قائمة الموقع

قصة قصيرة بعنوان: مُطلّقة

2010-07-14T13:24:00+03:00

بقلم: رشا فرحات

خرجت تجر وراءها طفليها..تبلل خديهما دموع الخوف مما جرى، الساعة الآن متأخرة، والشوارع باتت فارغة من أصحابها، لا احد في ذلك البيت أوقفها أو منعها من الخروج ، ولو من باب الحياء..لا تدري إلى أين تذهب، كل ما تحمله بيدها بعض من القطع النقدية التي لا تكفي طفليها خبزا للعشاء، سارت مسافة طويلة، دون أن تشعر، وحبال طويلة من الذكريات المخيفة تمر أمام عينيها فتلتوي حبال الفكر وتتوه خلف ستائر التردد، فتقدم رجل وتؤخر أخرى...إلى أين ستذهب امرأة مثلها في مثل هذه الساعة..مطرودة تجر أذيال الخيبة وبعض علامات من ضرب مبرح أخذت موقعها فوق أكتافها، وثوب اتسخ حينما دفعتها تلك الأيدي لتسقطها في منتصف الشارع مطرودة تلاحقها سيول من الشتائم والسباب وتختمها كلمة" طالق" لتحرم ما تحرم عليها من حياة وعودة إلى ذلك البيت الكبير الذي دخلته قبل أربع سنوات عروسا ممشوقة تحسده عليها كل العيون المحدقة إلى ذلك الجمال الباهر..

كانت محط أنظار أهل الحي في كل مرة تطل بها عيناها من ذلك البيت القديم ذو الغرفتين، حينما ملئت حياء وبهاء، وعزة رغم فقرها المدقع .. زادت من طلتها البهية وجعلتها حلما يتغنى به كل شباب الحي، بلباس المدرسة القديم تذهب وتغدو منذ ثلاث سنوات حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة، بذلك المجموع المرتفع والذي ما فتأت تسعى إلى حصده مع معرفتها الكاملة بأن الوصول إلى مدرج الجامعة هو أصعب ما تحلم به فتاة في مثل ظروفها، فوالدها يعمل طول الشهر بوابا لدى إحدى العائلات العريقة في المدينة، ويسهر ليلا نهارا مقابل دراهم معدودة تتلقفها الأفواه المنتظرة كل شهر، فتضيع قبل أن تمسكها يداه، فمن أين لها أن تحلم بالوصول إلى مدرج الجامعة، في بيت ذو غرفتين قديمتين تبللها مياه الأمطار شتاء وتحرقها حرارة الصيف فتلتهب تلك الأجساد الملقحة في منتصف المنزل والتي تنتظر فرصة للخروج هربا من هذا القدر المؤسف.. فأي أحلام تلك التي ستتسلل إلى فراشها ليلا، وهل لها حق في أن تحلم ...

اختصرت طريقها موافقة على رأي والدتها" شو بدك بالعلم والي بتعلموه، هي اجاكي عريس بدو يفرشلك الأرض رمل"

كان يوما مفعما بالسعادة ذلك الذي سينتشلها به ذلك الزوج المقتدر الذي أغدق من ماله على والديها فملأت عيناهما بريق تلك الإغراءات المبهرة فزوجاها له دون تردد، وهي قبلت أملا في غرفة نظيفة ذات سقف مصبوب يحميها من مطر الشتاء، وملبس دافئ ومأكل مثل بقية البشر، زهدت في مطلبها، فأهانتها تلك القلوب الجاحدة ..وزفت إلى عريسها فقيرة مفعمة بالحياة، تتطلع إلى حياة رغد زهيدة، بأحلام بسيطة .. طالما حلمت بها ...

ها هي اليوم تسير في ذات الشارع عائدة هذه المرة، بخفي حنين ..إلا من طفلين يتشبثان بثوبها المتسخ الممزق، ويبكيان فزعا من أب لم يقدر جمال تلك المرأة وقناعتها بأقل ما يقدم لها، فكان غادرا مثل هذه الدنيا، ضرب وإهانة وذل وحرمان، لزوج سكير سيء الأخلاق.. لا يعرف طريقا لمرضاة الله...

دخلت من ذلك الباب القديم..مددت جسدها النحيل إلى جانب أكوام اللحم التي لم تغير مكانها، وفوقها طفلين لم يتوقفا عن النحيب والعويل...فقر مدقع يلف ذات المكان، لا أمل، لا مال، لا طعام يسد الأفواه المنتظرة..وهي بكلمة "مطلقة" عادت..لترمي فوق كاهل هذه الأجساد هما جديدا لا يطيقون حمله أو الالتفات إليه

فما هي صانعة بهذه الأقدار..

نظرت إلى تلك القطع النقدية الزهيدة التي ما زالت تصرها بين يديها...والتي اعتبرتها ثروة قبل دقائق..وحملت طفليها وخرجت منطلقة عائدة من حيث أتت..لعل بكاء أطفالها ورجاءها يعيدها إلى ذلك البيت..إلى ذلك الرجل...مكسورة ..ذليلة..راضية ..لم يعد يهم ..

اخبار ذات صلة
قصة قصيرة بعنوان "هي"..
2010-11-05T08:45:00+02:00