في عملية مرنة وبدون أي إشكالات تذكر، سلّمت حركة حماس معابر قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، ضمن مساعي تمكين حكومة التوافق، تنفيذا لاتفاق المصالحة الذي تواصل فيه الأولى تنفيذ ما عليها، بانتظار خطوات مماثلة من حركة فتح والسلطة.
مثّل الأوّل من نوفمبر أول مظاهر التمكين في غزة باستلام السلطة المعابر، وعودة حرس الرئيس إليه، ومن دون وجود أي موظف من غزة، في إجراء أظهر مستوى التعاطي الكبير الذي تتعامل به حماس مع ملفات المصالحة، بما يؤكد حرصها على إنهاء الانقسام، ومغادرة هذا المربّع نهائيا، والتفرّغ للملفات الوطنية الأكثر أولوية لديها.
وصف إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس تسليم معابر غزة بأنه تم "بوفاء وبدون مقايضات واشتراطات"، وقال في كلمة بافتتاح مؤتمر "الأمن القومي الفلسطيني" الخامس بمدينة غزة، أنه بتسلّم المعابر وتمكين الحكومة "ندشن عهد الوفاق الوطني".
فاستلام السلطة معابر غزة يؤشر إلى أن حركتي فتح وحماس قد تجاوزتا المحطة الثانية من محطات تنفيذ المصالحة التي بدأت بتوقيع الاتفاق في 12 أكتوبر الماضي، قبل الانتقال إلى المحطة الثالثة في 21 نوفمبر الحالي، حيث من المقرر أن تجتمع الفصائل الفلسطينية في القاهرة لبحث بنود الاتفاق، وما تمّ إنجازه.
عملياً، قدّمت حماس ما عليها حتى ذلك التاريخ، لكن ينتظر المواطن الفلسطيني أن يجبي ثمار هذه المحطّة، فبمجرّد إعلان تسلّم السلطة معابر غزة، بدأت تعلو مطالبات بأن تباشر الحكومة مهامها، وتبادر إلى رفع العقوبات التي فرضها الرئيس محمود عباس، وأن تقدّم بوادر حُسن نية، وكان في مقدمة هذه المطالبات العمل على ضبط "الازدواج الضريبي والجمارك" للقطاع الاقتصادي في غزة والضفة المحتلة، بما ينعكس إيجاباً على أسعار السلع الأساسية في غزة.
فاستلام معابر غزة يعني بدءًا أن أمر الجباية والضرائب بات من مهام حكومة التوافق وضمن مسؤولياتها، وعليها تنظيم هذا القطاع قبل حلول الأسبوع الأوّل من شهر ديسمبر المقبل، الذي مقرر أن تصرف فيه الحكومة أول دفعة مالية لموظفي الحكومة السابقة في غزة، وفق الاتفاق.
وقد اعتبر نيكولاي ملادينوف، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، "أن من شأن عودة المعابر للسلطة أن يسهّل من رفع الإغلاقات، مع معالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية "المشروعة"، وزيادة الدعم الدولي لإعادة إعمار غزة ونموها واستقرارها وازدهارها"، وفق قوله.
في المقابل، تعفي حماس نفسها من هذه المسؤولية وتعلن من خلال خطواتها المتقدمة بأن مسؤولية غزة باتت في حِجر الحكومة، وتنشغل في التحضير للاجتماع المقبل في القاهرة، وهذا ما بدا في تصريحات هنية التي قال فيها إن حماس تريد المصالحة لترتيب مستويات ثلاث: إدارة الضفة والقطاع عبر السلطة، وإدارة القرار الفلسطيني عبر منظمة التحرير، والاتفاق على البرنامج السياسي الذي يشكل القاسم المشترك للشعب الفلسطيني.
ما يجري حاليًا أن السلطة وحركة فتح أصبحتا في موضع اختبار أمام الشعب الفلسطيني لصدق خطابهما السياسي بشأن انهاء الانقسام بعد استلام معابر غزة التي كانت حتى وقت قريب الشرط المعطّل لاتفاق المصالحة، قبل أن تبادر حماس إلى تبديد هذه العُقدة تحقيقا للمصلحة العليا، وهذا يفرض عليهما أن يقوما بواجباتهما بموجب الاتفاق ومبدأ الشراكة الوطنية.
وهذا الأمر لا يخلو من أهمية وجود ضغط فصائلي إيجابي في اتجاه التسريع بخطوات إزالة آثار الانقسام على مستوى إدارة الشأن المدني، قبل الانتقال إلى مربع الحوار حول مصير المؤسسات الوطنية ومستقبلها، والتفرّغ للقضايا الوطنية الأكثر إلحاحاً في ذروة التصعيد القائم في الإقليم، الذي يفرض الاستعداد وطنياً لما هو أسوأ في الجوار.