المراقب لما يجري على صعيد ملف المصالحة الفلسطينية يعتقد للوهلة الأولى أن حركة حماس هي الخاسر الأكبر بعد تقديمها جملة من التنازلات في الوقت الذي لم تقدم فيه حركة فتح أي خطوات إيجابية تكشف صدق نواياها لطي صفحة الانقسام.
ومن المعلوم أن حركة حماس أقدمت على حل اللجنة الإدارية دون شروط مسبقة ووعدت على لسان قيادييها وناطقيها بتقديم المزيد من التنازلات والمفاجآت لتحقيق المصالحة وطي صفحة الانقسام الأسود، وفي المقابل مازالت حركة فتح تتلكأ وتماطل في تقديم أي خطوة إيجابية تؤكد صدق نواياها وتُشعر المواطن بمصالحة حقيقية ولو على الأقل رفع ضريبة البلو عن الوقود المخصص للكهرباء وإعادة رواتب موظفي السلطة كما كانت قبل الخصومات وإلغاء باقي العقوبات المفروضة على قطاع غزة خاصة وان حكومة الوفاق استلمت كافة مهامها وباتت هي المسؤولة عن كافة مناحي الحياة في القطاع.
وربما يتساءل المراقب لما يجري عن المكاسب والعوائد الإيجابية للمصالحة على حركة حماس وهي نفسها التي تدفع (إسرائيل) للشعور بالقلق ودفع الكابينيت "المجلس الوزاري المصغر" أول أمس الثلاثاء لوضع عدة شروط أمام أي حكومة فلسطينية يمكن التفاوض معها، وهي الاعتراف بشروط الرباعية ونزع سلاح حماس وإعادة الجنود الأسرى لدى القسام في غزة.
وفي ميزان الربح والخسارة، فإن الرابح الأكبر من إنجاز المصالحة، هو الشعب الفلسطيني وقضيته، لكن على الصعيد الفصائلي فإن المصالحة تعود بمكاسب على حركة حماس يمكن رصدها على النحو التالي كما يشير عدد من المراقبين والخبراء:
- التخلص من أعباء إدارة قطاع غزة وتحمل مسؤوليته حيث لم تعد اليوم مسؤولة عن إدارة حياة مليوني فلسطيني فيه، وستعود الحكومة الحالية مسؤولة عن إما نجاحها في إخراج غزة من أزمتها الإنسانية أو أنها ستكون مسؤولة عن مفاقمة هذه الأزمة.
- خروج حركة حماس منتصرة إعلاميا أمام منتقديها ومؤيديها، حيث استطاعت أن تظهر للجميع أنها كانت مستعدة لتقديم كل التنازلات التي من شأنها أن تُتمم المصالحة وأن يجري الاتفاق، كما أبدت درجات عالية من المرونة أجبرت المصريين على الاقتناع بأنها لن تكون الجهة المعرقلة للاتفاق.
- حافظت حركة حماس على سلاحها، ما يعني أنها ستكون قوة فعلية ليس تحت الأرض وحدها كما تروج وسائل الإعلام وإنما فوق الأرض أيضا، فالأسلحة التي تمتلكها حماس لن تكون مطروحة للنقاش إلا بعد التوصل لاتفاق سياسي مع دولة الاحتلال، فهكذا كان الوعد المصري لحماس على الأقل.
- استعادة وجودها العلني في الضفة، وحرية حركتها فيها ولو جزئيا بسبب القيود والمعوقات التي يمكن ان تفرضها وتضعها سلطات الاحتلال، وهو ما ستستفيد منه في إطار أي حراك سياسي مستقبلي سواء في مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس أو في لحظة الاتفاق على إجراء الانتخابات العامة.
- سحبت من (إسرائيل) والسلطة وغيرها مبررات استمرار حصار قطاع غزة، وبالتالي أفرجت عن مليوني فلسطيني، وأفرجت أساسا عن نفسها، ما يعني أن حرية حركتها أصبحت أكبر.
- استعادة علاقاتها مع القاهرة وإزالة أجواء التوتر بين الطرفين حيث تم ترجمة ذلك بخطوات عملية على الأرض عبر تعزيز الإجراءات الأمنية على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، وإقامة منطقة عازلة لتحدّ من تسلل العناصر المنحرفة فكريًا.
المصالحة ستمكن حماس من الاندماج في النظام الإقليمي العربي الجديد والذي تبلور بعد الثورات العربية، وهو ماتخشي منه (إسرائيل)، حيث سينخفض سقف مطالب حماس المادية من العرب بعد التخلص من تبعات الحكم في غزة، وهذا بالضبط ما يسمح للحركة بتسويق مواقفها السياسية ضمن أكبر قدر من الإجماع العربي.