قائد الطوفان قائد الطوفان

مسؤول بعثة الحفريات الأثرية الفرنسية في فلسطين

الخبير الفرنسي للرسالة: لم أُجز تجريف تل السكن وما جرى "إبادة"

الخبير الفرنسي جان باتيست، مسؤول بعثة الحفريات الأثرية الفرنسية في فلسطين
الخبير الفرنسي جان باتيست، مسؤول بعثة الحفريات الأثرية الفرنسية في فلسطين

الرسالة نت/شيماء مرزوق- محمود هنية

أكد الخبير الفرنسي جان باتيست، مسؤول بعثة الحفريات الأثرية الفرنسية في فلسطين، أنه لم يقدّم أي استشارة أو إذنًا لأحد بتجريف "تل السكن" الأثري في قطاع غزة.

ووصف باتيست، في أول حديث مع صحيفة الرسالة، عملية التجريف التي تعرّض لها الموقع بـ "الإبادة" لأهم موقع أثري في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنها أدّت إلى تدمير كل أسوار المدينة الأثرية وبواباتها الرئيسية.

وأعرب عن خشيته من أن يطال التدمير قلب المدينة، مشددا على أن عمرها يزيد عن 5 آلاف سنة، وأنها تشبه موقعًا أثريا آخر في إيران "مع فارق أنه يكبر موقع تل السكن بـ 40 مرة، ورغم ذلك حافظوا عليه"، كما قال.

واعتبر أن الموقع من "المواقع القليلة" في فلسطين التي تشهد على بدايات بناء المدن، ويستمد أهميته من موقعه الاستثنائي عند بوابة مصر، التي تستورد القمح من فلسطين ويسبق بناء الأهرامات بألف عام.

وأكدّ أن الضررّ الذي لحق بالموقع الأثري لا يمكن إصلاحه، "لذلك يجب وقف التجريف".

الضرر الذي لحق بالموقع لا يمكن إصلاحه ويجب وقف التجريف

وكانت جهات حكومية قد ادعت أن الخبير الفرنسي أعطى موافقة على تجريف مساحة من "تل السكن" لصالح تعويض موظفين بدعوى أنها خارج منطقة "الحرم الأثري"، وأنه لا مانع من استكمال تجريفها.

وأكد باتيست، الذي كان أحد مسؤولي البعثة الفرنسية التي نقبت في تل السكن عام 1998م، أن الموقع واحد من أهم المواقع الأثرية التي يمكن أن تدرج ضمن قائمة التراث العالمي بمنظمة "اليونسكو".

وأشار إلى علماء آثار في غزة تواصلوا معه؛ "لإنقاذ" موقع تل السكن من التدمير الذي يتعرض له، وقال إنه "رفض بالمطلق أن يتم تجريف التل أو العمل على تدميره، خاصة أن هناك أسوارا قائمة تعود عمرها لـ 5 آلاف سنة، كما تم العثور على جماجم وبقايا أسنان لحيوانات كان يعتقد أنها لم تكن في منطقة الشرق الأوسط إبان تلك الحقبة الزمنية".

وأضاف باتيست: "لا يمكن لأحد أن يستخدم نتائج استشارته كسلطة مصرّح لها بقطع أو مواصلة الأعمال المدنية، لقد أدى التجريف الذي حدث مؤخراً في تل السكن إلى إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه ويجب وقف التجريف، ويجب أن تحدد المسوح السريعة للحفاظ على ما تبقى صالح للاستعمال كعلم أثار".

وتابع: "لا يمكنني أن أكون حريصا على تاريخ الفلسطينيين أكثر منهم، ولا أملك أنا أو غيري إجازة تجريف التل"، مستدركا: "من الضروري تعزيز حماية الموقع من الناحية الإدارية كتراث ثقافي، ويجب على السلطات الإدارية في غزة تنسيق الجهود لضمان استئناف الحفريات الاثرية المنتظمة فيه؛ من أجل اظهار الطابع الاستثنائي له بأكثر الطرق وضوحاً".

وبيّن أنه وعد المسؤولين الفلسطينيين بالتواصل مع جهات دولية ومؤسسات؛ من أجل إعادة التنقيب في المكان، "لكنه تفاجأ أن عملية التجريف لا تزال مستمرة، وقد طالت مواقع كان قد حذّر من الاقتراب منها"، وفق قوله.

وأعرب عن صدمته من هول ما يسمع ويشاهد من عمليات تجريف "لا مبرر أخلاقياً أو وطنياً لها"، على حد تعبيره.

الموقع سبق نشوء الاهرامات بألف عام

وأضاف: "قد يكون البعض اعتبر أن أسهل حل سيكون بتجريف التل الأثري دون أي بحث عن الآثار"، مستدركًا: "لكنّ أن نضحي بهذا التل دون عملية انقاذ للآثار، خطأ فادح من شأنه أن يفقدنا أي مقدرة على التحقق الأثري في المرحلة المقبلة".

ولفت الخبير الفرنسي إلى أنه جرى القيام في عام 1999 القيام بحملة استكشافية بإشراف البرفسور معين صادق وبمساعدة السيد بيير ميرو سشيدجي، "وجرى الإعلان آنذاك من وزارة الآثار بأن المنطقة برمتها أثرية".

وبموجب القانون الفلسطيني فإن وزارة الآثار هي الجهة المخولة بتحديد المواقع الاثرية، وبمجرد إعلانها عن وجود موقع يتم تملكه للدولة ويعوضّ أصحاب الملكية الخاصة التي يكتشف فيها مناطق أثرية.

وجرت عمليات التنقيب على التل لمدة عامين متواصلين وتوقفت مع اندلاع الانتفاضة الثانية، حيث منع الاحتلال الفرق العاملة من مواصلة البحث لقرب الموقع آنذاك من المستوطنات الإسرائيلية.

وبيّن أن عملية التجريف التي تعرض لها الموقع من (جامعة فلسطين وأبراج الضافر ومخصصات الموظفين) قضت على أسوار المدينة وبواباتها الرئيسية، "ونريد أن نحافظ على ما تبقى من التل والذي يعتقد أنه يحتوي على قلب المدينة الأثرية القديمة".

ويشير إلى أن الباجور المستخدم في بناء الموقع يعتبر الأقدم في العالم، ويحتوي الموقع على آثار من حقب تاريخية مختلفة، تبدأ من العصر الكنعاني الذي يسبق نشوء الاهرامات بثمانية قرون.

وتبقى من مساحة التل 31 دونما من أصل مئة دونم، حيث جرى اعتماد هذا الجزء المتبقي كمنطقة اثرية وفق الوزارات المختصة.

وتواصل الجهات الوزارية في غزة منذ 8 أشهر تجريف تل السكن؛ بادعاء أن وزارة الآثار لم تثبت أنه أثري، فيما يؤكد باتيست أنه تم توثيقه على أنه "موقع أثري".

ودعت المنظمة العربية لحقوق الانسان في لندن، الجهات الحكومية بغزة إلى "الوقف الفوري" لعمليات التجريف في تل السكن، وفتح تحقيق بالقضية.

وكشفت صحيفة الرسالة في تحقيق استقصائي مصورّ بعنوان "من وقّع على هدم موقع تل السكن الأثري" تفاصيل صادمة حول الجهات المتورطة في عملية التجريف.

البث المباشر