قليل الكلام.. رابط الجأش أمام سجانه.. دمعته على وشك النزول بين إخوانه.. ملازم للقرآن وطباعه روحانية، أبٌ حنون لكل من عاش معه.
لم أجد وصفاً للأسير المحرر محمد محمد شحدة حسّان الذي رحل بالأمس عن الدنيا يتجاوز تلك الكلمات وإن اختبأت بين حروفها كثير من المشاعر والمواقف.
عند الثالثة من فجر الأربعاء رحل حسّان (61) عاماً بعد صراع مع المرض ورحلة ربع قرن في سجون الاحتلال مختتماً رحلة طويلة من الشوق للحرية والأبناء الذي مضوا شهداء.
وأصيب حسّان بمرض السرطان في الكبد قبل ثمانية أشهر وبدأ رحلة علاج في مستشفيات غزة وصولاً إلى المستشفيات التركية لكن المرض كان قد استشرى في جسده فعاد إلى غزة ولازم العلاج حتى توفي في المستشفى الأوروبي أمس.
ويعد حسّان من أقدم محرري صفقة وفاء الأحرار التي أبرمتها كتائب القسّام مع حكومة الاحتلال في أكتوبر (2011) والتي خرج بموجبها أكثر من 1000 أسير من سجون الاحتلال.
الصديقان
لم يذكر أبو نضال يوماً إلا وذكر معه الأسير المحرر أبو عمران الغول وكثيراً الشهيد عدنان الغول مهندس كتائب القسّام.
وكان حسّان قد التحق مطلع الثمانينات بجماعة الإخوان المسلمين وأسس خليّة عسكرية للمقاومة نفذت عدة مهمات هاجمت فيها جنود الاحتلال وعملاءه حتى اعتقل عام 1987 وحكم بالسجن المؤبد.
فور سماع نبأ رحيل حسّان تبادر إلى ذهني فوراً أبو عمران الذي لم يتأخر في الإجابة على هاتفه النقّال رغم الجلبة من حوله والأهل والأصدقاء منشغلين بإلقاء نظرة الوداع على الراحل في المغراقة قبل نقله للصلاة عليه في المسجد العمري.
أقرب الناس إليه هو أبو عمران الغول الذي أسس معه أول خليّة للمقاومة 1981-1982 برفقة الشهيد عدنان الغول والمناضل ناهض الوحيدي.
ويقول الغول للرسالة:" كانت أول قطعة سلاح نعمل بها هي ملك أبو نضال، وهي كارلو، وكنا قد أخذنا الموافقة عام 1981-1982 من الشهيد إبراهيم المقادمة ببدء العمل المقاوم، ونفذنا عدة عمليات حتى اعتقلنا معاً عام 1987، وتعرّض عدنان أخي للمطاردة وسافر وحكم الاحتلال أبو نضال 330 عاما، ومكثنا في السجون حتى خرجنا في الصفقة 18-10-2011".
منذ نصف قرن أو يزيد تجمع عائلي الغول وحسّان علاقة وثيقة فقد فضّلتا الانتقال جزئياً للعمل الزراعي والمكوث في قرية المغراقة حتى أن أبناء الأسيرين أبو عمران وأبو نضال تصادقا في المقاومة واستشهدا على سنوات متفرقة، وهي علاقة يتمنى أبو عمران ألا تنتهي برحيل أبو نضال.
وأنجب حسّان (5) أبناء استشهد منهم اثنان هما نضال وعمّار وتزوجت بناته الثلاثة من أقاربه وأصدقائه حتى رزق بعدد كبير من الأحفاد.
ويتابع: "أبو نضال أخو صاحبه، فهو مجاهد وصابر ابتلاه الله باستشهاد ولديه، ويحب الإسلام ويبدي صمودا كبيرا في السجون، وقد عشت معه ربع قرن وقوته حديدية وأحبه أكثر من أشقائي، وقد أوصى أن يدفن بجوار أخي عدنان، وأن يوزع ميراثه بشكل عادل".
وكان أبو عمران زار أبو نضال في المستشفى الأوروبي قبل وفاته بساعات، وقد عجز عن تناول الطعام لمدة أسبوع لكنه مع مغيب الشمس تناول الطعام وطلب العودة لمنزله قائلاً: "عند الواحدة فجراً كمان ساعتين سأروح ولم تكد الساعة تصل الثالثة فجراً حتى توفي".
وكان الراحل حسّان قد أوصى أن يدفن بجوار قبر صديق عمره في المقاومة الشهيد عدنان الغول، وأن يوزع ميراثه حسب الأصول الشرعية دون أن يُظلم أحد من ذريته.
والد الأسرى
كل الذين عايشوا حسّان في السجن يجمعون على روحانيته واقتراب دموعه حين يتأثر بمواقف إنسانية أو عدوان متجدد للاحتلال على فلسطين المحتلة وأطفالها.
ويقول خميس عقل الأسير المحرر: "إن حسّان عاش معه عشرين سنة عرفه خلالها رجلاً طيّب القلب سريع الدموع لأي شيء يصيب وطنه".
ويتابع:"لن أحصر عشرات المواقف لنا في السجون لكنه دوماً كان قوياً أمام السجّان وهو في أي موقع يكون يشغله بشكل كامل كقائد، كل الشباب أحبوه ولدينا ذكريات في نفحة كثيرة".
أما أحمد الفليت الأسير المحرر الذي أمضى عشرين سنة في السجون فقد عرف الراحل حسّان عام 1992 وابتسامته لا تفارقه أبداً، وهو دائم التعلّق بأخبار الحريّة وصفقة التبادل، ولطالما لجأ للفليت لمعرفة ترجمات الأخبار العبرية.
ورغم محاولات الأسرى إعفاء حسّان من مهمات الحياة اليومية في السجون مثل تنظيف الحجرات وإعداد الطعام إلا انه كان يصرّ على مشاركتهم ولعل أكثر ما كان يسعده كما يقول المحرر الفليت أن يخصّه زملاؤه بالفلفل الأخضر الذي نادراً ما يتوفر في السجون.
والد الشهداء
في يوم استشهاد ابنه عمّار عام 2003 تسلل العجز إلى كافة الأسرى في سجن نفحة: كيف سيخبروه باستشهاده ابنه الذي قضى في حادث لحظة.
وصول النبأ إلى حسّان كشف عن معدنه الحقيقي حين أبدى صبراً ورباطة جأش وزاد على مواساتهم بأنه كان يتوقع نبأ استشهاده في أي لحظة.
وكانت قوات الاحتلال قد اغتالت ابنه البكر نضال الملقب بـأبي رياض مسئول فرقة القسام في قرية المغراقة جنوب مدينة غزة في آخر ساعة من حرب حجارة السجيل عام 2012.
ومن أبرز كلمات حسّان في السجون لم يبق في العمر مثل الذي مضى، أخشى أن أستشهد داخل السجن، أتمنى أن أتنسم الحرية ولو يوم واحد، وهي كلمات كررها على سمع الكثيرين ومازال يذكرها جيّدا المحرر الفليت.
ويلخّص الأسير المحرر جلال صقر الذي دخل سجون الاحتلال مطلع التسعينات وتعرّف على الراحل حسّان أنه وجد فيه إنسانا صاحب عطاء وحنانا جسّد مرجعيةً لكل الأسرى.
ويتابع: "عشت معه مواقف رجولية تحدّي فيها المخابرات ومصلحة السجون وبادر لمساعدة الأسرى دوماً وكان عامل تجميع لكافة أبناء حماس في السجن يلجئون إليه".
وتوافد المئات من أهل قرية المغراقة والأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار وكل من عاش معه في السجون لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الراحل حسّان الذي ينحدر من أسرة مناضلة قدمت الكثير من الشهداء والجرحى والأسرى قبل أن يصلوا عليه في المسجد العمري ويدفن إلى جوار قبر من أحبّه الشهيد عدنان الغول.