اعتاد الفلسطينيون الغناء مع غصة في قلوبهم كون الاحتلال الاسرائيلي لم يترك لهم شيئا جميلا إلا عمل على تشويهه، فمثلا قرية "بتير" الواقعة في الجهات الغربية لمدينة بيت لحم جنوب غرب مدينة القدس تمتزج الأزاهيح والاغاني بالأسى والقهر.
تنتصب قرية "بتير" العتيقة بشموخ واعتزاز على مساحة 7489 دونما محتضنة ما يزيد عن5000 نسمة يفخرون بنسبهم اليها، فبمجرد أن يبزع الفجر تحلق النسور في أجوائها لتنشد عبارات الترحاب بزوارها مرغبة اياهم بتكرار الزيارة.
والمار في القرية القديمة يلحظ جمالها الخلاب فهي يمكن وصفها بالحضن الدافئ لطبيعتها الساحرة مما يطلق عليها "بيت الطير".
حارة أثرية
تجولت "الرسالة" مع ابن القرية "على شكارنة"، للحديث عن قصصها، فهنا حارة الأرامل السبع التي اقترن اسمها بحال ساكنيها وراح يروي حكايتهن والحزن يعتلي صوته فهو يعتبر حارة السبع أرامل رمزا للصمود والاخلاص، موضحا أن تلك الأرامل السبع عففن عن الزواج
بعد فقدان أزواجهن ذلك التحدي الذي تأبى من خلاله المرأة "البتيرية" الارتباط برجل آخر حفاظا منها على العشرة وترسيخا لمعاني الاخلاص والمودة.
بفخر يعلو صوت شكارنة وهو يتحدث عن دور المرأة في قريته بالزراعة فهي اليد اليمنى لزوجها والمساعد الأول في تدبير احتياجات المنزل من خيرات أرض القرية.
وخلال حديثه ذكر أن لمحطة "يافا القدس" قصة مع باعة الخضرة في قرية بتير الذين كانوا ينطلقون صباحا الى اسواق القدس لنقل المحاصيل وترويجها عبر مهرجان تعريفي.
وعن أكلاتهم الملوكية، يروي ابن القرية أن الباذنجان البتيري له حصة كبيرة على موائدهم، فبعد يوم شاق في حواكير الزراعة يفضل المزارعون تناوله فهو يتميز بلونه الجذاب وتقام لهم المهرجانات لترويجه.
العرس البتيري
ذكريات كثيرة تملأ شكارنة عن العرس البتيري، حيث يكمن جمال العرس البتيري في تشبثهم بعاداتهم المرتبطة ارتباطا وثيقا بالأرض فحفلة الحناء بليالها السبع تجمع الأقارب على رائحة ورق الشجر الممزوج بالعجين لتزين بها كفوف العروس وبنات القرية.
ويتمسك اهالي القرية بأهازيجهم التراثية التي تعود لما قبل النكبة، فيردد "شكارنة" بعضا منها "وين دار الأمراء، وين دار الأمير وين دار أبو محمد مفروشة حرير وين دار الجواد مفروشة سجاد".
وتعج قرية بتير بآثار كثيرة تدل على عراقتها بوجود أرضيات مرصوفة بالفسيفساء وقلعة بتير والمدرجات الرومانية والمسار السياحي، كما تلفت عيون القرية أنظار المارين الزائرين وهي "عين جامع وعين البلد وعمدان والمصري وفروج وأبو الحارث وأم الحرذون وإبسين".
كما توجد في القرية بركة رومانية قديمة يطلق عليها سكان القرية (الحمام) تصب تلك العيون في فتحتين لتروي أراضي القرية بنظام ري تاريخي قديم فإن أشهر ما تقدمه لزوارها نزهة جميلة بين مزارعها الهادئة، كما حكى "شكارنة".
وخلال الجولة في "بتير" يظهر أن السياحة لا تزال نشطة فيها، فالسياح يتزايدون صيفا بعد اخر.
وفي الختام فإن تاريخ القرية، يعود إلى العهد الروماني بمجرد أن يلمح الزائر تلك المصاطب القديمة التي شيدتها أيدي الرومان بشكل يشد انتباهك لتستهلك أكثر من 20 مليون حجر في كل حجر منها قصص لا تعد.