "الرسالة"، أن عدد البطاريات التي دخلت القطاع خلال عامين بلغ قرابة 62 ألف بطارية، عدا عن دخول 73 طنا من مستلزمات تجديد البطاريات خلال العام 2015م وحده، وهو ما يعني تزايد عمليات إعادة تدوير البطاريات رغم الخطر الذي يهدد العاملين وعائلاتهم.
تدفعهم الحاجة
ضيق العيش وارتفاع معدلات البطالة بفعل الحصار الاسرائيلي (المفروض على القطاع منذ 2007) يدفع الشباب للالتحاق بمهنة كتدوير البطاريات، ولا يكترث العمال بمخاطرها في قطاع مكتظ تقدر نسبة البطالة فيه بـ 43%، فيما تبلغ نسبة الفقر 60% بحسب البنك الدولي.
محمد حسن _ اسم مستعار_ أحد هؤلاء العمال يؤدي مهمته في صهر ألواح الرصاص المستوردة وإعادة تجميعها على شكل بطاريات جديدة في أحد المعامل وسط القطاع.
لا يكترث محمد وزملاؤه لرذاذ الرصاص المتطاير حولهم والذي تلونت به أسنانهم، وهو ما يعني بحسب الأطباء وجود نسبة عالية من الرصاص داخل أجسادهم.
لم ينكر محمد أن عمله ينطوي على مخاطر كبيرة، وأنه يعلم أن تلون الأسنان بالرصاص دليل كاف على الإصابة إلا أن قلة فرص العمل تحول دون إيجاد البديل، كما أن صاحب العمل لا يهتم بتوفير أدنى متطلبات السلامة لهم.
جولة ميدانية أجرتها معدّة التحقيق كانت كفيلة بإثبات أن أصحاب الورش لا يلتزمون بأي معايير للسلامة كتوفير قفازات وغطاء بلاستيكي للملابس بالإضافة لشفاطات للتهوية، وكذلك أماكن خاصة للاستحمام للتخلص من الرصاص قبل مغادرة المكان.
ويؤكد محمد أن أياً من الجهات الحكومية لم تزر الورشة التي يعمل بها خلال سنوات عمله الست الماضية.
صاحب العمل رفض التعليق على أضرار مهنته وغياب متطلبات السلامة، قائلاً: "يكفي أني حاصل على ترخيص من البلدية فيما يعمل غيري في الخفاء دون تراخيص".
في ورشة أخرى زارتها "الرسالة" تفاجأت فيها بوجود عدد من أطفال صاحب الورشة في المكان أثناء عمله في تجديد بطاريات السيارات، حيث وثقت كاميرا معدة التحقيق المشهد بعد أن سألت صاحب الورشة عن علمه بالمخاطر التي قد تلحق بأطفاله.
إجابة صاحب الورشة الذي فضل التحفظ على ذكر اسمه أظهرت جهله بالمخاطر التي قد يعانيها أطفاله، معتقدا أن الخطر يقتصر عليه وحده.
جولة ميدانية أجرتها معدّة التحقيق كانت كفيلة بإثبات أن أصحاب الورش لا يلتزمون بأي معايير للسلامة كتوفير قفازات وغطاء بلاستيكي للملابس بالإضافة لشفاطات للتهوية، وكذلك أماكن خاصة للاستحمام للتخلص من الرصاص قبل مغادرة المكان
وتفاجأنا حين أخبرنا أن ابنته البالغة من العمر عاما واحدا قد عانت مؤخرا من تشنج عصبي دون معرفة الأسباب، ويقول صاحب الورشة إن الطبيبة أخبرتهم بالبداية أن الرصاص قد يكون سببا لذلك إلا أنها لم تستطع إثبات ذلك وشخصت ما حدث لأسباب أخرى.
في المقابل وأمام حالة الفوضى في المهنة لم تتمكن "الرسالة" من الحصول على عدد الورش في القطاع لأن غالبيتها غير مرخص فيما يعمل جزء كبير منها بالخفاء هروباً من الرقابة.
تعمل دون ترخيص
ويكشف الواقع عشوائية في منح التراخيص نظرا لتداخل الصلاحيات بين الوزارات والبلديات صاحبة النفوذ. وللدلالة على ذلك تواصلت معدة التحقيق مع بلدية غزة الأكبر في القطاع فتفاجأت بأن الأماكن الحاصلة على تراخيص في مجال البطاريات هي 18 محلا فقط مخصصا للبيع فقط وليس التدوير.
ورغم أن ورش التجديد والتصنيع يجب أن تأخذ ترخيص للمكان من البلديات إلا أن أياً منها لم يفعل ذلك بحسب بيانات بلدية غزة، وبالتالي فهي غير خاضعة للرقابة ولا التفتيش من قبل البلدية.
ويؤكد رشاد عيد من الإدارة العامة للصحة والبيئة في بلدية غزة أن بعض نقاط البيع تلجأ للتصنيع والتدوير إلا أن ذلك مخالف للقانون.
وتشترط البلدية بحسب عيد الحصول على ترخيص وزارة الاقتصاد لأي مهنة فيها تدوير أو تصنيع ليحصل بعدها على ترخيص للمكان من البلدية ومن ثم الرقابة على شروط السلامة. ولفت إلى أن ما يجري هو نوع من التحايل على الشروط، موضحا أن البلدية تخالف في حال ضبطت أي مخالفات، مبيناً أن الدور الأساسي لوزارة الاقتصاد.
وصلت للموت
لقاء "الرسالة" مع أكثر من جهة حكومية أظهر إهمالاً للملف، واعترف العديد من الجهات أنها لم تزر الورش منذ أعوام لقلة الكوادر رغم وجود مخاطر تشمل جميع السكان، وبالتالي هي أحق بالمتابعة.
ولإثبات خطورة الملف، توصلت "الرسالة" لإحدى الحالات التي تسبب لها التسمم بالرصاص بالموت بعد سنوات من العمل في المهنة.
وتؤكد عائلة المتوفى أن الأب كان يشتري الرصاص من العاملين في تدوير البطاريات، لصبه على شكل أثقال في شبكة الصيد، موضحة أنه كان يموت ببطء بسبب تراكم الرصاص في جسده.
وتقول أم محمد هنية زوجة المتوفى أنه لم يعد يقوى على المشي وكان يعاني من آلام شديدة في البطن خلال السنوات الأخيرة قبل وفاته.
لم تتمكن "الرسالة" من الحصول على عدد الورش في القطاع لأن غالبيتها غير مرخص فيما يعمل جزء كبير منها بالخفاء هروباً من الرقابة.
لم يستطع الأطباء تشخيص المرض لدى هنية خاصة أن صور الأشعة كانت تظهر باللون الأسود، فدفعت حالة المريض الطاقم الطبي لإجراء عملية استكشافية أظهرت تلوث جميع أجهزة جسده بالرصاص وتلونها بالأسود.
لكن المفارقة أن أبناء المتوفى لازالوا يعانون من آثار وجود الرصاص في أجسادهم رغم وفاة والدهم من خمس سنوات وتوقفهم عن العمل، وتؤكد العائلة أنها أرسلت تحاليل لأبنائها لجمهورية مصر إلا أنها لم تتمكن من تلقي العلاج بسبب إغلاق المعابر في حينها.
وزارة الصحة من جانبها أكدت على لسان مدير دائرة الصحة والبيئة، الدكتور سامي لبد أن الحصار وانقطاع الكهرباء ساهم في ازدهار مهنة تدوير وتجميع البطاريات وبالتالي تلوث العاملين بالرصاص لعدم أخذهم بشروط السلامة.
التلوث لا يقتصر على العاملين بحسب لبد بل يمتد ليطال مياه الصرف الصحي والمياه الجوفية.
ولعل الخطير في الأمر ما تحدث به لبد عن تحليل المياه الجوفية الذي أظهر زيادة في حجم الرصاص عن الكمية المسموح بها في إحدى المناطق في حي الشجاعية، وأثناء البحث عن الأسباب تبين وجود أكثر من معمل لتدوير البطاريات في المنطقة.
ويشير لبد إلى أن وزارته شكلت لجنة لوضع ضوابط ولوائح تنظيمية بالتعاون مع الوزارات المعنية لإلزام أصحاب المعامل بالشروط والترخيص تلافياً لحدوث تلوث بيئي، مبيناً أن الوزارة أمهلتهم حتى نهاية العام الجاري لضبط أوضاعهم.
في المقابل، نفت الوزرات المعنية أي جهود حديثة لتسوية أوضاع تلك الورش، كما أكد عدد من أربابها عدم زيارة أي من الجهات لهم منذ سنوات.
مهمل منذ عامين
وينص قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنه 1999 في المادة (7) على: " أن تقوم الوزارة (سلطة جودة البيئة) بالتنسيق مع الجهات المختصة بوضع خطة شاملة لإدارة النفايات الصلبة على المستوى الوطني، بما في ذلك تحديد أساليب ومواقع التخلص منها، وكذلك الإشراف على تنفيذ هذه الخطة من قبل الهيئات المحلية".
كما نصت المادة (11) على "أنه لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتصنيع أو تخزين أو توزيع أو استعمال أو معالجة أو التخلص من أية مواد أو نفايات خطرة سائلة كانت أو صلبة أو غازية والمحددة من الجهة المختصة إلا وفقاً للأنظمة والتعليمات التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة".
إلا أن ذلك لا يحدث فعليا وهو ما يشكل مخالفة للقانون لكن سلطة البيئة تذرعت بقلة الكوادر ووجود قضايا أكثر إلحاحا تتابعها الوزارة، كما أن الورش يصعب اكتشافها لكونها تعمل في الخفاء ولا تظهر إلا مكان البيع فقط نظرا لأن طائرات الاحتلال استهدفت عددا منها سابقا.
وبين المهندس محمد مصلح مدير دائرة النفايات الصلبة والخطرة في سلطة جودة البيئة بغزة أن كشف الأماكن يجري عن طريق الصدفة، مشيرا إلى أن خطر البطاريات لا يقتصر على الرصاص فقط بل إن بعضها يحوي مادة الزئبق السامة.
ولفت إلى أن التخلص من البطاريات في مكب النفايات يساعد في تسرب محتوياتها للمياه الجوفية، مبيناً أن 1 جرام من الزئبق يمكن أن يلوث مليون لتر من المياه الجوفية.
التخلص من البطاريات في مكب النفايات يساعد في تسرب محتوياتها للمياه الجوفية علما بأن 1 جرام من الزئبق أحد مكونات البطارية يمكن أن يلوث مليون لتر من المياه.
وأقر مصلح بوجوب تحديد البلديات لأماكن خاصة للتخلص من البطاريات التالفة إلا أن ذلك لا يحدث لأنه يحتاج لجهد وإمكانيات كبيرة وهي غير متوفرة.
وللتخفيف من حدة الأزمة اتخذت سلطة البيئة باتفاق مع وزارة الاقتصاد قرارا بدأ تطبقه مع بداية العام بمنع استيراد أي بطاريات مستعلمة للقطاع لأنها تسبب عبئا بيئيا بسبب عمرها القصير ومخلفاتها التي يصعب التخلص منها.
واطلعت معدة التحقيق على نسخ من مراسلات وجهتها سلطة البيئة للبلديات المعنية للحصول على معلومات حول نقاط بيع وتدوير البطاريات إلا أنها لم تتمكن من حصرها حتى اللحظة، فيما لم ترد بعض البلديات على المراسلات رغم مرور أكثر من شهرين على تاريخ توجيهها.
وبين مصلح أنهم مضطرون للعمل ميدانياً على الملف من بداية الشهر المقبل خاصة بعد إصدار لوائح تنفيذية نشرت مع بداية العام في جريدة الوقائع الرسمية تساعد في تعريف المواد الخطرة المذكورة بشكل عام في القانون وبالتالي سهولة معاقبة المخالفين بالقانون.
ويذكر مصلح أن من أهم المعيقات التي تواجههم هي أن البلديات عند منحها للتراخيص لا تقدر خطورة بعض الحرف أحيانا.
مسؤولية مشتركة
الحاج أبو عوني علون الذي يعمل في مهنة تجديد البطاريات منذ 40 عاما بين أنه يجمع ألواح الرصاص التالفة في أكياس مقابل محله دون إتلافها أو إيصالها لمكان آمن.
وفتحت "الرسالة" عين الدهشة حين علمت أن أبو عوني يتبرع بالدم من وقت لآخر للدلالة على سلامته الصحية، مدعيا عدم تعرضه للأذى خلال الأربعين عاما رغم اعترافه بأنه فقد جميع أسنانه.
معدة التحقيق ودعت الحاج علون وهي تتساءل عن مصير الدم الذي من المؤكد بحسب المختصين بأنه ملوث بالرصاص ولا يمكن اكتشاف ذلك لغياب أجهزة الفحص.
المعنيون أكدوا على ضرورة أحياء قضية التسمم بالرصاص، وإيجاد جهاز التشخيص خاصة أن العلاج هو من حق أي مواطن.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الرسمي، في ملخص دراسة عالمية صدرت في آب/أغسطس 2015 بأن الرصاص مادة تراكمية التأثير، ولفتت إلى أن معدل تعرض الأطفال عالميا للرصاص يسهم سنويا في إصابتهم بنحو 600 ألف حالة جديدة من العجز الذهني، كما يؤدي إلى 143 ألف وفاة سنويا بين الأطفال لكونهم الأكثر عرضه للإصابة.
خطورة الملف وغياب الرقابة وانتهاك معايير السلامة الصحية يفرض على الجهات المعنية تحمل المسؤولية المشتركة إزاء الخطر الذي يهدد صحة العشرات، خاصة أن البطاريات باتت من أولويات الاحتياجات للمنازل الغزية في ظل 4 ساعات وصل للكهرباء.