تتعجب من جماله وهو محمول على الأكتاف، بعدما تعانقت دماؤه مع الأقمار الستة الآخرين الذين ارتقوا خلال عملية إنقاذ المجاهدين المحتجزين داخل نفق يتبع لسرايا القدس؛ استهدفه الاحتلال مساء يوم الاثنين داخل الشريط الحدودي شرقي خانيونس.
إنه الشهيد محمد مروان الأغا (22 عامًا)، ابن وحدة الضفادع البحرية التابعة للقسام، وابن منطقة السطر الغربي بخانيونس جنوب قطاع غزة.
كان ممن هجروا الفراش والوسادة.. وحفروا معابر للشهادة، وأعلنوا السيادة، وتوسموا عزماً قوي القلادة، ومضوا يطوون الأرض طياً، فكانوا في مقدمة الصفوف قيادة.
"حفظ كتاب الله عن ظهر غيب في مدة 40 يوماً داخل مخيمات تاج الوقار"، ليجعله رفيقاً له في دراسته الجامعية بتخصص الشريعة الإسلامية في ربوع الجامعة الإسلامية.
وللشهداء هيبة تجعل من يقف أمامهم يشعر بها، فما أن تنظر إليه حتى يشدك حبل غير ظاهر يجعلك تتعلق به من غير أن تعرفه أو تجالسه، وهكذا الشهيد محمد.
عُرف عنه جمال وجهه وروحه، ودماثة أخلاقه، حيث كان نشيطاً وصاحب همة عالية، بعدما تفوق في الثانوية العامة بمعدل 90 بالمائة في القسم الشرعي.
والده الأربعيني أبو جميل جلس أمام المنزل في انتظار إحضار نجله محمد لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه؛ بعدما كانت آخر لحظة قابله بها في مسجد الشهيد عبد الله عزام بمنطقتهم، عندما صلى العصر بجواره.
وعن هذه اللحظات، يتحدث الوالد قائلاً:" رافقني محمد إلى المسجد يوم الاثنين، حيث صلينا العصر جماعة، قبل أن يأتيه اتصال هاتفي يطلب حضوره على الفور ليشارك في عملية إنقاذ الشباب المفقودين داخل النفق، كونه أحد أفراد وحدة الضفادع البشرية بكتائب القسام".
"بالحمد والاسترجاع تلقينا نبأ استشهاد محمد، فنحن موقنون أن هذه الكلمات هي التي تخفف عنا مصابنا"، يتابع أبو محمد.
وبالقرب من منزله الكائن بمنطقة السطر الغربي، بدأت زحوف المشيعين تتوافد على المنزل بعد أن حُمل الشهيد على أكتاف الرجال بجنازة عسكرية مهيبة.
ويضيف الوالد:" احتسبته عند الله شهيدًا ولا أزكيه، ورجوت الله له بالقبول والرحمة والمغفرة فقد كان منذ صغره شابًا خلوقًا طيباً".
وأشار إلى أن نجله محمد طلب منه الالتحاق بصفوف كتائب القسام وهو في الثانوية العامة، لكنه أصر عليه بإكمال مرحلة الثانوية، وبعدها يستطيع الالتحاق بالقسام.
ويتابع:" رغم انشغاله بالأعمال الجهادية والتدريب المكثف في وحدة الكوماندوز البحري، إلا أنه كان متفوقاً في دراسته الجامعية"، لافتاً إلى أنه حصل في الفصل الأخير من دراسته على معدل 88 في المائة".
"أصعب شيء أن تفارق صديقًا قضيت معه كل أيام حياتك، حتى في الدارسة الجامعية وبنفس التخصص، وتقفده فجأة دون وداع، وكأنك فقدت قطعة من قلبك"، بهذه الكلمات بدأ طارق الصعيدي صديق محمد حديثه.
ويضيف متسائلاً:" فيمن سأتصل كل صباح ليذهب معي إلى الجامعة، ألم نتعاهد أن نذهب سوياً؟ من سيحضر معي المحاضرات الآن، وكيف لقلبي أن يتحمل فراقك؟".
ويتابع طارق الذي رافق الشهيد منذ الطفولة في المراحل الدراسية كافة:" بآخر يوم له، أتى إلى الجامعة ودخل المحاضرة وهو مبتسم ابتسامة الوداع؛ سلم علينا وخرج من الجامعة ولم يكمل باقي محاضراته وكأنه أتى ليودعنا".
ويكمل بعد أن انشغل بتجهيز المكان لاستقبال جثمان الشهيد:" تعجز الكلمات عن وصف محمد فهو مثال يحتذى به في الأخلاق والشجاعة والإقدام"، مستذكراً الأوقات الجميلة التي كان يقضيها برفقته.