قائد الطوفان قائد الطوفان

في "أم القطف".. رائحة "عسل الفقراء" تجذب زائريها

قرية أم القطف
قرية أم القطف

غزة- ياسمين عنبر

تحت ظلال أشجار الخروب، التي تعتني بها "أم العبد كبها" طوال العام كأحد أبنائها، اجتمعت نسوة "الحارة" التي تقطن فيها، بعد إعلانها عن يوم قطف "ثمار الخروب" وعصرها، موزعين الأدوار عليهن وما فتئن يرددن أهازيج الحصاد التي ورثوها عن آبائهن.

في حاكورة بأزقة قرية أم القطف، تجمعت النسوة في الموسم الذي ينتظرنه طوال العام، في جو يملؤه التعاون والفكاهة، ولا يزال زائرو القرية ينجذبون إلى الحاكورة بدءًا من الخطوة الأولى للقطف وحتى إطفاء شعلة النار وزوال رائحته.

وأم القطف هي قرية فلسطينية تقع جنوبي لواء حيفا، وتتميز بموقعها بين أحضان الطبيعة والأشجار الحرجية المتعددة، وأهمها الخروب والسنديان والبلوط والزيتون المنتشرة بكثرة حولها.

"عسل الفقراء"

خلف قدور طبخ كبيرة تقف "أم العبد" تقلب بقرون الخروب على النار، بعد أن دزت الحطب لإشعالها جيدًا، تجهز لطبخة "الخبيصة"، أو "المقيقة"، موزعة على جاراتها أدوار العمل، فواحدة لقطف القرون وأخرى لطحنه وعصره، فيما يستفزهن جميعًا الجارة التي تصمم على أخذ دور "المتذوقة للطبخة" والتي يسمونها "أم العروس".

"فاضية مشغولة" بهذا المثل بدأ الحاج "عبد الرحيم كبها" (64 عامًا) حديثه مع "الرسالة" عن موسم الخروب، حيث شبه المتذوقة للطبخة بأم العروس التي عرف عنها في القدم أنها توهم الجميع أن على عاتقها "جدول أعمال" كبير، بينما هي في الحقيقة لم يُطلب منها شيء.              

بسعادة كبيرة راح "كبها" يروي طقوس "موسم الخروب" مستذكرًا الطبخات الشعبية التي تصنع من رب الخروب، واصفًا أجواء قطفه وعصره وزوار القرية الذين تجذبهم الرائحة من بعيد فيجتمعون لتناول "المقيقة".

فالخروب كما يقول "كبها" ويسمى أيضًا "الخرنوب"، هو شجر معمر دائم الخضرة، ظله وارف ولا يحتاج إلى كثير من الماء، ويحب الأرض الخفيفة والجيرية، وهي شجرة قديمة، زرعت في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط قبل حوالي (4000) سنة، ويطلق عليه "عسل الفقراء".

و"الصندلاوي" هو أفضل أنواع الخروب، والذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى قرية صندلة شمال جنين، ويضيف "كبها": "بيته هو البحر الأبيض المتوسط وهو من العائلة الفولية له قرون تتفاوت بحجمها وطولها حسب نوعه".

طقوس كثيرة تتخلل "موسم الخروب" وطبخ "المقيقة" ترجع "كبها" إلى "أيام زمان" كما يقول، كالتناوب في السهر، والمحافظة على شعلة النار لا تزيد ولا تنقص بحسب الحاجة، وأهازيج الحصاد التي كان يتغنى به آباؤه وأجداده، وأجملها استقبال الزائرين الوافدين إلى القرية عند اشتمامهم رائحته.

ولعملية إنتاج الرُبّ خطوات كثيرة، يرويها "كبها" بدءًا من "دزّ" الحطب تحت النار طوال النهار، وغلي الماء المنقوع جيدًا، حتى يصبح "رب الخروب" جاهزًا لصنع الأكلات والحلويات والمشروبات.

 تراث ومعتقدات

يقول "كبها": "نحافظ على هذا الموسم حتى يبقى في الذاكرة الفلسطينية لا يغيب"، مدركًا أن عصر السرعة وانتشار الماكينات والآلات في حصد الثمار، أبعد الناس عن طقوس الحصاد الشعبية القديمة، ما يسبب ألمًا لكبار السن الذين يعتزون بذكريات آبائهم وأجدادهم ويعتبرونها هوية لهم.

ويربط "كبها" حلاوة الخروب "ثمره وجذعه" بمعتقد يهودي في قصة شجرة الخروب التي نبتت بباب هيكل سليمان وكانت تلك إشارة للخراب، فيما يعتقد اليهود أن الطعم الحلو للحاء الخروب المصنوع منه "عصا سليمان" أو منسأته هو الذي جذب الحشرات والآفات لأكلها من قبل حشرة "الأرضة" كما يقال.

ولشجر الخروب فوائد كبيرة من ناحية صحية وبيئية وأيضًا لصناعة الأثاث منه لقوته ومتانته، ولعل أكثر من ينتظر موسم الخروب هم مرضى السكري، الذين يتناولونه دون خوف، لدوره في خفض نسبة السكر في الدم، بحسب "كبها".

البث المباشر