استيقظ قاطنو مخيمي صبرا وشاتيلا-غرب العاصمة اللبنانية بيروت-في السابع عشر من أيلول عام 1982، على جريمة إبادة جماعية ارتكبتها عصابات "القتل الإسرائيلية"، راح ضحيتها قرابة الثلاثة آلاف فلسطيني ولبناني نفذت بقيادة مجرم الحرب أرئيل شارون رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الأسبق، ورغم مرور عدة عقود على هذه الجريمة إلا أن ذاكرة الفلسطينيين تأبى نسيانها.
(مجزرة صبرا وشاتيلا)، المصطلح الذي يدل على واحدة من المآسي الكبيرة التي ألحقت بالفلسطينيين منذ أن احتلت "إسرائيل" أرضهم عام 1948م، وشرعت بعدها بارتكاب المذابح والمجازر ليعيش أهلها موجة من المآسي، بدأ مسلسها بالهجرة والقتل والحروب والفقر.
قرار المذبحة
لم يكن للاحتلال أن يصدر قرار ارتكاب مذبحة بهذا الحجم، لولا أنه اتكأ على المتواطئين العرب، الذين ساندوه في تنفيذ كل مخططاته الدموية على مدار أعوام الاحتلال السابقة، فقرار ارتكاب المجزرة الأبرز في التاريخ الفلسطيني، اتخذته آنذاك، لجنة "صهيونية" ثلاثية، تشكلت من رئيس حكومة الاحتلال حينها مناحيم بيغن ووزير الحرب آرئيل شارون ورئيس أركان جيش الاحتلال رفائيل إيتان، وتواطئ حينها مع من سبق ذكرهم الرئيس الحربي لميليشيا القوات اللبنانية إيلي حبيقة الذين كان بمثابة رأس الأفعى والأداة المنفذة للمذبحة.
وقبل بدء المجزرة بيومين وتحديداً مع مساء الرابع عشر من أيلول 1982 عقد القادة الصهاينة الثلاثة اجتماعات تخطيط وترتيب مطولة قرروا بنتيجتها اقتحام المخيمين من قبل القوات الكتائبية. وبعد مرور يوم على ذلك الاجتماع "في 15 أيلول 1982" اقتحمت العصابات الصهيونية الجزء الغربي من مدينة بيروت وطوقت المخيمات.
وبعد يومين وتحديداً في صبيحة 16 أيلول 1982 تمت الدعوة إلى اجتماع حضره القائد الأعلى لقوات الشمال في جيش الحرب الصهيوني الجنرال أمير دوري، وقائد المجلس الحربي للقوات اللبنانية في حينه فادي افرام، وتم بموجبه تكليف أحد كبار المسؤولين الأمنيين في القوات اللبنانية إيلي حبيقة بالإشراف على التنفيذ.
وتكللت الجهود الصهيونية بمساعدة الأدوات اللبنانية المسيحية، بارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا، لتلاقي ردوداً دولية غير مسبوقة خصوصاً أنها ارتكبت بحق المدنيين العزل، حيث سبق ارتكابها إخلاء المقاتلين الفلسطينيين من المخيمات كجزء من اتفاقية وقف إطلاق النار آنذاك.
تفاصيل المذبحة
وحسب المراقبون والمنظمات الإنسانية، فإن المجزرة بدأت فعلياً في الساعة الخامسة من تاريخ اليوم الأسود، إذ أقدمت حينها ثلاث فرق عسكرية، تكونت كل منها من خمسين مجرماً من عناصر القوات اللبنانية المدججين بمختلف أنواع الأسلحة، أقدمت على الفتك بالمدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا.
واقتحمت هذه الفرق مخيمي صبرا وشاتيلا، وانقضت على السكان العزل في مضاجعهم، وبدأت بتنفيذ المجازر وأعمال القتل والذبح بكل من طالتهم أيديهم، دون أن تفرق بين النساء والأطفال، وشهدت الجريمة -التي صنفتها منظمات دولية على أنها الأبشع في تاريخ الإنسانية- قتل النساء الحوامل وإخراج الأجنة منهن ورميها فوق القمامة.
وامتدت المجزرة ليومين، وكانت ساعاتها مملوءة بالقتل والسحل والاغتصاب، تحت تغطية من القنابل المضيئة التي وفرتها الطائرات الصهيونية لمرتكبي الجرائم، وأغلقت حينها الدبابات الصهيونية مخارج النجاة من المخيمين ومنعت دخول الصحفيين ووكالات الأنباء وممثلي المنظمات الدولية الإنسانية إليها.
ما بعد المذبحة
وعلى إثر صبرا وشاتيلا، صوتت الجمعية العاملة للأمم المتحدة في تاريخ 19 ديسمبر عام 1982، بأكثرية 123 صوتاً على الفقرة "د" من قرار 123/37، باعتبار "صبرا وشاتيلا" جريمة "إبادة جماعية".
ودفع ذلك حكومة الاحتلال "الإسرائيلية" لتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا إسحاق كاهن، أن يرأس اللجنة بنفسه، وسميت "لجنة كاهان"، وأعلنت اللجنة عام 1983 نتائج البحث.
وأقرت اللجنة أن وزير الجيش "الإسرائيلي" شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها، كما انتقدت رئيس الوزراء مناحيم بيغن، ووزير الخارجية اسحق شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل ايتان وقادة المخابرات، موضحة أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت.
وأبدى الوزير اللبناني السابق إيلي حقيبة الذي يعتبر الأداة المنفذة للمذبحة، استعداده للإدلاء بشهادته أمام الجنايات الدولية حول مجزرة صبرا وشاتيلا، ما دفع الاستخبارات الإسرائيلية إلى اغتياله في 24 كانون الثاني عام 2002.
ولاقت مجزرة صبرا وشاتيلا مصير باقي الجرائم "الإسرائيلية" التي ارتكبت ضد الفلسطينيين، إذ لاقت تخاذلًا كبيرًا من المجتمع الدولي الذي يجيد التستر على هذه الجرائم، وكل ما يفعله هو تشكيل لجنة تحقيق لغسل ماء وجهه من الضحايا.
ولا تزال دماء ضحايا المجزرة على جدران المخيم، ولا يزال أهله الذين ينهشهم الفقر يتذكرون أدق التفاصيل، مستذكرين كيف كانت السكين تنال من آبائهم والرصاصات تقتلع رؤوسهم.