مجدداً؛ تُرهن قيادة السلطة الفلسطينية قيامها بواجباتها ومسؤولياتها اتجاه قطاع غزة رغم تسلمها لمعابره والوزارات الحكومية دون أي عرقلة، بحل الملف الأمني وتسلمها للأمن في القطاع بشكل كامل، مخيبة بذلك آمال وتطلعات المواطنين بتجاوز حقبة الانقسام.
تكرار الحديث عن الملف الأمني مؤخرا يأتي تزامنا مع عبارات التمكين التي تطالب بها الحكومة، مما يعكس الحالة السياسية التي تبدو مُتفقًا عليها من قبل قيادة السلطة باختلاق الذرائع للتهرب من واجباتها اتجاه القطاع المنهك بالأزمات.
وجدد رئيس حكومة التوافق الوطني رامي الحمد الله التأكيد على ضرورة تسلم المهام الأمنية كافة في قطاع غزة لتقوم حكومته بمهامها كاملة في غزة. وقال الحمد الله في كلمة له خلال مؤتمر في نابلس شمال الضفة المحتلة الثلاثاء الماضي، حول المصالحة: "بدون تسليم مهامنا الأمنية كاملة سيبقى عملنا منقوصاً بل وغير مجد أيضاً"، وفق قوله.
ويُقرأ من مطالبة الحمد لله بتسليم المهام الأمنية كاملة، واستباق حوار القاهرة الذي سيبحث هذا الملف وعدة أمور أخرى، محاولة الضغط على المجتمعين في القاهرة نهاية الأسبوع المقبل؛ من أجل إعطاء الملف الأمني الأولوية في الحل عن غيره من باقي الملفات، وهو ما كشفته بعض تسريبات قيادة فتح للأجندة التي سيبحثها لقاء القاهرة، وفق ما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن.
وبحسب حديث محيسن لـ"الرسالة نت"، فإن السلطة وعلى رأسها حركة فتح تُدرك أن التعامل مع المؤسسة الأمنية بغزة بنفس الكيفية التي هي عليها الآن يتعارض مع الرؤية التي تتبناها الأولى في الضفة والمنسجمة مع القيادة السياسية لها هناك، الأمر الذي لا يخدم مشروعها السياسي برمته.
ويوضح أن ما سبق دفع السلطة إلى إثارة هذا الملف واستباق حوار القاهرة والتهرب من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بالاستلام والتسليم، خاصة وأنه كان من المفترض أن يتم تشغيل معبر رفح أمس، وأن يصل وفد من قيادات المؤسسة الأمنية بالضفة للاجتماع مع المؤسسة الأمنية بغزة ودمج 3 آلاف من عناصر السلطة مع الأمن بغزة، وهو ما لم يتم.
ويشير محيسن إلى أن تأخير ما سبق هدفه خلق حالة من الاختناق والضغط على حركة حماس في حوارات القاهرة؛ لتقديم تنازلات إضافية بشأن المؤسسة الأمنية التي أشادت بأدائها الراعية مصر بعد تفاهمات القاهرة وضبطها الكامل للحدود، ودعت إلى عدم التفريط بالتطور الذي وصلت إليه المؤسسة الأمنية بغزة أو هدمه، بل البناء عليه، وهو ما يتعارض مع رؤية "فتح".
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب مع سابقه، مؤكدا أن الهدف من إثارة الملف الأمني هو وضع العصى في دواليب المصالحة واستباق حوار القاهرة الأسبوع المقبل؛ للضغط على المتحاورين بأنه دون استجابة لمتطلبات هذا الملف لا فائدة من عقد الاجتماعات الموسعة.
وبين حبيب لـ"الرسالة نت" أنه يمكن الوصول إلى قواسم مشتركة في الملف الأمني، في حال تنازلت الأطراف لبعضها البعض وقبلت بصيغة تنقذ القطاع من وضعه المأزوم.
ويلفت إلى أن حل ملف منظمة التحرير والتوافق على الانتخابات من شأنه أن يُسهل حل الملف الأمني المُعقد، على اعتبار أن ما ينتج عن الملفين يكون محل توافق الجميع.
وبالعودة إلى محيسن فإنه يرى أنه ليس من السهل على حركة حماس تقديم تنازلات كبيرة في الملف الأمني سواء على صعيد استيعاب الأعداد أو حتى رتب قيادة الأجهزة الأمنية بشكل عام.
ويتوقع أن تشهد حوارات القاهرة "معركة عنيفة"، منوها إلى أن الدور المصري هو من سيحسم هذه الأمور، من خلال البحث عما يقرب وجهات النظر مما تطلبه فتح وما تصر عليه حماس.
ويختم محيسن بأن حركة حماس ومصر معنيتان بإنجاح المصالحة والذهاب لأبعد الحدود من أجل ذلك خلال الأشهر المقبلة.
وفي نهاية المطاف، فإن حل العقدة الأمنية مرهون بتساهل جميع الأطراف عبر الوصول لقواسم مشتركة من شأنها أن تُنضج اتفاق كامل في هذا الملف وغيره، دون استباق جولات الحوار.