نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للمحرر الدبلوماسي باتريك وينتور، يتناول فيه طرق تعامل دولة قطر مع الحصار المفروض عليها، وكيفية توفير المواد الغذائية الضرورية.
ويقول الكاتب إن قطر تتعامل مع الحصار من خلال الحليب والمال وليس العسل، مشيرا إلى جهود دولة قطر في بناء مصانع للحليب، وإنتاج ماركة خاصة، وهي "بلدنا"، التي يديرها الإيرلندي جون دور من كو كيلدر في إيرلندا، الذي التقاه في الدوحة، ويقول إنه شخصية لا يتوقع أحد ان تكون في قلب جهود قطر لمواجهة الحصار المفروض عليها، حيث ذهب معه لاستقبال طائرة قادمة من لوس أنجلوس مرورا بليج في بلجيكا، التي لم تكن محملة بالمسافرين او البضائع، لكن توجد فيها 120 بقرة؛ لتنضم للموجودة في مزرعة مساحتها 60 كيلومترا قرب الدوحة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الأمن الغذائي أصبح ضروريا لبلد يواجه حصارا بريا وبحريا وجويا، فرضته السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، في نزاع جيوسياسي حول اتهامات تمويل الإرهاب، ودور الإخوان المسلمين وإيران، واستضافة كأس العالم.
وتجد الصحيفة أن "قدرة قطر على تحمل الحصار هي امتحان على النجاة ليس من الحصار المادي فحسب، لكنها أيضا سحب الأموال من دول الجوار، مثل السعودية والإمارات، ولو ظل الاقتصاد قويا فإن هناك فرصة لحفاظ قطر على استقلالها، وإجبار السعودية على التراجع، وإن كان هادئا".
ويقول وينتور إن "ناطحات السحاب المنتشرة في الدوحة تظهر أن قطر لا تقوم بعمل الأشياء بطريقة غير ناضجة، وتقوم شركة (باور إنترناشونال) الشقيقة لمزرعة (بلدنا) باستثمار ضخم، وكانت في الماضي تعتمد على السعودية في استيراد الألبان والحليب، وعندما توقف هذا كله بسبب الحصار، كان على قطر أن تعتمد في البداية على منتجات الألبان الإيرانية والتركية".
ويلفت التقرير إلى أن دور يقوم باستيراد الأبقار بمعاملات سريعة من الولايات المتحدة، ويأمل بزيادة عدد الأبقار البالغ عددها الآن أربعة آلاف، التي توفر نسبة 30-40% من احتياجات السوق من الألبان، لتصبح عشرة آلاف بقرة بحلول الصيف المقبل، بحيث تكون قادرة على توفير احتياجات السوق بشكل كامل في بلد يعيش فيه 2.3 مليون نسمة.
وتذكر الصحيفة أنه يتم نقل آلاف الأبقار إلى مجمع ضخم، حيث لا يزال العمال يعملون على الانتهاء من البناء، ويتم علف الأبقار بعلف جاف، ويتم حلبها من خلال آلات متقدمة تعمل على مدار الساعة، مشيرة إلى أن هناك مكانا للفرجة، يسمح للعائلات القطرية التي تريد مراقبة الأبقار، بمشاهدة عملية الحلب، فيما يقوم العمال بالحفر لبناء أكواخ جديدة للماشية التي سيتم إحضارها.
ويقول الكاتب إن المشهد يذكر بمصنع سيارات، مع أنه منطقة صالحة للزراعة، بدأت في مناطق قاحلة في الولايات المتحدة، لكنها تتوسع في الشرق الأوسط.، حيث يقول دور: "كان الحصار أمرا عظيما لقطر على أي حال.. كان صيحة تحذير للبلد كلها، وجعلها تعي للفرصة الموجودة هناك، وليس الزراعة فقط، فنسبة 80% من طعامها يأتي من الدول الجارة، وأحيانا تحتاج لحرب أو تهديد بالحرب لتنظر الدول لأمنها الغذائي، وانظر الى السياسة الزراعية في أوروبا"، ويضيف أن "من أضر بنفسه هم السعوديون، ولو رفع الحصار فلن يشتري القطريون الألبان السعودية بل القطرية؛ بسبب المشاعر المؤيدة لبلادهم والغضب، وأعتقد أن الظرف سيتغير بشكل كامل، والتحدي لنا هو أن ننتج حليبا كافيا، ولو أنتجنا حليبا كافيا لاشتراه القطريون"، ويتابع دور قائلا إن مزرعته ستكون أكثر إنتاجا من المزارع السعودية؛ لأن معدل العمالة لديه هو شخص واحد لكل 75 بقرة، مقابل عامل واحد لكل 45 بقرة في المزارع السعودية، حيث تقف أبقاره على فرش مصنوع من الجلد، وتقوم آلات بإزالة الروث، "وسننتج سمادا كافيا لتحويل قطر إلى منطقة خضراء".
ويعلق وينتور قائلا إن الاكتفاء الغذائي هو واحد من الامتحانات لقطر لتتحمل الحصار، وتخرج منه قوية، وتكون جاهزة لاستقبال عشرات الآلاف من الزوار في مباريات كأس العالم 2022.
ويستدرك التقرير بأنه رغم الثروة الضخمة من الغاز الطبيعي، إلا أن البلد تضرر في الأشهر الأولى من الحصار، وقام المصرف المركزي بضخ 38.5 مليار دولار من الاحتياط البالغ 340 مليار دولار لمساعدة السوق، لافتا إلى أنه رغم تعافي السوق الماضي، إلا أن منحنى ارتفاعه تباطأ مسجلا أدنى مستوياته بخمس نقاط في أيلول/ سبتمبر، بالإضافة إلى أن الدخل العام انخفض بنسبة 0.6% في الربع الثاني من هذا العام، مقارنة مع 2.5% في الربع الأول من هذا العام، بشكل يجعل حجم النمو لهذا العام، بحسب التوقعات بنسبة 2%، وهي الأقل منذ عام 2008، الذي شهد أزمة مالية عالمية، كما انخفض سعر العقارات بنسبة 4.7% في العام الماضي، وهي النسبة الأكبر منذ خمسة أعوام، وقد حصل بعض التراجع في العام الماضي أي قبل الأزمة.
وتنقل الصحيفة عن رئيس هيئة الاستثمار القطرية يوسف محمد الجيدة، قوله إن "المنطقة أضرت بنفسها، حيث كانت منطقة دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر المناطق أمنا في العالم، ومن ناحية السمعة فهي تبدو مختلفة الآن في عيون العالم، وقامت العديد من الشركات بتغيير توقعاتها عن المخاطر"، ويضيف الجيدة: "لقد استقر القطاع المالي، وساعدت الموانئ الجديدة، خاصة في عمان، التي حلت محل جبل علي، وبأزمة أو دون أزمة فإن التباطؤ في النمو يعد صحيا في هذه المرحلة".
ويمضي الجيدة إلى القول: "كنا في السنوات الـ15 الماضية من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم، فأنت تتحدث عن اقتصاد حجمه 6 مليارات دولار في عام 2000، وأصبح عام 2015 بحجم 200 مليار دولار، ولم يتغير شيء أساسي، وحتى الآن لم نؤخر تصدير الطاقة، وحاولت دول الحصار أن تخير الشركات بينها وبين قطر، لكنها تراجعت".
وينوه الكاتب إلى أن وزير المالية علي الشريف العمادي، الذي يشغل المنصب منذ عام 2003، وهو أهم شخصية تقود عملية المقاومة للحصار، شرح الوضع قائلا: "ليس سرا أننا قمنا بضخ سيولة في النظام، وكانت خطورة احترازية، لكننا نعتقد ان السوق قادرة على امتصاص هذه الأخبار السيئة كلها، ومن ناحية السيولة والعملة، فإن السوق قد استقرت الآن"، وأضاف العمادي: "لو نظرت إلى الشهر الثاني من الحصار فإن معدل الاستيراد والتصدير عاد إلى المستويات التي سبقت الأزمة، وشهدنا لشهر واحد انخفاضا بمعدل 40%، لكننا تكيفنا بسرعة، وقد تغير البلد كله في شهر، وبدلا من الاعتماد على مجموعة من الدول أصبحنا نعتمد على 80 دولة، وهبط التضخم في مجال الغذاء، ورغم المعاناة الشخصية التي جلبتها الأزمة، من ناحية العلاقات العائلية ونسيج دول مجلس التعاون الخليجي، فإن هناك العديد من الفرص التي ستخرج من هذا الاقتصاد، انظر للسياحة وقطاع السياحة والأمن الغذائي".
ويقول العمادي إن الاقتصاد سيثبت قوته؛ لأنه كان متقدما على اقتصاديات دول الخليج، من خلال استقباله الاسثتمارات الأجنبية، ويضيف: "لقد اتخذت قطر قبل 20 عاما أصعب خطوة من خلال الاستثمار في الغاز المسال وصناعاته والنفط، وتعاونت مع الشركات الأجنبية، ولدينا الأن (إكسون موبيل)، التي تعمل منذ 20 عاما، وليس قبل عامين، وفي تلك الفترة كان من الصعب إقناع الدول الأجنبية بالاستثمار في مصادرنا الطبيعية، وكان صعبا من الناحية الثقافية بيعها، وقمنا بالاستثمار الكبير في مجال التعليم لأهميته".
ويختم وينتور تقريره بالقول إن "الحصار يدفع (ماركة قطر) لمزيد من الانفتاح ولبرلة قوانين الإقامة، وإلغاء التأشيرات عن 80 دولة، وتخفيض الإيجار للكثير من الأعمال، أما الخطوة القادمة فهي تحويل قطر لمكان يتم فيه التعامل تجاريا مع الكويت وعُمان وإيران وباكستان، حيث يقول الجيدة: (هذا عصر جديد، ونحن مصممون على أن نحول الشدة إلى رحمة)".