الجوقة الآن مكتملة وقد أثمر الحصاد بعد سنوات من الغرس والتربية والتجميل لجيل القادة الجدد من الشبان العرب الذين يتصدرون هامة المشهد السياسي الآن في عدد من الدول العربية المؤثّرة.
الآن بدون مساحيق وبعيدا عن التحفظ يجري الحديث عن علاقات الدول العربية بـ(إسرائيل) في إشارة صهيونية لعهد جديد أصبحت فيه خاصيّة المرحلة إبدالية حين أصبح العرب يطاردون (إسرائيل) خاطبين ودّها.
كثيرة هي التصريحات والتلميحات عن نمو مطّرد لعلاقات إسرائيلية -عربية لكن أشدّها وضوحا كان ما كشف عنه (يوفال شطاينيتس) وزير الطاقة الإسرائيلي قبل أيام حين قال لراديو الجيش إن لدى (إسرائيل) علاقات معظمها سرية مع دول عربية وإسلامية أهمها السعودية، في مواجهة "الخطر الإيراني".
قبل شهور زار ولي العهد السعودي (إسرائيل) -وفق مصادر عبرية- لتتويج خارطة جديدة من العلاقات في محور أبوظبي-الرياض الذي يوغل سريعاً في تطبيع مع الاحتلال يسابق الزمن ويسقط كل المحاذير في طريقه.
علاقات قديمة
بإعادة عجلة الزمن قليلا للوراء نسجت السعودية علاقات غير مكتملة مع الاحتلال بعيد سقوط الحكم الملكي في مصر والعراق وحتى أزمة اليمن في خمسينات وستينات القرن الماضي.
وعقب تولي (الخميني) سدّة الحكم في إيران وبروز مصطلح (تصدير الثورة) شعرت الأنظمة العربية بخطر جديد وفي حرب الخليج الثانية دعت السعودية (إسرائيل) إلى عدم الرد على صواريخ صدام حتى تتحرر الكويت لكن العلاقات ازدادت قوة على المستوى الأمني بعد أحداث سبتمبر (2001) في زمن الأمير بندر لمواجهة التنظيمات الإسلامية "المتطرفة" حتى حلّ ملف إيران النووي فسقط القناع.
ويؤكد محمد مصلح الخبير في الشئون الإسرائيلية أن العلاقات العربية خاصة الخليجية منها مع (إسرائيل) موجودة تحت الطاولة لكن من أخرجها للعلن الآن هو (نتنياهو) لأنه مندفع نحو ملفين (ملف إيران النووي والعلاقات العربية-الإسرائيلية) وهو يستفيد من ذلك في ظل ملفات الفساد المحتمة مؤخرا ضده في القضاء.
ويضيف: "يسجل نتنياهو الآن إنجازا باختراق الوطن العربي، فقديما كان الشرط لنسج علاقات عربية-إسرائيلية هو حل القضية الفلسطينية لكن الأمر الآن معكوس في زمن ترامب الذي خضع للرغبة الإسرائيلية في التقارب مع العرب حين وعدت "إسرائيل" ترامب بإبرام صفقة القرن".
أما د. عبد الستار قاسم المحلل السياسي فيقول إن الأنظمة العربية حاولت القضاء على نماذج المقاومة التي سددت ضربات لـ(إسرائيل) خاصّةً بعد حرب تموز (2006) لكن العدوى انتقلت الآن لغزة التي فشلت (إسرائيل) في ثلاثة حروب فيها (2008-2014).
نجاح المقاومة في أكثر من منطقة يهدد الأنظمة القبلية ونمو القوّة الإيرانية على أكثر من صعيد يؤدي إلى تذمر المواطن العربي من الأنظمة التي تحكمه، وهو ما يقول المحلل قاسم إنه يشكل خطرا على الحكام العرب.
الاحتلال مهتم باستقرار كثير من الأنظمة العربية وكثيرا ما أوصلت (إسرائيل) معلومات أمنية لأنظمة عربية ضد متآمرين عليها وهو ما عزز التعاون بينهما باطراد مع الزمن.
فزاعة إيران
الموضة السياسية منذ سبع سنوات هي الخوف من ملف إيران النووي، هذا الملف الذي قرّب المسافات بين (إسرائيل) ورؤوس الأنظمة العربية التي نسجت علاقات ونظمت زيارات وعقدت اتفاقيات ومؤتمرات أحدثها مؤتمر الرياض بزعامة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب).
ويرى الخبير مصلح أن المحور السنّي الذي تتزعمه السعودية يشعر بخيبة أمل وهزيمة من إيران خاصة في اليمن وقد بدأ يطفو لقمرة القيادة في الدول العربية حكام جدد من الشبان الذين تربوا في المحاضن الأوروبية والأمريكية حتى أضحت خطة أجهزة المخابرات الغربية تؤتي ثمارها بوصول ربائبها للحكم.
وخلف معطف (إسرائيل) يحاول العرب الاختباء من رياح إيران وقد تعدى المشهد بين (إسرائيل والسعودية) إلى علاقات سياسية ودبلوماسية وشيكة حسب رؤية د. قاسم المحلل السياسي طمعاً في شنّ (إسرائيل) حرباً ضد إيران بالوكالة عن العرب.
الارتدادات الميدانية لتطور العلاقات (العربية-الإسرائيلية) وأهمها من قبل السعودية والإمارات تظهر آثارها حالياً في لبنان وفلسطين وهدفها تحجيم قدرات المقاومة لأن غزة تستمد قسطاً كبيراً من دعمها المادي والمعنوي من إيران وحزب الله.
**المرحلة المقبلة
لا غرو أن ما يجري الآن على لسان الساسة والمنظرين للعهد الجديد في الشرق الأوسط يجري انتقاؤه بعناية وجرأة كبيرة في الوقت ذاته بينما تمضي القاطرة العربية الرسمية كلها نحو شيطنة مقاومة حزب الله ووصفه بالإرهاب ومحاولة احتواء حماس.
قبل أيام سمعنا الكاتب الكويتي عبد الله الهدلق على قناة (الرأي) يقول إنه لا يوجد شيء اسمه دولة فلسطين، مشيداً بـ "إسرائيل" باعتبارها "دولة مستقلة ذات سيادة وشرعية، ولقيت اعتراف جميع الدول المحبة للسلام، مضيفاً: "قبل عام 1948 لم يكن هناك شيء اسمه فلسطين إلا في مخيلة الحالمين"، على حد زعمه.
وتناغمت مع الهدلق تصريحات لوزير العدل السعودي السابق، محمد بن عبد الكريم العيسى، رئيس رابطة العالم الإسلامي في محاضرة له في باريس قال فيها:" أي عمل عنف أو إرهاب يحاول التستر وراء دين الإسلام لا مبرّر له على الإطلاق، ولا حتى داخل إسرائيل".
ويقول الخبير مصلح: إن رأس النظام العربي الآن يجتهد للقضاء على حركات المقاومة الإسلامية خاصّة بعد تلقي الإخوان المسلمين ضربة قاصمة في مصر ما شجّع بقية الأطراف لاستهداف التنظيمات الإسلامية وهو هدف موجود بصورة ناعمة في المصالحة الفلسطينية حالياً".
القضاء على حركات المقاومة يمنح الأنظمة العربية المؤثّرة حالةً من الهدوء والاستقرار في زمن ينظر له (ترامب) الرئيس الأمريكي من نافذة اقتصادية بحتة يحاول الاستفادة فيها من موارد العرب وفي الوقت الذي يرى فيه الخبير مصلح أن الأطماع المالية هي من أثارت حول (نتنياهو) ملفات الفساد والخلافات مع أعدائه في قضية الغواصات وحقول الغاز وغيرها.
وإذا كانت السعودية تسير نحو عهد جديد في ظل أميرها الشاب الذي سيتوّج ملكا قريبا بعد نجاح ما تحدثت عنه الأنباء في صد محاولة انقلاب لصالح إيران فإن (نتنياهو) ربما يفتتح العام القادم بزيارة إلى الرياض.