قائمة الموقع

"التعليم العالي" في غزة.. تخصصات بلا مستقبل

2017-10-24T06:58:15+03:00
صورة تعبيرية
غزة- أحمد أبو قمر

تتسابق الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في قطاع غزة في ميدان تخفيض معدلات القبول في تخصصاتها، أملاً منها بجذب الطلبة إلى مقاعدها الدراسية، لاسيما في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به، فضلاً عن كثرة الجامعات والكليات التي أصبحت بمثابة مشاريع تجارية خلال السنوات الأخيرة.

وثمة أسئلة يطرحها تزايد عدد المؤسسات الأكاديمية في القطاع، فهل يحتاج طلبة غزة لهذا الكم من المؤسسات الجامعية؟، وما هي الإضافة النوعية التي تقدمها المؤسسات الجديدة؟، وهل يكون مستقبل الطلبة ضحية ضعف بعض المؤسسات وعدم أهليتها لأداء دورها الأكاديمي؟، وماذا عن مستوى جودة التعليم في هذه المؤسسات التي باتت تعمل بمنطق الربح والخسارة ؟

وفي سياق البحث عن إجابات، طرقت "الرسالة" أبواب الجهات ذات العلاقة، متسائلة عن أسباب انخفاض مفاتيح القبول وعن الفوضى التي باتت تحصل في اعتماد التخصصات بالجامعات، وغير ذلك من التساؤلات.

 تضخم مؤسسات التعليم

ويؤكد الأكاديمي سامي عكيلة وجود تضخم في مؤسسات التعليم العالي بقطاع غزة؛ مستدلاً على ذلك بقوله: "ارتفع العدد من 18 مؤسسة في العام 2007 إلى 30 مؤسسة خلال الأعوام التسعة الماضية"، وتابع: "حسب ملخص عام لإحصاءات مؤسسات التعليم العالي في محافظات غزة للعام الدراسي 2015/2016 فقد بلغ عدد الجامعات ثمانية، ثلاثة منها فقط حصلت على الاعتماد من وزارة التربية والتعليم العالي بغزة".

نقابات دعت خريجي التوجيهي لعدم التسجيل في تخصصاتها لتراكم الخريجين

كما بلغ عدد الكليات الجامعية تسعة، منها خمسة حصلت على الاعتماد من الوزارة بغزة، بينما بلغ عدد الكليات المتوسطة عشرة منها أربعة حصلت على الاعتماد من غزة. ومؤخرا يجري الحديث عن افتتاح مؤسسات جامعية أخرى خاصة في محافظة غزة؛ وفق عكيلة.

وأضاف: "حصلت على معلومات بوجود أعداد كبيرة من البرامج الأكاديمية جرى اعتمادها لمؤسسات تعليمية مختلفة في وقت قصير وقياسي، مع عدم مراعاة المعايير الأكاديمية والفنية التي تتضمن الكادر الأكاديمي من ناحية المؤهل والكادر المالي والبيئة الأكاديمية التي لا تلبي الحد الأدنى من الشروط المطلوبة".

ولفت الأكاديمي عكيلة إلى أنه وصل الحال إلى افتتاح فروع لبعض المؤسسات التعليمية في شقق سكنية وحواصل تجارية، وهو ما ينذر بانهيار المنظومة الأكاديمية وتحول العديد من المؤسسات التعليمية إلى آلة تفريخ للخريجين دون إعطائهم الحد الأدنى من المهارات والقدرات المطلوبة لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتهم وليكونوا مؤهلين علميا وعمليا لسوق العمل.

ووفق احصاءات رسمية؛ فإن الجامعات بغزة تضخ أكثر من 30 ألف خريج وخريجة سنوياً للسوق المحلي، في ظل ارتفاع معدل البطالة بين فئة الخريجين الشباب إلى أكثر من 60%.

 كليات استثمارية

"الرسالة" التقت بأحد العاملين في الجامعات حديثة العهد، والتي حصلت على ترخيص وتعمل حالياً في قطاع غزة، حيث أكد -رفض الكشف عن اسمه- أن الكلية التي يعمل بها لا تخضع لأدنى شروط إقامة الكليات الجامعية التي تنص عليها وزارة التربية والتعليم.

ولفت إلى أن الكلية حصلت على الترخيص في فترة وجيزة جدا، وتعمل حاليا في مدينة غزة -في ثلاث حواصل ايجار-، في حين أن انشاء كلية له متطلبات وفق القوانين والأنظمة، موضحاً أنه لا يوجد راسبون في مساقات الكلية التي تعمل بأقل الامكانيات الممكنة، وتقبل أي مدرس يتقدم إليها ويقبل بأقل الرواتب.

مراسل "الرسالة" تجول في فروع إحدى الجامعات التي تستأجر عمارة سكنية من عدة طوابق لا تصلح لأن تكون مبنى جامعيا بسبب عدم مطابقتها مع الشروط.

مؤسسات تعليمية تفتح فروعاً لها في شقق سكنية أو في حواصل مؤجرة

ويفتقر المبنى لمساحة خاصة بالطلبة، حيث توجد قاعات دراسية فقط، كما أن القاعات غير مهيأة بالكامل للدراسة كونها تفتقر للتهوية والاضاءة الجيدة بسبب ملاصقتها للمنازل السكنية.

ويؤكد الطالب سالم عبد الهادي الذي درس في احدى الكليات المرخصة مدة عام كامل قبل أن ينتقل إلى كلية أخرى، أنه ترك الكلية الأولى بعد تيقنه بأنه لم يستفد من تعليمها شيئا، وأنها تهتم بالربح فقط.

ولفت سالم إلى أنه نادرا ما يرسب الطالب في المساقات، في حين لا يهتم الطلاب للحضور أو معرفة المنهاج وكثير من الطلاب ينجحون بعلامات عالية، رغم أنهم لا يقدمون شيئا بالامتحانات.

هدفنا تحسين التعليم

من جهته؛ أكد وكيل وزارة التربية والتعليم لشئون التعليم العالي بغزة الدكتور أيمن اليازوري، أن عدد الجامعات والكليات التعليمية في قطاع غزة بلغ 30 مؤسسة، تنقسم إلى 8 جامعات، و8 كليات جامعية، و10 كليات مجتمع متوسطة، إضافة إلى كليتي بوليتكنك، وأكاديمية دراسات عليا واحدة.

وذكر اليازوري في حديث للرسالة أنه يوجد في قطاع غزة 110 آلاف طالب جامعي، و20 ألف خريج سنوياً، منهم 12 ألفا يحملون درجة البكالوريوس، و6 آلاف يحملون الدبلوم والعدد المتبقي يحمل درجات متفاوتة مثل الدراسات العليا أو البرامج التدريبية.

وعن دور وزارته في ضبط العملية التعليمية، أوضح أن هدفهم هو التأكد من أن كل ما يكتب من توصيف للمساقات ينفذ ويتم حقيقة داخل قاعات التعليم ويحصل الطالب على المعلومات والمهارات المطلوبة التي تفيده في الاندماج مع سوق العمل.

وكيل وزارة التعليم: الوزارة تلزم الجامعات بشروط البيئة الأكاديمية وعدد الأكاديميين المفرغين

وأضاف وكيل الوزارة: "جميع الجامعات التقليدية في قطاع غزة مجازة من وزارة التعليم بغزة ورام الله ما عدا جامعة واحدة، غير أن بعض الكليات الأخرى مجازة من رام الله وبعضها الآخر غير مجاز حتى اللحظة، رغم أن طبيعة المعايير التي تجيز إعطاء الترخيص لها واحدة في الضفة وغزة".

وفيما يتعلق بخطوات وزارته لتحسين جودة التعليم، لفت اليازوري إلى أن وزارته حددت هذا العام الحد الأدنى للقبول في برامج البكالوريوس 65% في حين كانت قبل عامين 60%، الأمر الذي سيعزز جودة التعليم.

ولا يعطي قانون التعليم العالي، الوزارة، الحق في تحديد أسعار الساعات الجامعية، حيث تترك المجال مفتوحا أمام الجامعات في تحديد ذلك؛ وفق اليازوري.

ولو تطرقنا للتخصصات في الجامعات، نجد أن أربع جامعات في قطاع غزة تدرس الهندسة بمختلف فروعها، وتخرج قرابة 800 طالب كل عام دراسي، في ظل حاجة السوق إلى حوالي 50 مهندساً فقط، والباقي يشكل عبئا على سوق الخريجين.

وفي كليات التربية، تخرج جامعات غزة أكثر من 40 ألف خريج، فيما يحتاج سوق العمل سنوياً فقط إلى 500 معلم في مدارس الحكومة والوكالة والمدارس الخاصة.

يشار أن نقابة أطباء الأسنان حذرت العام الماضي الطلبة من الالتحاق بتخصصها في الجامعات الفلسطينية، وذكرت في بيانها أنه يوجد نحو 1000 طالب طب أسنان في الجامعات الفلسطينية، "مما يعني أن نسبة البطالة في أطباء الأسنان بفلسطين سوف تزداد في السنوات المقبلة، لتصبح طبيباً لكل ألف مواطن، وهي نسبة مرتفعة جداً".

ووفق المقاييس العالمية، فإن المتوسط يتمثل في طبيب لألفي مواطن.

أكاديمي: نعاني من تضخم في عدد الجامعات وفتح فروع في شقق سكنية

الخبير والأكاديمي في مجال التعليم الدكتور زاهر كحيل أكد أن الكثير من التخصصات الموجودة في الجامعات الفلسطينية بحاجة لإعادة هيكلة بما يتوافق مع متطلبات السوق.

وقال كحيل في حديث لـ "الرسالة": "نحن بحاجة لخطة استراتيجية للتعليم العالي تجمع رؤساء الجامعات والخبراء ونخرج بتوصيات ومقترحات حول حاجتنا خلال السنوات الخمس المقبلة".

ودعا الجامعات للتخصص في أمور دقيقة وجديدة المجتمع بحاجة إليها، "فلا يعقل أن يكون لدينا 3 آلاف خريج تربية وكل سنة نخرج بخمسة آلاف خريج جديد، حتى تخصص الهندسة فنحن بحاجة إلى تخصص الهندسة ولكن بفروع مختلفة جديدة كالهندسة الجينية والحيوية وغيرها".

ولفت كحيل أنه يوجد عدد من الكليات يجب أن تغلق فوراً، بسبب أنها كليات تجارية وتعمل على تشويه التعليم ولا علاقة لها بالجودة ولا تقدم خدمات صحيحة.

وشدّد على ضرورة تكوين مجلس مرجعي لحملة الأستاذية من الجامعات والكليات المختلفة، وكذلك القطاع الصناعي والنقابات يشرف على الخطط والمناهج المطلوبة.

ويرى أن طواقم وزارة التعليم بالضفة وغزة بحاجة للتغيير، لأن أغلبهم لم يعملوا في جامعات ولا يعرفون حيثيات التعامل مع الأكاديميين، داعيا لاستبدالهم بمن عملوا بالجامعات من أكاديميين، وفق قوله.

وطالب الوزارة بإجراءات تصحح من الجودة وتعمل على تطويرها، وفتح التخصصات التي تفتقدها الجامعات في غزة دون تكرير لتخصصات موجودة.

 مفاتيح القبول

وبالحديث عن مفاتيح القبول في أكبر جامعتين في غزة، نجد أن قبول الطلبة بالجامعة الاسلامية عام 2008 كان كالتالي: (كلية طب وجراحة 97.5، كلية الهندسة 84، كلية تكنولوجيا المعلومات 75، كلية التمريض 75، كلية الآداب لغة انجليزية 80)، في حين أصبحت هذا العام كالتالي (طب وجراحة 96.6، كلية الهندسة 80، تكنولوجيا المعلومات 65، كلية العلوم 65، التمريض 70، آداب لغة انجليزية 70).

إداري بإحدى الكليات: الكلية أقيمت كاستثمار دون مراعاة لشروط انشاء الكليات

أما في جامعة الأزهر عام 2007 فكانت مفاتيح القبول كالتالي: (كلية الطب 98، كلية طب الأسنان 97، كلية الصيدلة 92، كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات 80، كلية العلوم الطبية التطبيقية 70)، في حين أصبحت العام الحالي (كلية الطب 97، كلية طب الأسنان 94، كلية الصيدلة 90، كلية الهندسة 75، كلية العلوم 65).

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية والتعليم العالي، أصدرت عام 2003، قرارا يحدد الحد الأدنى للقبول في برامج البكالوريوس بـ 65%، غير أن بعض الجامعات تجاوزت في الأعوام الماضية هذا القرار استنادا على قرار وزاري أصدره وزير التعليم بغزة محمد عسقول عام 2010 الماضي، قبل أن ترجع حكومة التوافق، لاعتماد القرار الأول.

وفي مقارنة بين واقع مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة والضفة المحتلة، يتبين أن عدد مؤسسات التعليم العالي في الضفة 35 مؤسسة موزعة على 11 محافظة تخدم أكثر من 3 ملايين نسمة، بينما عدد المؤسسات المناظرة في قطاع غزة 30 موزعة على 5 محافظات وتخدم 2 مليون نسمة.

كما أن عدد الجامعات في الضفة 9 موزعة بحيث لا يكون أكثر من جامعة في المحافظة الواحدة، بينما نجد جل جامعات القطاع الثمانية تقع في مدينة غزة.

ومن الأرقام السابقة يتضح، كثافة عدد المؤسسات التعليمية نسبة لعدد السكان وعدد المحافظات وبالتالي تشبع القطاع بعدد من المؤسسات التعليمية بمستوياتها المختلفة ونقص الحصة السوقية من أعداد الطلبة من خلال توزيعها على عدد أكبر من المؤسسات، أضف لذلك ضعف الإيرادات وبالتالي القدرات التشغيلية مما قد يؤثر على ديمومة هذه المؤسسات.

طالب: تركت الكلية لعدم الاستفادة من مساقاتها واهتمامها بالربح فقط

في حين أكد اليازوري أن 98% من مؤسسات التعليم العالي التي تعمل في غزة، تلتزم بالمعايير الكاملة التي تضعها الوزارة.واستدرك: "يوجد بعض الإشكاليات ولكن قليلة جدا، فهناك مجموعة مؤسسات لا تنطبق عليها الشروط بالكامل ولكن الطلاب قليلون بها ولا يوجد بها تخصصات كثيرة والبرامج المرخصة بها هامشية وغير معتبرة".

وأشار إلى أن الوزارة تلزم الجامعات بشروط البيئة الأكاديمية وعدد الأكاديميين المفرغين وغيرها من الشروط.

وعن الإجراءات التي تتخذ ضد المخالفين، قال اليازوري: "يتشكل فريق فني من وزارة التربية والتعليم ويفحص مخالفات أنظمة التعليم العالي، وفريق هيئة الجودة والاعتماد ويفحص الاجازة للمؤسسة وشروط ترخيص البرامج، ومن أكاديميين ومختصين، لفحص شروط الاجازة من المؤسسة والفريق الثالث وهو فني لفحص البرامج والمساقات ومخرجاته وبذلك تتكامل الصورة".

وبموجب القانون تمنح المؤسسة التي يوجد بها مخالفات 6 أشهر لتحسين أوضاعها، وبعد ذلك يعاد تقييمها، وفي حال استمرت المشاكل يتم سحب الترخيص لبعض من برامجها واتخاذ تدابير أخرى بحقها.

ونفى اليازوري وجود تخصصات غير معتمدة في المؤسسات، "ولكن المشكلة تتمثل في المعايير التي تلتزم بها المؤسسات بعد الحصول على الترخيص، فهنا تكمن المشكلة ونعمل على متابعتها باستمرار".

وفي بيان لها وصل "الرسالة"؛ أكدت وزارة التربية والتعليم العالي بغزة، أنه لن يتم التصديق نهائيا على الشهادات الصادرة عن الجامعات والكليات غير المعترف بها من وزارة التربية والتعليم العالي في غزة.

35 جامعة بالضفة موزعة على 11 محافظة، و30 بغزة موزعة على 5 محافظات

ولفتت الوزارة إلى أنه لن يتم التصديق على التخصصات والبرامج التعليمية غير المعتمدة من هيئة الاعتماد والجودة بالوزارة، حتى لو كانت صادرة عن جامعات وكليات معترف بها.

ودعت الوزارة جميع الطلبة إلى التعرف على الجامعات والكليات المعتمدة والبرامج التعليمية المرخصة من خلال "بنر" الدليل الإرشادي لخريجي الثانوية العامة 2017 أو أيقونة خدمات التعليم العالي عبر موقعها الإلكتروني.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00