طوفان نحو التحرير طوفان نحو التحرير

الاستبداد العربي في خدمة (إسرائيل)

اتفاقية "كامب ديفيد"
اتفاقية "كامب ديفيد"

د.صالح النعامي

صادف هذا الأسبوع مرور 40 عاما على توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" في 17 سبتمبر/أيلول 1978، والتي وضعت نهاية لحالة الحرب التي كانت قائمة بين مصر و(إسرائيل) على مدى أكثر من 31عاما، خاض الطرفان خلالها أربعة حروب أثرت بشكل جذري على الواقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي في المنطقة وتركت آثارا عميقة على توجهات الشعب المصري تجاه (إسرائيل) وما تمثله من مشروع إحلالي للحركة الصهيونية.

وقد تأثرت العلاقة الإسرائيلية المصرية بعد التوقيع على الاتفاقية بحالة عدم التجانس بين مواقف الشعب المصري الذي ظل يرى في (إسرائيل) عدوا له، وبين النخب الحاكمة التي ارتأت أن مصلحة الدولة والنظام تقتضي انهاء حالة الصراع القائم، وهو ما أوجد حالة من السلام البارد، تمثلت في رفض شعبي للتطبيع مع (إسرائيل) بوصفها كيانا يواصل احتلال الأراضي العربية. وفي المقابل، فإن طابع نظام الحكم في مصر ونمط الاعتبارات التي تحكمه جعلته يطور مع مرور الوقت، ومن وراء الكواليس، أنماطا من الشراكة الإستراتيجية مع (إسرائيل).

  وهناك العديد من مركبات البيئة السياسية التي تطورت فيها العلاقات المصرية الإسرائيلية قبل الثورة، مع العلم أن هذه البيئة أفرزت المحددات التي ضبطت اتجاهات هذه العلاقة، في حين أفضت هذه المحددات إلى طبع هذه العلاقات بسمات محددة.

  لما كانت السياسة الخارجية هي الفعل المؤسس للعلاقات الدولية لأية دولة، فإنه يتم تحديد اتجاهات هذه العلاقات وفق الاعتبارات التي تحكم السياسة الخارجية. من هنا، فإن الأفراد والمؤسسات والبُنى الوظيفية التي تحدد السياسة الخارجية تحسم في الواقع نمط العلاقات الدولية، على اعتبار أن الدولة لاعب يترجم سياسيا قرارات صناع قراراتها. ويعد السلوك الخارجي لأية وحدة في النظام الدولي نتاج تفاعلات على مستوى الأفراد الذين يشكلون القيادة ومستوى الدولة الذي تمثله بنية النظام السياسي والاجتماعي المحلي ومؤسسات الدولة التراتبية، وبنية النظام الدولي. لكن في الحالة المصرية، تلعب بنية النظام السياسي دورا هامشيا جدا في تحديد السياسة الخارجية، حيث يحتكر الأفراد على مستوى القيادة، الذين تمثلهم "مؤسسة الرئاسة" صنع السياسة الخارجية لمصر، مما منح الرئيس عمليا الحق الحصري في تحديد اتجاهات العلاقات الدولية للدولة.

 لكن احتكار الرئيس صنع السياسة لم يلغ تأثير بنية النظام الدولي، والبيئة الإقليمية على طابع اتجاهات السياسة الخارجية لمصر وضمنها علاقاتها الدولية؛ حيث أن حاجة مصر للعون الخارجي جعل دائرة صنع القرار في القاهرة ملزمة بمراعاة مصالح الأطراف التي تقدم هذا العون.

 ونظرا للطابع الشمولي لنظام الحكم في مصر قبل الثورة، وغياب دور المؤسسات السياسية والدستورية، التي تلعب في النظم الديموقراطية دورا مكملا في صنع القرار السياسي أو تمارس الرقابة عليه، فقد انفرد الرئيس بتحديد طابع العلاقات الدولية والإقليمية وفق اعتباراته ومنظومة القيم التي يؤمن بها. وقد أسهمت الخصائص الجغرافية لمصر في التأثير على طابع النظام السياسي المصري، حيث أن مصر دولة نهرية مجتمعها زراعي، مما سهل قيام سلطة مركزية تتحكم في توزيع مياه النهر على أغلبية الشعب على الضفتين، وهذا أسهم في بلورة دولة مركزية يغلب عليها الطابع السلطوي.

 وبشكل عام، فإن التحولات الانقلابية التي طرأت عادة على السياسة الخارجية المصرية في عهد مبارك كانت نتاج حقيقة أن النظام السياسي المصري يتسم بمركزية شديدة سمحت بتركز السلطات كلها في يد رئيس الدولة، إلى جانب تواجد مصر في بيئة إقليمية وعالمية تتسم بالديناميكية والإيقاع السريع.

وحسب الأدبيات الإسرائيلية فقد وفر هذا الواقع بيئة مثالية لتمكين (إسرائيل) من تحقيق مصالحها في العلاقة مع مصر؛ حيث انطلقت نخب الحكم في تل أبيب من افتراض مفاده أن وجود أنظمة مستبدة في العالم العربي يخدم المصالح الإسرائيلية القومية، على اعتبار أن هذه الأنظمة تكون مهتمة بالأساس بالحفاظ على استقرارها، أكثر من تبنيها أجندة قومية حقيقية يمكن أن يفضي تطبيقها للمس بهذا الاستقرار.  

البث المباشر