في خطوة استباقية أقدمت عليها حركة حماس، أعلن وفدها القيادي الذي يزور القاهرة، عن استعداد الحركة استئناف المصالحة مع فتح وحل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة التوافق، والدعوة لحوار وطني لتشكيل حكومة وحدة وطنية وفق مخرجات اجتماعات بيروت واتفاقات القاهرة.
الخطوة السابقة، دفعت رئيس السلطة محمود عباس، لإرسال وفداً بقيادة عزام الأحمد الذي لطالما تصدر مباحثات المصالحة، إلى جمهورية مصر العربية، للجلوس على طاولة المفاوضات التي يرعاها رئيس المخابرات المصرية بعد إرساله طلباً لعباس.
ولا تخفى حساسية الوقت الذي طفا به ملف المصالحة على السطح من جديد، لاسيما في ظل المتغيرات التي تعيشها السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس، إذ قد تدفعه إلى الخضوع لإملاءات القاهرة، التي سبق وقطعت علاقاتها بالأول بعد أن تنصل من اتفاقية سابقة وافق عليها لرأب الصدع الذي أحدثه بحركة فتح مع رئيس ما يعرف بـ"التيار الإصلاحي" محمد دحلان.
السيناريو الذي بدأت ترتسم معالمه بعد أن أبدت حماس مرونة بإمكانية حل اللجنة الإدارية، قد يجبر رئيس السلطة محمود عباس على أن يلبي ما تريد القاهرة الوصول إليه، ويشرع برفع الإجراءات الظالمة على غزة وتطبيق خطوات المصالحة، وفي حال أصر على التنصل فإنه سيضع نفسه أمام 4 تحديات قد تنهي حياته السياسية إذا ما واصل ركوب موجة العناد والتفرد بالقرارات الحاسمة حسب رغباته ومزاجه المتقلب، وهي:
أولاً: العلاقة مع مصر والدول العربية: يخشى رئيس السلطة محمود عباس انقطاع حبل علاقاته مع مصر والدول العربية، بعد أن شهدت هذه العلاقات قطيعة وتوتر غير مسبوق تبعه إيقاف التمويل المالي لخزينة السلطة، مع إلقاء الدول المقاطعة ثقل دعمها في جيب خصمه السياسي محمد دحلان.
وتضع الجهود المصرية محمود عباس أمام خيارين أحلاهما مر، وهما إما الالتزام بما تتمخض عليه تفاهمات القاهرة التي تشهد مرونة واضحة من حركة حماس، وإما التنصل مما تسعى إليه مصر، ما يجعل الرئيس عباس يقع في مأزق قطع شعرة معاوية معها ومن المتوقع أن تتبعها عدد من الدول.
ثانياً: العلاقة الفلسطينية الفلسطينية: فور إعلان حماس عن استعداداتها لتنفيذ التفاهمات، أجمعت الفصائل الفلسطينية على أن حماس ألقت الكرة بملعب حركة فتح لإتمام ملف المصالحة، ووصفت خطوتها بـ "المهمة للغاية" والتي يمكن البناء عليها للخروج من حالة الانقسام الراهنة، مشيرة إلى أن حماس قدمت التنازلات المطلوبة، وتبقى على عباس أن يقابلها.
ويخشى الرئيس عباس، أن يواصل نزيفه السياسي إذا ما جر هذه التفاهمات إلى وحل سابقاتها بإلقائها في سلة مهملاته، فثمة هاجس يخشاه وهو أن تتبع القطيعة العربية بقطيعة محلية من الفصائل التي لطالما استاءت من سياسة التفرد العباسية، في القرارات الحاسمة دون الرجوع إلى الإجماع الوطني.
ثالثاً: إنفراجه مصرية لغزة: العصا الغليظة التي لطالما أثقل بها الرئيس عباس على غزة، وشعر بأنه صاحب السيادة العليا من خلالها، يخشى الرئيس أن تكسرها بوابة رفح البرية، ويعود وفد حماس من القاهرة بتسجيل انتصار سياسي على حسابه، إذا ما أعاد وركل الجهود المصرية.
ومن المتوقع أن ينعكس عناد عباس بالإيجاب على غزة، بحيث تواصل مصر إجراءات تخفيف الحصار عبر بواباتها مع القطاع، ما يضع الرئيس في مأزق كبير يتمثل بتبدد حلمه الذي يسعى إليه، بتمرد الغزيين على حكم حماس بعد أن فاقم الأزمات عليها بمساعدة "إسرائيلية".
رابعاً: كابوس دحلان: يواجه رئيس السلطة محمود عباس معضلة الخصومة السياسية، التي بدأت تجتاح صفوف وكوادر حركة فتح بقوة، ما دفعه إلى فصل أعضاء واتخاذ قرارات حاسمة أحدثت شرخاً كبيراً في الحركة التي يترأسها.
الدعم القوي الذي يتلقاه دحلان من الدول العربية أبرزها مصر والإمارات، قد تدفع القاهرة إلى حجب الثقة عن عباس نهائياً في حال أعاد مساعيها بخفي حنين مجدداً، وإبقاء التعامل مع الأول وتعزيزه.
ولا ينحصر تخوف رئيس السلطة من الإمارات ومصر فقط، إذ يخشى أن تتبعها عدد من الدول العربية في هذه القطيعة في حال أعلنت القاهرة أن عباس يعرقل المساعي التي من شأنها أن تحسن الحالة الفلسطينية، ما يجعل حياته السياسية على المحك وتدخل النفق المظلم، لصالح النائب دحلان الذي يبدي مرونة عالية في العلاقات مع هذه الدول.
وينتظر قطاع غزة عودة وفد حماس الرفيع بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية والقيادي يحيى السنوار إلى القطاع، بعد الحديث عن تفاؤل نتيجة عدد من اللقاءات التي جمعت الوفد بقيادات مصرية رسمية عالية المستوى.
ومن المتوقع أن تكلل جهود وفد حماس بالقاهرة بأحد الأمرين أو كلاهما معاً: وهما: رفع الرئيس عباس يده الثقيلة عن غزة ووقف إجراءاته الظالمة مقابل مرونة حماس، أو زيادة إجراءات تخفيف الحصار من الجهة المصرية، ما يحسن الظروف المعيشية للمواطنين.