يُحضّر "تيار المستقبل" اللبناني جمهوره لخوض جولة سياسية جديدة ضد سلاح "حزب الله" وأدواره الإقليمية، بعد عودة رئيس الحكومة المُستقيل، سعد الحريري، إلى بيروت، بالتزامن مع رفض رئيس الجمهورية ميشال عون "الإيحاء أن الحكومة اللبنانية تشارك في عمليات إرهابية".
وعلى الصعيد العربي تتواصل الوساطة المصرية غير المُعلنة، التي جدّدتها زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إلى بيروت أمس الإثنين. وبدأت بيروت تستعيد الزخم السياسي الذي أفقدته إياها أزمة استقالة الحريري، التي أعلنها من الرياض، مطلع الشهر الحالي، مع عودة الحريري، غداً الأربعاء، للمشاركة في احتفال الذكرى 74 لاستقلال البلاد، ولـ"قيادة معارضة سياسية جديدة ضد حزب الله الذي ورّط لبنان في أزمة جديدة مع محيطه العربي"، وفق ما أكّدت مصادر سياسية متابعة لنشاط "تيار المستقبل".
وفي الإطار نفسه، سجّل أمس الإثنين، وصول السفير السعودي الجديد إلى بيروت، وليد اليعقوب، بعد نحو عام على تولي وليد البخاري، القيام بأعمال السفير. وهو ما يضمّ اليعقوب إلى قائمة الوجوه السعودية التصعيدية من وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، إلى البخاري، وقائمة الإعلاميين السعوديين الذين تولوا التصعيد عبر وسائل الإعلام السعودية والإماراتية المُتعددة في الأسابيع الماضية.
وبحسب المصادر السياسية المحليّة، فإن "تيار المستقبل يُحاول الإيحاء للمملكة بأنه لا يزال قادراً على إدارة معركة سياسية جديدة ضد سلاح حزب الله وأدواره الإقليمية من موقع المعارضة وبفريق العمل السابق نفسه (خصوصاً مدير مكتب رئيس الحكومة، نادر الحريري، والنائب عقاب صقر، والوزير غطاس خوري، والنائب السابق باسم السبع)، بعد أن أصبحت زيارة الحريري إلى بعبدا وتسليم استقالته المكتوبة إلى رئيس الجمهورية بُحكم المؤكدة". وهو ما سيتزامن مع "محاولة حشد الشارع المُعارض لحزب الله بأحزابه كافة (وخصوصاً القوات اللبنانية ووزير العدل السابق، أشرف ريفي، المتهمين بأنهما حرّضا القيادة السعودية ضد الحريري وتنازلاته لمصلحة حزب الله) في ذكرى الاستقلال وبعد انتهاء مراسم الاحتفال الرسمية، عبر تظاهرة في ساحة الشهداء في بيروت". وهو ما نقلته قيادة "تيار المستقبل" لأنصارها خلال لقاء تنظيمي موسّع عُقد، أمس الإثنين، في بيروت. وتخلّل اللقاء تأكيد أن "الحريري تجاوز مرحلة إقامته في الرياض بكل تفاصيلها، وأنه يستند إلى سقف الخطاب الذي أعلنه وزراء الخارجية العرب، ليل الأحد، لمواجهة حزب الله في الداخل". ويختصر مصدر مطلع في تيار "المستقبل" الوضع بالقول إن "الحريري سيتزعم بدءاً من يوم غد (الأربعاء) معارضة جديدة في لبنان".
كما أكدت مصادر شاركت في اللقاء لـ"العربي الجديد" أن "التيار طلب من أنصاره التعاطي ببرودة مع أي تصعيد سعودي اقتصادي مرتقب "سيتضرر جميع اللبنانيين منه، لكن المقصود منه سيكون دفع المسيحيين في لبنان للضغط على رئيس الجمهورية (من حصة المسيحيين بحسب المحاصصة الطائفية في لبنان) ميشال عون ليتخذ الأخير موقفاً من سلاح حزب الله"، ولأنه "وإن طاول مُختلف المواطنين، فإنه يهدف إلى الضغط على السلطات اللبنانية لتبني موقف مُعارض لحزب الله".
لكن المصادر المُطلّعة على أجواء المُستقبل شككت في قدرة "الفريق نفسه الذي قاد الحريري لإنجاز التسوية الرئاسية التي أغضبت السعودية، على تبني خطاب وزراء الخارجية العرب وترجمته داخلياً من خلال الاعتراض السياسي والشعبي على أداء الحزب". ويطرح ذلك تساؤلات جدية عن جدوى هذه المناورة السياسية الداخلية، التي تتم في وقت يقف عون، إلى جانب "حزب الله" في مواجهة السعودية. وقد أكد عون، أمس، أن "الموقف الذي اتخذه مندوب لبنان لدى جامعة الدول العربية يعبّر عن إرادة وطنية جامعة لمُختلف الأطراف اللبنانية". كما أعلن خلال استقباله الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن "لبنان واجه الاعتداءات المستمرة منذ العام 1978 وحتّى العام 2006، واستطاع تحرير أرضه، والاستهداف الإسرائيلي لا يزال مستمراً ومن حق اللبنانيين أن يقاوموه ويحبطوا مخططاته بكل الوسائل المتاحة". وأبلغ رئيس الجمهورية، أبو الغيط، أن "لبنان ليس مسؤولاً عن الصراعات العربية أو الإقليمية التي تشهدها دول عربية، وهو لم يعتدِ على أحد ولا يجوز بالتالي أن يدفع ثمن هذه الصراعات من استقراره الأمني والسياسي".
"أبو الغيط سمع عتباً ونفياً"
وفي حين كان عون مُباشراً في الرد على موقف جامعة الدول العربية أمام أمينها العام، اختار رئيس مجلس النواب، نبيه بري، تقديم عتب لأعضاء الجامعة، صاغه بشكل تعليق قصير نشرته وسائل الإعلام عن لسانه، وقال فيه: "تعليقاً على قرار الجامعة العربية: شكراً وعذراً... الشكر لله. وعذراً أننا في لبنان قاتلنا إسرائيل". ولدى سؤال أبو الغيط عن هذا التعليق بعد لقائه بري، قال الأمين العام إنه "آت من بلد قاتل إسرائيل لعقود"، وإن "من قرأ كتابي (شاهد على الحرب والسلام) يُدرك أن إدانة الإجرام الإسرائيلي تتم في الحرب وفي السلم".
ورغم التصريحات الحادة بعض الشيء التي تخللت لقاءات أبو الغيط، إلا أن الأخير استمر على موقفه الذي أعلنه من المطار فور وصوله إلى بيروت بأن "الدول العربية تتفهّم وتراعي لبنان، وتريد تجنيبه أو إقحامه في أي خلاف"، مقدراً "كلمة مندوب لبنان في الجامعة العربية أنطوان عزام". وأوضح أبو الغيط أنه "إذا كان القرار الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب أمس (الأحد) يتضمّن بعض المواقف في ما يتعلّق بفريق لبناني، فهذا ليس بأمر جديد، ولكن حتى الإشارة إلى الحكومة جاءت في الإشارة إلى المشاركة وليس المقصود بها لبنان كبلد". وفي محاولة للتخفيف من حدة موقف وزراء الخارجية العرب، شدد أبو الغيط على أن "القرار ليس صاروخاً بالستياً موجهاً ضد لبنان، بل الدول العربية، ومنها السعودية، تلقّت هذه الصواريخ البالستية"، مشيراً إلى أن "هناك إشارة إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تتحدّث عن حق الدفاع الشرعي والتفاعل مع هذه الضربات الصاروخية بالشكل والتوقيت الذي يختارونه".
ولا يزال اللبنانيون ينتظرون عودة الحريري لتكتمل صورة الجبهات السياسية الداخلية التي ستخوض المعركة المُقبلة "معركة تجريد حزب الله من سلاحه"، بالتزامن مع ازدحام الاستحقاقات الاقتصادية والسياسية وأهمها الانتخابات المُقررة في مايو/أيار المقبل على مُفكّرة العهد الرئاسي. وهي استحقاقات كان الحريري قد أنجز جزءاً منها بالتعاون مع رئيس الجمهورية، وقد يكون إعادة طرحها للنقاش أحد أوجه التصعيد.
المصدر :العربي الجديد