غيوم ميسو هو اليوم من أكثر الكتّاب الروائيين في فرنسا مبيعاً.. فقد باع عام 2012 مليوناً و700 مئة نسخة من رواياتهن مما بوأه المرتبة الأولى في فرنس.
وقد تخصّص في كتابة الروايات البوليسيّة التي تلاقي رواجاً منقطع النظير لدى عامة الفرنسيين من القراء، ولا يجد المؤلف حرجاً في وصف نفسه بأنّه «كاتب شعبي»، وقد تعمّد بعض النقّاد والأكاديميين الطعن في قيمة ما يؤلفه بالقول: إن ما يكتبه ليس «أدباً»، وقد تألمّ غيوم ميسو في البداية لهذا التقييم القاسي ولكنّه بعد ذلك لم يعد يعر لما يقوله بعض النقاد عنه اهتماماً كبيراً، فرواياته تباع ك(الخبز) على حدّ التعبير الفرنسي المتداول والرقم الذي تحققه كتبه مالياً خيالي يعدّ بالملايين .
والحقيقة أنّ بعض النقاد الآخرين المنصفين له لقّبوه ب(أمير الكتابة) معترفين بأنّه أدخل ثورة فيما يسمّى «الكتابة الشعبيّة» أو" الادب الشعبي" خلال الأعوام الأخيرة، وعندما صدرت روايته " كيف سأكون بدونك أنت؟ " باع منها 420 ألف نسخة خلال الشهر الأوّل فقط من صدورها..
وقد تفرّغ غيوم ميسو للكتابة تفرغاً كلياً، بعد أن كان يعمل أستاذ اقتصاد بالتعليم الثانوي، وكان أول عمل قام به وهو في السادسة عشرة من عمره حارس مرآب للسيارات، ولكنه كان في الآن نفسه تلميذاً نجيباً مجتهداً يسعى لإرضاء والديه وأساتذته، واليوم فإن له مكتباً خاصاً في الدور 47 من أشهر عمارة في باريس هي «برج مونبرناس» التي تعتبر الأغلى في فرنسا و التي تقع في قلب العاصمة الفرنسية.
ولما سئل غيوم ميسو عن المهنة التي كان يحلم بها في شبابه الباكر، أجاب بأنه كان يحلم بأن يعمل جاسوساً، وتعليله لهذا الاختيار أنه يود أن يحيا أكثر من حياة واحدة، وأن الجاسوس يتقمص شخصية ثانية مختلفة عن شخصيته الحقيقية، ويعيش متستراً مدة قد تطول.
يذكر أن ميسو أقام في شبابه فترة في نيويورك وعمل بها بائع «آيس كريم»، وهو مفتون بالولايات المتحدة الأميركية وبعض رواياته تدور أحداثها في مدن بالولايات المتحدة وأبطالها أميركيون.
والروائي الفرنسي هو اليوم رجل ثري جدّاً، وثروته متأتية كلّها من بيع رواياته، وهو يعترف بأنّ المال الوفير لم يغيّر شيئاً من حياته، ورغم أنّه يؤكّد بأنّه يحسن التفاوض ويجيده عند إبرام العقود مع دور النشر التي تطبع وتوزّع كتبه، ولكنّه يجزم بأنّ المال لا سلطان له عليه ولا يشعر أبدا باللهفة لجمعه وتكديسه، مبيّناً بأنّه لم يغيّر سيارته المتواضعة منذ أعوام وذلك ليس من باب التقشّف، ولكن فقط لأنّه بريد أن يحيا حياة طبيعيّة دون أن يكون للمال الوفير الذي يغنمه من بيع كتبه تأثير عليه أبداً، وهو مثلاً لم يفكّر يوماً في العيش والإقامة خارج فرنسا على غرار الكثير من أثرياء فرنسا هروباً من دفع الضرائب.
ويبوح غيوم ميسو أنّ ثلاثة أشياء فقط يعتبرها مهمّة في حياته وهي : أولاّ: مشاعر الحب، وثانياً: الثقافة، وثالثاً: اكتشاف العالم. مضيفاً : «أحبّ أن تكون رجلاي على الأرض ورأسي في النجوم» مذكّراً بأنّه كان مدرّساً عاديّاً للاقتصاد في الجنوب الشرقي لفرنسا طيلة عشرة أعوام، وكان يدرّس في النهار ويؤلف في الليل قبل أن يتفرّغ بعد ذلك للكتابة والتأليف.
يعترف ميسو أنّ سرّ نجاحه في الكتابة والتأليف هي رهافة إحساسه، مؤكّداً بأنّ الحياة هشّة وقد شارف ذات يوم على الموت إثر حادث سير مريع، وكان وقتها في الرابعة والعشرين من عمره، وقد توفيت في الحادث زوجته التي كانت رفيقته في السيارة مؤكّداً بأنّ أولويته كانت دائماً للحبّ وأنّه يبذل كلّ جهده لمحاولة عيش حلمه.
أصدر غيوم ميسو هذه الأيام رواية جديدة وهي تحمل الرقم 11 في سلسلة إنتاجه الإبداعي، واختار لها عنوان: «غداً»، وهي تروي قصة شاب أميركي يعيش في مدينة «بوسطن» ماتت زوجته في حادث سيارة، وهو يعيش مع ابنته التي لم تتجاوز الرابعة من العمر.
اشترى ذات يوم جهاز كومبيوتر مستعملاً، ولما فتحه وجد أن مالكته الأولى لم تمح كل ما كان مسجلاً به، ومن بين ما عثر عليه صور لها وعنوانها البريدي الإلكتروني، فراسلها على هذا العنوان وتبين أن صاحبة الكومبيوتر هي شابة عزباء في الثانية والثلاثين من عمرها تقيم في نيويورك وتبحث عن رجل يدخل حياتها. تواعدا على اللقاء في مطعم صغير في «مانهاتن» وفي نفس اليوم وفي نفس الساعة دخلا المطعم ولكنهما لم يلتقيا .. ومن هنا تبدأ الرواية الشيقة، وهي رواية بوليسية مشوقة وممتعة، ولا يكتشف القارئ لغزها إلا في الصفحة الأخيرة.
ولأن المؤلف غيوم ميسو، وهو اليوم في التاسعة والثلاثين من العمر، قد كتب له الله عمراً جديداً، بعد أن نجا بأعجوبة من حادث سيارة مريع فإنه انطلاقاً من هذه الحادثة الشخصية فإن كل أبطاله وبطلات رواياته تتوافر لهم دائماً فرصة ثانية ويمنحهم غيوم حظاً إضافياً آخر.
ولهذا السبب، ألّف رواية بعد الحادث المريع الذي تعرض له عنوانها: «وبعد؟» روى فيها قصة طفل في الثامنة من عمره شارف على الموت بعد أن سكت قلبه، ثم نجا وعاد إلى الحياة، ثم يصبح محامياً في مدينة نيويورك، وينسج المؤلف حول الشخصية قصة حب جميلة ومشوقة من خلال أحداث تتسارع ولا تتشابه وقد باع من هذه الرواية أكثر من مليوني نسخة.