"آخر العنقود سكر معقود" كلمات كانت تتردد على مسامع ياسمين موسى ابنة الأسيرة "ابتسام موسى" قبل تغييبها وراء قضبان الاحتلال الظالم، لترى الابنة نفسها كبرت فجأة حين غابت والدتها وأصبحت حياتها فارغة تمامًا إلا من ألم الانتظار.
في زنزانة ضيقة في سجن الدامون، تقبع "موسى" بعد تنقلها بين عدة سجون، لتجد نفسها تعاني ويلات السجن والبوسطة، دون مراعاة لسنها الكبير، وهي على أعتاب الستينات، حيث عمرها ينقص الستين بعام.
بتفاصيل الحياة كافة افتقدت "ياسمين" وإخوتها والدتهم، تقول لـ "الرسالة": "قبل سفرها كانت توصيني كثيرًا وكأنها لأول مرة تغادر البيت رغم أنها تسافر للمرة العاشرة"، تضيف وهي تنظر إلى صورة أمها التي تتربع حائط غرفة الاستقبال: "يؤلمني كثيرًا أن أمي برغم سنها الكبير إلا أنهم لم يراعوا ذلك وأفتقدها في كل الأوقات، وأنتظر تحريرها بصبر فارغ".
أيام عصيبة
وكانت "موسى" وهي من سكان مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، قد رافقت اختها المريضة بالسرطان في عشر رحلات علاج خلال عام واحد، إلى مستشفيات القدس المحتلة، دون مضايقات من الاحتلال، لتأتي الرحلة الأخيرة ويتم اعتقالها، وذلك بتاريخ 19 ابريل من العام الجاري داخل معبر بيت حانون "ايرز" بتهمة الإرهاب.
يرجع عبد الرحمن موسى "زوج الأسيرة" في حديثه مع "الرسالة" إلى الأيام التي تم اعتقالها فيها والتي يصفها ب "العصيبة"، يقول:" أيام عديدة ولم نعلم عنها شيئًا، وبعدها وصلتنا أخبار من مؤسسات حقوقية أنها في سجن عسقلان وذلك بعد ثلاثة أسابيع من اعتقالها"، لتصبح بعد ذلك واحدة من عشرات الاسيرات اللاتي يزج بهن الاحتلال داخل سجونه.
"متى بتفقدوها" لم تعلم "الرسالة" ان الجواب لن يكون محددًا على هذا السؤال، حين أتت إجابة "زوجها:" كل يوم وكل موقف ولا يمكنني الحصر، ونحن نعاني معاناة كبيرة بفقدانها وكل شيء بعد غيابها ناقص في بيتنا"، كيف لا وقد يسميها "نوارة البيت وبركته" كما يحكي.
غياب ووجع
ابتسامة وملامح " ابتسام" كانت حاضرة أيضًا كما الوجع الذي يحضر في الحديث حين شاركت ابنتها "هبة" به والتي أصبح على عاتقها مسؤوليات في البيت لم تتخيلها يومًا، واللافت أنها تتشارك وأمها البسمات الحزينة وقسمات الوجه، تلك الابتسامات التي لم تغب يومًا عن محيا "الأسيرة موسى" كما يقول أبناؤها، وكثيرًا ما رددوا على مسامعها "اسم على مسمى يما".
حفل التخرج التي كانت تحلم به "هبة" يكاد لا يفارقها خلال الأربع سنوات الجامعية، لتصاب بخيبة أمل حين وجدت زميلاتها قد توجن خريجات على منصات التخرج، واكتفت هي "التخرج بصمت" كما تحكي.
حيث لم تشارك حفل التخرج بسبب غياب أمها رغم أنها خلال دراستها الجامعية كانت ترنو لهذا اليوم كثيرًا، إذ احبت أن تهدي عائلتها الفرح لتكافئهم جزءًا من تضحياتهم وعطاءاتهم، تقول: "كل أحلامي في هذا اليوم تبددت وكل مخططاتي المفرحة انقلبت إلى حزن عميق بداخلي".
قاطع الحديث "طفلة" لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، وما فتئت تنظر إلى صورة جدتها "الأسيرة" وتردد "يا رب"، فهي منذ سماعها كلامًا عن جدتها، لتخبر أمها "الرسالة" أنها كل يوم تسال عنها وتبكي، تقول: "كثير من الأشياء قد دخلت في قاموس أطفالنا منذ أسرها فدائمًا يرددون يارب تطلع تيتا من السجن، وكثيرًا ما أراها تمسك صورتها وتنظر إليها".
في فترات متباعدة يسمح الاحتلال لـ "موسى" أن ترسل رسائل مكتوبة بصفحات محددة، تستلمها عائلتها وترسل هي الأخرى "رسالة" لتكون هذه الطريقة الوحيدة الي تصل أخبارها في السجن إليهم.
"الساعة السادسة مساء من كل يوم" تجتمع العائلة حول الهاتف، ويضبطون قلوبهم كما أوقاتهم للحديث عبر برنامج أهالي الأسرى الذي يعد شريان الحياة داخل الزنازين، والذي يعنى بإيصال الأشواق والسلام لهم، ليكون بذلك الأكسجين الذي يتنفسون به.
ولم يكتفِ الاحتلال بتغييب "موسى" عن ناظر عائلتها فقد قدموا طلب زيارة لكثير من المؤسسات الحقوقية التي تعنى بالأسيرات، ولكن "لا حياة لمن تنادي" بحسب قولهم.