قائمة الموقع

من دكان إلى مكتبة عامة.. لبناني "يستثمر" في حب القراءة

2017-09-28T13:01:54+03:00
اللبناني عبد الله الحلبي السير
بيروت-الرسالة نت

في وقت هجر فيه معظم الناس الكتب، وانصرفوا عنها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، قرر اللبناني عبد الله الحلبي السير عكس التيار، حيث حول محل البقالة الصغير الذي يملكه إلى مكتبة عامة.

قرار تحدى من خلاله الرجل واقعا معيشيا يتطلب مشروعا ربحيا يؤمن كسبا ماديا، وراهن من خلاله على قدرة النسخة الورقية من الكتاب على الصمود في وجه الزحف الإلكتروني.

عكس التيار

حلم إنشاء مكتبة راود الحلبي مذ كان شابا يجوب البلدان، ويقتني منها بعض الكتب التي تشد انتباهه. واليوم، وببلوغه الـ 53 من عمره، قرر تحويل "الميني ماركت" الذي ورثه عن والده، إلى مكتبة عامة صغيرة.

لم يكن تحقيق حلمه بالأمر الصعب، ذلك أن إيمانه بمتعة القراءة وسلطة الكتاب، كان أقوى من استمتاعه بالأرباح التي يوفرها المحل.

أما في ما يتعلق بالكتب والمراجع التي عادة ما توجد بالمكتبات العامة، فاستعان الحلبي بالكتب التي كان يجمعها خلال سفره خارج لبنان حين كان شابا.

فخلال رحلاته المختلفة، كان يحرص على ابتياع الكتب التي تروق له، ويحتفظ بها في مكتبته بمنزله، كما أنه لا يفوت فرصة اقتناء الكتب والصحف من بلاده، ما مكنه من جمع تشكيلة معرفية هامة.

وعن تجربته الفريدة من نوعها مع الكتب، يقول الحلبي للأناضول: "قررت مع عائلتي تحويل المحل الذي يؤمن لنا أرباحا مالية أفضل إلى مكتبة مجانية".

"مكتبة عامة مجانية"، ذاك هو الحلم الأكبر للحلبي. مكتبة كبيرة يرتادها الباحثون عن متعة تصفح الكتاب وقراءته، والمؤمنون بأن النسخة الورقية تظل جوهرة المعرفة الحقيقية.

100 ألف نسخة مطبوعة بين كتب وصحف ومجلات عربية وأجنبية، توثق للتجربة المعرفية والكتابية منذ أربعينيات القرن الماضي حتى اليوم، يحتفظ بها الحلبي بمنزله، فيما تحتضن مكتبته العامة الصغيرة 17 ألف نسخة منها.

"جوهرة" معرفية تنتصب في منطقة "قصقص" الشعبية غرب العاصمة اللبنانية بيروت، وتفتح أبوابها يوميا لاستقبال العشرات من عشاق القراءة والباحثين وغيرهم.

ومع أن الحلبي قال إنه لا يستطيع تقديم رقم دقيق عن زواره يوميا، إلا أن المؤكد بالنسبة إليه أن مكتبته وجهة لـ "جميع الأجناس والأعمار، ممن يأتون إما لتصفح الكتب مجانا، أو تصوير بعض صفحاتها".

وتابع بالنبرة نفسها التي تنضح فخرا بمكتبته: "لا يوجد سن أو جنس محدد يزورنا، لكن الطلاب يشكلون الشريحة الأكبر بلا شك".

بين البعدين الثقافي والمادي

وعن السؤال البديهي الذي يطرحه كثيرون حين يتعلق الأمر بمشروع تثقيفي، وهو كيف لرجل مثل الحلبي أن يؤمن احتياجات عائلته اعتمادا على مشروع غير ربحي؟ قال الحلبي إن "عددا لا بأس به من الأشخاص في لبنان أو خارجه يأتون لشراء الكتب".

وأضاف: "أصبح لدينا عدد جيد من الزبائن الذين يتواصلون معنا عبر صفحتنا الخاصة على فيسبوك وغيره، فنؤمن في معظم الأحيان توصيل الكتب لهم في أي بلد كانوا".

وعلاوة على ذلك يتلقى الحلبي مساعدات من الكتب يقدمها له بعض الناس، حيث لا يتردد في قطع مسافات طويلة حين يقتضي الأمر، من أجل الحصول عليها وضمها إلى مكتبته.

ومع أن للجانب المادي أهمية محورية في حياة الإنسان، إلا أن الحلبي يعتبر أن هناك جوانب إنسانية أخرى بإمكانها أن تطغى على الحاجة المادية، وأن تغني عنها، من ذلك "المتعة التثقيفية"، على حد تعبيره.

وبمجرد الدخول إلى مكتبته، يسارع الحلبي بتقديم القهوة أو الشاي، قبل أن يعرض على زواره خياراته المتاحة.

البعض يفضل الصعود إلى مكان في الأعلى يختلي فيه بكتابه، فيما يختار البعض الآخر الجلوس بين الأضواء الخافتة والموسيقى الهادئة القديمة، ليسبر أغوار رواية تحمله بعيدا.

رائحة الكتب.. "متعة حقيقية"

عدد كبير من رواد مكتبة الحلبي يجمعون على أن لرائحة ورق الكتب خاصية مختلفة، ففيها "روح ودفء" تخلو منها النسخ الإلكترونية "الخالية من الحياة".

خديجة وهب، فتاة لبنانية في الـ 18 من عمرها، قالت للأناضول، إنها تحرص منذ افتتاح المكتبة على زيارتها واختيار ما تحتاجه من كتب قديمة أو جديدة.

وأضافت: "رغم صغر سني، إلا أني أعشق الطراز الكلاسيكي، كما أني أفضل رائحة الكتاب وأوراقه خلال تصفحه".

خديجة التي كانت رفقة صديقة لها، اعتبرت أن "للكتاب قيمة كبيرة لدى أبناء جيلها، وذلك رغم الصورة النمطية التي يروج لها الإعلام الحديث، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تظهر أن الأجيال الجديدة أضحت بعيدة عن الكتب".

وبالنسبة إليها، فإن ما يقال "غير صحيح بالمرة"، وأنها ـ كالكثير من أبناء جيلها ـ تقبل على القراءة بنهم، وتعتبرها المتعة الحقيقية في الحياة".

بدورها، قالت هدى منيمنة (54 عاما) إنها تجد متعتها في البحث بين الكتب القديمة النادرة في مكتبة الحلبي.

وترى هدى أن هذه المكتبة "نادرة من نوعها في لبنان، باعتبار الكم الهائل ونوعية الكتب التي تضمها".

وتابعت للأناضول أن لـ "الكتاب قيمة لا ينافسه عليها أي محرك بحث أو موقع إلكتروني".

وتخصص هدى يومين أو أكثر في الأسبوع لزيارة المكتبة بحثا عن معلومة أو خبر أو مقال أرشيفي، أو عن كتب نادرة تعنى بالتاريخ والأدب.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00