لم تمر محاولة اغتيال القيادي "توفيق أبو نعيم" كحدث عادي وقع في قطاع غزة، بل سرعان ما توافقت الفصائل الفلسطينية وبعض الجهات الخارجية كالمخابرات المصرية للتدخل سريعا والوقوف على ملابسات القضية، فهو يمتلك شخصية لها ثقلها في الداخل والخارج لجهوده في ضبط الأمن باعتباره رئيس لقطاع الشؤون الأمنية ووكيل لوزارة الداخلية والأمن الوطني.
وتأتي محاولة اغتيال المحرر "أبو نعيم" بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على عملية اغتيال مازن فقهاء زميله في الأسر، عدا عن أنها تأتي خلال فترة وجيزة على عملية المصالحة مما وجه أصابع الاتهام صوب الاحتلال الاسرائيلي بالوقف خلفها.
عدة دلالات ورسائل تحملها عملية الاغتيال الفاشلة خاصة أنها جاءت في هذا التوقيت، فيقول الكاتب جبريل عودة في مقال له أن هناك عدة أهداف تنطوي تحت العملية أولها استهداف حالة الاستقرار الأمني التي يعيش فيها القطاع، ونشر الفوضى، وإرباك الجبهة الداخلية، وفتح باب الشائعات التي ترمي إلى ضرب الوحدة الفلسطينية.
وأكد أيضا على أن العملية تأتي لضرب جهود إنجاز المصالحة، وإبطاء عملية تسلم الحكومة مهامها في غزة، علمًا بأنه بعد أيام ستتسلم الحكومة أهم الملفات (المعابر)، واللواء أبو نعيم بإدارته وحنكته عنصر مهم في عملية تسلم المعابر وتسهيل الأمر.
ويرى جبريل في مقاله التحليلي، أن عملية توجيه ضربة إلى حماس والمقاومة في غزة، بعملية اغتيال شخصية أمنية مهمة في القطاع، لإشغال المقاومة عن جبهة الاستعداد إلى مواجهة العدو بالانكفاء على حماية النفس.
ويعد اللواء "أبو نعيم" من الأسرى المحررين ضمن صفقة وفاء الأحرار بعدما قضى 22 عاما خلف القضبان، مما يشير إلى أن حادثة الاغتيال قد تكون رسالة لحركة حماس تسبق أي صفقة جديدة للأسرى.
وحول ما سبق يشير جبريل إلى أن الحادثة قد تكون لمحاولة الضغط على حماس في ملف الجنود الأسرى، برسالة مفادها أن قيادات حماس ومحرريها في "وفاء الأحرار" عرضة للاغتيال، إذا لم تتنازل حماس عن موقفها وشروطها.
يذكر أن أبو نعيم أحد أبرز المساندين والمدافعين عن الأسرى في سجون العدو، إذ يترأس مجلس إدارة جمعية واعد للأسرى والمحررين.
كما ويؤكد الخبراء أن طريقة التنفيذ تشير إلى وقوف الاحتلال خلف العملية خاصة وأن الأشخاص زارعي القنبلة متمرسون في عمليات الاغتيال، وفي هذا السياق يقول مأمون أبو عامر المختص في الشأن الاسرائيلي "للرسالة" بأن ما جرى يشبه ما وقع مع الشهيد فقهاء حينما قام شخص منحرف فكريا استغلته "إسرائيل" لتحقيق أهدافها.
ويشير أبو عامر إلى أن محاولة الاغتيال الفاشلة تأتي في عدة سياقات الأول هو أن اللواء "أبو نعيم" أسيرا محررا ويتولى موقعا قياديا في حماس مما يجعله هدفا قويا لاستهدافه، مبينا أن "إسرائيل" المستفيد الأول فهي تحاول تخريب المصالحة وخلق حالة من الفوضى والفراغ لخلط الأوراق واعاقة المصالحة الداخلية.
وبحسب رؤيته فإن، "إسرائيل" تسعى إلى احياء جماعات الفكر المتطرف في قطاع غزة خاصة في الآونة الأخيرة بعدما أثبتت الأجهزة الأمنية بقيادة "أبو نعيم" ضبط الأمن وعدم اختراق الحدود، لذا قد يكون الاحتلال محرك تلك الجماعات كما حدث مع فقهاء حينما استغلت "إسرائيل" جماعة الفكر المتطرف لاغتياله.
ولم يذهب أبو عامر بعيدا في تحليله، حينما توقع أن تكون عملية الاغتيال مقصودة لتكون رسالة إلى الأسرى داخل السجون بأن مصيرهم بعد الحرية "القتل" كما فقهاء ومحاولة اغتيال أبو نعيم.
قد يطرح البعض التساؤلات عن أسباب محاولة اغتيال اللواء أبو نعيم نظراً لوجود شخصيات أخرى تبدو أكثر حساسيّة للجانب الإسرائيلي، وهنا يوضح أبو عامر أن استهدافه يأتي كونه شخصية مجمع عليها وطنيا وخارجيا لما أثبته من مهنية في عمله الأمني في قطاع غزة، كما وانه لاحق أدوات الاحتلال الذين نفذوا عملية اغتيال فقهاء واعدمها.
وعلى ما يبدو فإن الجهة التي تقف خلف عملية الاغتيال هدفها العبث بالوضع الداخلي وارباك الساحة الفلسطينية باستهداف اشد المؤيدين لإنهاء الانقسام.