قبل ساعة الغروب بقليل، يتجمع رامي ظاهر وأصدقاؤه على شاطئ بحر غزة، وتحديداً بالقرب من الحدود الشمالية للقطاع بالمنقطة التي تعرف بشاطئ (دوغيت) الذي اكتسب تسميته من مستوطنة الاحتلال الزائلة عام 2005م.
قصبة صيد يتجاوز طولها الأربعة أمتار بقليل، المعروفة باسم (السنارة) وحقيبة أدوات تحمل على الكتف، كل ما يحتاجه الأصدقاء الأربعة لقضاء ليلة كاملة على الشاطئ، إلا أن ساعات الليل الطويل، تدفعهم إلى إضافة إبريقي الشاي والقهوة وشيء من الطعام إلى متاعهم.
"الرسالة نت" أمضت الثلث الأول من الليل بين هواة صيد القصبة، الذين يتواجدون في تلك المنطقة بكثرة، كونها تبتعد عن مصبات "المجاري" بمئات الأمتار، وتتوافر بها جزء من الشروط اللازمة لعملية الصيد، مثل تواجد الصخور التي تعتبر مرتعاً للأسماك المتنوعة.
المتمعن في الطريقة التي يصطاد بها "رامي"، يعتقد أن عملية الصيد أمر يسهل على أي شخص ممارسته، فكل ما يحتاجه فقط تركيب طعم الأسماك في صنارة الصيد، ثم إلقاؤها عن طريق القصبة إلى أبعد مسافة من الشاطئ لينتظر التقطاها من الأسماك، ثم يعود بسحبها عن طريقة آلة يدوية مثبتة أسفل القصبة".
حين حاولت "الرسالة" أن يعيد ما يفعله الأربعيني، اصطدم بعراقيل أفشلت المحاولات الأربعة التي نفذها، ليكشف أن الخبرة التي يمتلكها أتت بعد عدة أعوام قضاها رفقة والده الذي غرس فيه حب هواية الصيد بالقصبة منذ سن المراهقة، ومنذ ذلك الزمن البعيد لم ينقطع عن الصيد بنفس الأدوات التي أورثتها لها والده.
وبالرغم من شح الأسماك في البحر، بسبب الصيد الجائر الذي يمارسه مئات الصيادين الذين ينتشرون على الشاطئ، إلا أن رامي ورفاقه ينجحون أحياناً -بحكم خبرتهم الكبيرة- باصطياد كميات وافرة من الأسماك تقترب من الـ 10 كيلو غرام، وأحياناً يعودوا بخفي حنين بعد ما يزيد عن الـ 12 ساعة صيد متواصل.
وعن الدافع من اختيار "رامي" وصيادو القصبة ساعات الليل للصيد، يكشف المعيل لأربعة أبناء أن الأسماك تتحرك بشكلٍ أكبر في وقت العتمة وتخرج من جحورها التي تتوسط الصخور، كما أن الظلام قد يعيق رؤية السمكة للسنارة ما يجعل فرص صيدها أكبر.
وتعتبر ديدان البحر ذات اللون الأحمر، الطعم الرئيسي الذي يستخدمه صيادو القصبة، ويخبرنا رامي أنه أمضى ساعات طويلة هو وزملاءه خلال فصل الصيف في استخراجها من صخور البحر، والآن يستعملها بعد أن قام بتخزينها باستخدام الملح داخل ثلاجة المنزل، كاشفاً بأن لديه مخزون يكفيه حتى فصل الصيف القادم كي لا يحتاج للنزول إلى الماء خلال الشتاء.
ويتسلح صيادو القصبة الأربعة، بملابس من نايلون حتى لا يقرصهم البرد وقت ساعات الفجر، ويستخدموا كشافات إنارة مثبتة على رؤوسهم حتى يستطيعوا أن يشاهدوا ما يتم اصطياده ويسهل عليهم وضع الديدان في السنارة.
وبالرغم من أن صيد القصبة لا يعد المهنة الأساسية لرامي ورفاقه، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع، تجعلهم يمارسونها باستمرار، متأملين أن تعود عليهم هوايتهم بمردود مالي ولو كان بسيطاً.
وعندما يكون الصيد ناجحاً يتقاسم الأصدقاء ثمن الأسماك المصطادة ويخرج كل شخص بمبلغ يزيد أو يقل عن ال 50 شيكلا بقليل.
وتعد أسماك الصروص والدنيس والمرمير والجرع، الفريسة التي يقصدها صيادو القصبة كونها تتغذى على الديدان التي يستعملوها في طعمهم، إلا أن سمكة الصروص هي الأكثر انتشارً على الشاطئ، وتباع بثمن مناسب.
وفي نهاية الحديث يكشف رامي عن أكبر سمكة تمكن من اصطيادها على القصبة، فهو يخبر أنه قبل ثلاثة أعوام اصطاد سمكة جرع تجاوز وزنها الـ 4 كيلو جرام، وباعها بمبلغ 200 شيكل.