قائد الطوفان قائد الطوفان

ما بين قهوة بدران والقناطر المسقوفة.. حارة القزازين

حارة القزازين
حارة القزازين

غزة- شيماء مرزوق

ما بين عين عسكر وبني دار يتمركز أصحاب صنعة الزجاج في البلدة القديمة لخليل الرحمن في حارتهم القديمة، حيث تأسرك القناطر المسقوفة أحيانًا والمكشوفة أحيانًا أخرى، إضافة الى الجدران والشوارع التي تكسوها الحجارة الخليلية الضخمة.

حارة "القزازين" الوحيدة التي اكتسبت اسمها من الصنعة التي تركزت فيها، وتعتبر أحد أسواق المدينة التاريخية، حينما خط الأيوبيون أولى أعمدتها الأساسية، لتزدهر عمرانها وتتطور في العهد المملوكي.

تلك الحارة التي اشتهرت بالأقواس التاريخية القديمة يتركز بها السوق الذي يطغى على بضاعته الأواني الزجاجية، وخاصة الزجاج الخليلي الملون الذي يصنع في نفس المدينة.

وقد اشتهرت مدينة الخليل تحديداً بالأسواق مثل سوق البازار وسوق الخواجات وسوق الخضار وسوق الإسكافية وسوق اللبن وسوق المغاربة، فمن يتجول في شوارع المدينة وأزقتها لا يشعر بالملل والرتابة، وإنما يشعر بمتابعة بصرية جميلة تمنحه الإحساس والشعور بكينونته كإنسان بمقاييسها الإنسانية والإحساس بالزمن ببعديه الماضي والمستقبلي للواجهات والأسقف والممرات والتشطيبات والخانات والوكالات والطرق والأزقة.

ووسط حارة القزازين تعبق رائحة الزوار من شمال وجنوب فلسطين الذين كانوا يحجون نحو قهوة بدران التي تتوسط الحارة، وشاهدة على أكثر من 100 عام من التاريخ الفلسطيني بنضاله وجراحه وحكاية شعبه وثورته.

حجار القهوة حكاية تتراص لترسم قصص الأجداد وتاريخهم بأفراحه وأتراحه، ونكبة شعبه التي شهدت عليها جدران القهوة وشجرة التوت التي تستقبلك على مدخله.

كبار السن والشباب المتمسك بماضيه لا يفارقون المقهي الذي ذاقت جدرانه مرارة الاحتلال كما ذاق روادها مرارة القهوة، لكنه بقي صامداً يحج إليه الناس من حارات البلدة القديمة من استطاع إلى ذلك سبيلًا، فليس من السهولة الوصول لقلب البلدة القديمة التي بات يحدها من كل ناحية أخطبوط الاستيطان.

إلى جانب المقهي تتراص الحوانيت الملتصقة إلى جانب المنازل والقصور الشعبية القديمة المطلة على الساحات والسوق.

وسط الحارة يقف مسجد القزازين شامخاً بمئذنته القديمة التي تؤكد على عراقة المكان والحضارة التي مرت به.

عراقة حارة القزازين والطابع الإسلامي العريق الطاغي على أزقتها يستفز الاحتلال الذي حاول منذ احتلاله للخليل أن يصبغها بالصبغة اليهودية.

حارة القزازين التي تعتبر أحد الطرق المؤدية إلى المسجد الإبراهيمي كانت هدفاً للتهويد فزرع الاحتلال بالقرب منها المدرسة الدينية التوراتية في مستوطنة كريات أربع المطلة عليها لتعلم أطفال الصهاينة بأن الخليل مدينة يهودية عبر آلاف السنين، وهذا بدوره أجج عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في المدينة ما جعل المنطقة محل نزاعات وأحداث واشتباكات على مدار تاريخ النضال الفلسطيني.

وقد عملت سلطات الاحتلال على تفريغ السوق من سكانه، وأحاطته بمجموعة من المواقع العسكرية والتجمعات الاستيطانية: بيت هداسا، وبيت رومانو، وأبرهام أبينو، إضافة الى مستوطنة كريات أربع الكبرى، التي تخرج غلاة المستوطنين.

كما اعتمدت على سياسية البوابات الالكترونية للتحكم بكل من يدخل أو يخرج من البلدة والسوق تحديداً حتى يفرغ المنطقة من سكانها وأهلها تدريجياً، وقد أدت هذه السياسية إلى إغلاق كثير من المحال التجارية بعد تكبد أصحابها خسائر فادحة بفعل سياسية الإغلاق التي أنهكت تجارتهم.

ورغم كل محاولات الاحتلال القضاء على الحارة وأسواقها، إلا أنها بقيت عامرة بعراقتها الحضارية والتاريخية والتي ستبقى شاهدة على التحدي والنضال.

البث المباشر